إبن زايد يدفع الغالي والنفيس لتمكين سلطته وعرشه.. ما علاقة عرشه بكرسيّ ترامب؟

إب نيوز ١٩ أغسطس  / متابعات

مدينة “دبي” الساحلية هي أشهر ميناء في العالم العربي يعرفه الشعب الإيراني ، ولطالما عُرفت دبي بأنها أكبر مصدر لإعادة تصدير البضائع الخاضعة للعقوبات إلى إيران ، فضلاً عن كونها نقطة اتصال لشبكات مصرفية وتجارية كبيرة لرجال الأعمال الإيرانيين ، ومن ناحية أخرى ، كان بعض السياح من الطبقة المتوسطة في إيران ، قبل الصدمة التي تلقتها العملة الايرانية ، يقصدون هذه المدينة كوجهة سياحية يسهل الوصول إليها والسفر والترفيه ، لذلك ، ففي أذهان معظم الإيرانيين ان الإمارات تساوي دبي ، لكن في الواقع ، تتكون دولة الإمارات من سبع إمارات ، أكبرها إمارة أبو ظبي ، عاصمة مدينة أبو ظبي الساحلية ، المنطقة الإماراتية التي من المرجح أن تكون الوحيدة المفتوحة للدبلوماسيين الإيرانيين والضيوف الخاصين والتي لطالما كانت منذ فترة طويلة تسيطر على السياسات الأمنية والعسكرية والدبلوماسية الكلية لدولة الإمارات العربية المتحدة.

ان الحكم على هذه الإمارة ، أو بالأحرى الإمارات، هي من مسؤولية “محمد بن زايد” او بحسب ما تصفه الصحف الغربية “MBZ” ، وهو رجل يبلغ من العمر 60 عامًا من عائلة زايد ، وهو شخصية رئيسية في خارطة الطريق التي تتوج بالعلاقة بين الإمارات والكيان الصهيوني.

من الساحل المتصالح وصولاً إلى أبو ظبي

عندما ولد محمد بن زايد في إمارة أبوظبي في أوائل الستينيات ، لم يكن هناك وجود لدولة تسمى الإمارات ، حيث كانت إمارات دولة الإمارات العربية المتحدة الحالية في ذلك الوقت تُعرف باسم” الشاطئ المتصالح” أو باللغة العربية الساحل “المتصالح او المهادن” ، حيث استغرق ظهور دولة تسمى الإمارات العربية المتحدة عدة سنوات في نفس الوقت الذي انسحبت فيه بريطانيا من شرق قناة السويس وأخلت الخليج الفارسي ، وفي ذلك الوقت ، أصبح والد محمد بن زايد رئيس قبيلة أبو ظبي رئيسًا لدولة الإمارات العربية المتحدة ، وفي ذلك الوقت ، كشفت شركة شل للتنقيب عن النفط أن إمارة أبو ظبي تمتلك ما يقرب من 98 في المائة من احتياطيات النفط في الإمارات ، وفي عام 1971 ، مع تأميم شركات النفط البريطانية وتم ايجاد شركة أدنوك” أو شركة أبوظبي الوطنية للبترول.

مكّنت الأرباح الهائلة الناتجة عن قفزة أسعار النفط في عام 1973 محمد بن زايد من السفر إلى بريطانيا للدراسة في كلية “سند هيرست” العسكرية ، حيث درس أيضًا مع شخصيات مثل الملك عبد الله الثاني ملك الأردن ، واعتمادًا على تعليمه ارتقى محمد بن زايد في صفوف الجيش الإماراتي في ثمانينيات القرن الماضي ، وفي ذات الوقت عزز بن زايد مكانته بين أبناء والده الآخرين ، وفي التسعينيات ، عندما كشف غزو صدام للكويت عن ضعف الجيوش العربية ، سافر محمد بن زايد إلى واشنطن لشراء جيل جديد من طائرات إف -16 المقاتلة للإمارات ، المقاتلات التي أصبحت الآن بمثابة العمود الفقري للقوات الجوية الإماراتية مع ترقيات مختلفة ، حتى أنه ذهب إلى الروس وحاول الحفاظ على تنوع الأسلحة في القوات البرية لجيش الإمارات.

كان عام 2003 عامًا ذهبيًا لمحمد بن زيد ، حيث تم تعيينه وليًا للعهد بأمر من والده “زايد بن سلطان آل نهيان” وفي عام 2004 ، بعد وفاة والده وصعود شقيقه “خليفة بن زايد” إلى السلطة ، تم تعيينه وليًا للعهد ونائبًا لقائد القوات المسلحة الإماراتية.

كيف أصبح محمد بن زيد الحاكم المطلق لدولة الإمارات

لفهم الوضع الحالي في دولة الإمارات، من المهم معرفة أنه على الرغم من توحيد جميع الإمارات السبع ، إلا أن هناك منافسة سرية وشرسة بينهم ، حيث ان المنافسين الرئيسيين هما إمارتا دبي وأبو ظبي ، اللتان تحكمهما عائلات آل مكتوم وآل نهيان ، على التوالي ، وحتى عام 2008 ، كان التنافس بين الإمارتين متوازنًا ، لكن الأزمة الاقتصادية العالمية أضرت كثيراً بدبي ، فبينما كانت دبي تواجه هرباً سريعا للاستثمار الأجنبي منها ، كانت أبو ظبي قادرة على لعب دور الوسيط من خلال الاعتماد على صندوق الثروة النفطية الوطنية البالغ 900 مليار دولار في ذلك الوقت.

وفي نوفمبر عام 2008 ، أصبح من الواضح أن الديون المترتبة على شركة دبي العالمية القابضة(Dubai Holding) ، والتي تضم العديد من الشركات بما في ذلك شركة طيران الإمارات ومطار دبي وشركة موانئ دبي ، تصل الى نحو 80 مليار دولار ، كانت فرص التفاوض مع الدائنين ضئيلة ، وسرعان ما وصل زمان استحقاق دفع سندات بقيمة 2.5 مليار دولار ، وفي ديسمبر سنة 2008 ، عندما كانت الأمور على وشك الانهيار ، سمحت أبو ظبي ، أو بالأحرى محمد بن زيد ، لإمارة دبي بتأجيل ديونها حتى أبريل 2010 من خلال إيداع 10 مليارات دولار ، ولم يتضح في ذلك الوقت ما الذي حققته أبو ظبي على الصعيد الأمني ​​والسياسي ، لكن مرور الوقت أظهر أن التنافس بين الإمارتين سيستمر لصالح أبوظبي لسنوات عديدة على الأقل.

حرب محمد بن زايد السرية ضد إيران

محمد بن زايد” بعنوان الزعيم الرئيسي لأبو ظبي وبالتالي لدولة الإمارات العربية المتحدة ، يعارض أي نوع من الحركات الإسلامية ، سواء كانت بقيادة الإخوان المسلمين أو حزب الله أو إيران ، حيث تدعم حكومة الإمارات الحكومات العلمانية للممالك العربية.

كما أشار بن زايد مرارًا وتكرارًا للدبلوماسيين العرب إلى أن الديمقراطية مبكرة جدًا بالنسبة للمجتمعات العربية ، كما ان عداوته للإخوان المسلمين أعمق من أي تيار إسلامي آخر ، كما زعمت صحيفة نيويورك تايمز ، في مقال نشرته عام 2019 ، أن أستاذه الشخصي عزت الدين إبراهيم” ، حاول على ما يبدو غرس المعتقدات الإسلامية فيه في سن المراهقة ، مما جعله يكره تعاليم الإخوان!

الجبهات التي يقاتل فيها محمد بن زايد متنوعة للغاية وغالباً ما تكون من نوع العمليات شبه الأمنية أو الاستخباراتية ، وعلى سبيل المثال ، يعد “التحالف ضد إيران النووية” أحد أكثر اللوبيات تأثيراً ضد الأنشطة النووية الإيرانية ، حيث يلعب هذا اللوبي التي يتكون ظاهريًا من سياسيين معارضين لتسلح إيران نووياً ، دورًا مهمًا في كشف المعاملات المالية لإيران والضغط على اقتصادها.

وعلى ما يبدو ، يتم تمويل هذه المجموعة من خلال التبرعات ، ومع ذلك ، تظهر البيانات المنشورة أن التكاليف الرئيسية تغطيها الإمارات العربية المتحدة بوساطة من قبل “توماس كابلان” ، حيث يبدو أن كابلان هو ملياردير مكلف بعرض أفضل الأعمال الفنية في أبو ظبي ، لكن اسمه يُسمع غالبًا وبشكل مستمر في مشاريع التجسس سيئة السمعة ، “حاييم سابان” هو أحد المقربين من محمد بن زايد للضغط على إيران في اطار مؤسسة مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط” والتي تسعى لخلق إجماع ضد إيران ، عملت الإمارات عن كثب مع الولايات المتحدة الامريكية لمنع أي اضطراب نفطي في منعطفات حرجة ، بما في ذلك الجهود المبذولة لفرض حظر نفطي شامل على إيران.

طموح الإمارات، من عدن إلى ليبيا

في عام 2011 ، عندما اشتعلت نيران الثورات العربية ، رأى محمد بن زايد ان عدوه القديم على وشك فتح العالم العربي ، حيث كانت الخطوة الأولى التي اتخذها بن زايد هي زيادة الأمن الداخلي لدولة الإمارات العربية المتحدة ، وفي الخطوة الأولى قام بمساعدة “إريك برنس” ، مؤسس شركة بلاك ووتر سيئة السمعة ، بتشكيل عدة كتائب من مرتزقة أمريكا اللاتينية.

ودعمت الإمارات فيما بعد نشر مرتزقة سعوديين لقمع الثورة البحرينية كجزء من تحالف مجلس التعاون الخليجي ، وأخيراً دخلت في شراكة متعددة الأطراف لدعم انقلاب عبد الفتاح السيسي وتقديم حزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار لقمع فرع الإخوان المسلمين في مصر.

حيث كانت هذه أول شراكة أمنية جادة بين الكيان الصهيوني والإمارات العربية المتحدة ، وبعدها عندما دخلت السعودية حرباً مع اليمن تحت قيادة محمد بن سلمان لقمع ثورة أنصار الله كانت الإمارات واحدة من أهم أعضاء هذا التحالف ، ومع ذلك ، فإن الهدف الرئيسي للإمارات في هذه المعركة لم يكن العاصمة اليمنية صنعاء ، بل ميناء عدن الجنوبي.

وعلى عكس السنوات السابقة ، عندما سعت الإمارات للسيطرة على ميناء عدن في شكل اتفاقية تجارية ، احتلت عدن بلواء مدرع من دبابات “لوكليرك” الفرنسية ، ومن ناحية أخرى ، سعت هذه الدولة لفصل جنوب اليمن من خلال تعزيز الانفصاليين الذهبيين في المنطقة ، للسيطرة على الساحل اليمني بأكمله في مضيق باب المندب وبحر مكران والسيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية ، وكذلك ميناء عصيب في إريتريا ، وكذلك الاستقرار في مناطق مثل الصومال وجيبوتي.

الأداة الرئيسية لهذه الإمبراطورية البحرية هي شركة موانئ دبي ، والتي تسعى إلى الحفاظ على مركزية دبي كميناء رئيسي في المحيط الهندي أمام موانئ “جوادر” في باكستان ، و”دقم” في عمان و”جابهار” في إيران للحفاظ على السيطرة على هذه النقطة الحيوية في يد الإمارات.

وقد وسعت الإمارات بالفعل تدخلها إلى البحر الأبيض المتوسط ​​، وأبرز مثال على ذلك هو دعم جيش شرق ليبيا بقيادة خليفة حفتر ، وبالإضافة إلى نشر مقاتلات ميراج ، تدفع الإمارات حاليًا مقابل نشر أسلحة روسية بموجب عقد شركة “فاغنر” في ليبيا ، ومثال ذلك نشر أنظمة الدفاع “بانتسير” والطائرات بدون طيار الصينية في وحدة الدفاع التابعة لجيش خليفة حفتر مقابل الدعم التركي لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا.

الجزء المرئي من جبل جليدي ضخم

بطبيعة الحال، من المستحيل تصديق أن هذا فرانكشتاين” الغريب تم تشكيله فقط بمدد محمد بن زايد، ولا يمكن تصور أن تصبح الإمارات مركزًا للأنشطة الاستخباراتية والأمنية في الخليج الفارسي دون مساعدة الكيان الصهيوني.

وهناك مؤشرات كثيرة على أن الشركات الخاصة والأفراد الصهاينة المؤثرين يقفون خلف كواليس العديد من مخططات محمد بن زايد ، فعلى سبيل المثال ، في السنوات القليلة الماضية ، لعبت شركة NSO ، باعتبارها شركة صهيونية نشطة في مجال الأمن الإعلامي ، دورًا رئيسيًا في التجسس السيبراني للمعارضة الإماراتية في قطر وإيران.

حيث تم تكليف أعضاء هذه الشركة ، إلى جانب عدد من الأعضاء السابقين في وكالة الأمن القومي الأمريكية ، بتنفيذ هذه الهجمات ، كما ان معظم موظفي NSO يتمتعون بخلفية في الوحدة السيبرانية لجهاز استخبارات الجيش الإسرائيلي ، بالاضافة الى ان شركة Albit Systemsالصهيونية مسؤولة أيضًا عن بيع معدات الاتصالات السلكية واللاسلكية والتجسس إلى الإمارات العربية المتحدة.

وتباع الطائرات الصهيونية بدون طيار أيضًا إلى الإمارات العربية المتحدة عبر دول مثل كرواتيا وكولومبيا ، حيث يلعب الجنود الإسرائيليون المتقاعدون دورًا مهمًا في الشركات الأمنية الإماراتية ، ويتولون إلى جانب الشركة البريطانية“GS4” ، السيطرة غير المحسوسة على دبي من خلال الكاميرات.

وبالطبع، فان تعاون الإمارات مع شركات الأمن البريطانية أمر مسبوق ، فبين عامي 2014 و 2016 ، على سبيل المثال ، كانت شركة العلاقات العامة البريطانية Quiller Consultants مسؤولة عن الترويج للجيش السوري الحر وإبلاغه للتأثير على الرأي العام البريطاني ، والذي تم تمويله من خلف الكواليس من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة.

وبذلك تكون العلاقات بين الكيان الصهيوني والإمارات أعمق مما ظهر في إقامة علاقات رسمية بين الجانبين.

أبو ظبي وتل أبيب، هدفان مختلفان 

على الرغم من التقارب الاستراتيجي بين الإمارات والكيان الصهيوني ، إلا أن هناك بعض الاختلافات التكتيكية في أهداف الجانبين، حيث تتطلع الإمارات قبل كل شيء إلى إبقاء ترامب في الرئاسة الجمهورية ، والإعلان الرسمي عن هذه العلاقات ، من وجهة نظر ترامب، هو أداة لكسب المزيد من الأصوات في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل.

كما انه لدولة الإمارات نفوذ متزايد على إدارة ترامب بفضل مشاوراتها معه في بداية حكمه ؛ وضمت المشاورات التي كشفها تحقيق “روبرت مولر” المفتش العام الأمريكي الخاص للانتخابات الامريكية ، جورج نادر” و”جويل زامل” و”إريك برنس” من جهة، ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان من جهة أخرى ، من أجل التأثير بشكل جدي على إدارة ترامب ، وبالتأكيد ، سيقدم محمد بن زايد كل التنازلات الممكنة لإبقاء ترامب في السلطة ، ولن يكون الكشف عن العلاقات السرية على مدى السنوات الـ 15 الماضية مع الكيان الصهيوني تضحية خاصة.

ومن ناحية اخرى في المقابل يسعى الكيان الصهيوني إلى دخول المجال الأمني ​​الإيراني في الخليج الفارسي، حيث يبعد ساحل الإمارات أقل من 80 كيلومترًا عن الحدود الإيرانية، ويشكل التواجد الرسمي للكيان الصهيوني في هذا البلد تهديدًا مباشرًا لأمن طهران القومي ، ويبدو أن تل أبيب تسعى لتحقيق نوعاً من التوازن مقابل التواجد الإيراني في سوريا وحدود مرتفعات الجولان.

ونظرًا لضعف الامارات الجيوسياسي ، فهي لا تمتلك القدرة العسكرية لمواجهة إيران على الإطلاق ، وقد حذرت طهران صراحةً من أنها لن تتسامح مع أي تهديدات أمنية من الجانب الإماراتي ، ويبقى أن نرى ما إذا كانت أبوظبي ستقبل بخطر المواجهة مع إيران مقابل اعلان العلاقات الرسمية مع الكيان الصهيوني ، بغض النظر عن النقاشات الدعائية والجهود المبذولة لإبقاء ترامب في السلطة.

You might also like