عطوان : لماذا نعتقد ان اتفاق السلام الاماراتي الإسرائيلي اخطر من اتفاق اوسلو؟

إب من ٢٩ أغسطس

عبدالباري عطوان :

لماذا نعتقد ان اتفاق السلام الاماراتي الإسرائيلي اخطر من اتفاق اوسلو؟ وهل ستتزعم إسرائيل “التكتل السني” في مواجهة ايران وتركيا وتتحول أبوظبي الى “اسبرطة” الخليج؟ وكيف نتوقع تكرارا لسيناريو الثورة العربية الكبرى وربما اكثر خطورة على المنطقة؟

اذا كان “اتفاق أوسلو” اعظم “اختراع” إسرائيلي، على حد وصف الثعلب شمعون بيريس، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي سيتم الاحتفال بتوقيعه رسميا الشهر المقبل في حديقة البيت الأبيض، وربما في التوقيت نفسه لتوقيع الاتفاق الأول، هو الاختراع اليهودي الثاني الذي لا يقل أهمية وخطورة بالنظر الى طموحات مهندسة جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي بمشاركة واشراف مُعلمه بنيامين نتنياهو.

الاتفاق الأول، أي “أوسلو”، الذي جرى توقيعه في 13 أيلول (سبتمبر) عام 1993 باع للفلسطينيين وهم إقامة دولة فلسطينية دولة على حدود عام 1967 وتحويل قطاع غزة الى “سنغافورة الشرق الأوسط”، اما الاتفاق الثاني فيبيع وهما اكثر خطورة للعرب، أي إقامة “تكتل سني” تقوده إسرائيل يتصدى لإيران وتركيا وطموحاتهما في الزعامة على المنطقة، وتحويل أبوظبي الى “اسبرطة” الجزيرة العربية، برعاية أمريكية إسرائيلية، معززة بترسانة من احدث الأسلحة واكثرها فتكا، ودرة تاجها طائرات “اف 35” (الشبح) الأكثر تطورا في الصناعة العسكرية الامريكية.

***

اختيار دولة الامارات لهذا الاختراق الأمني والعسكري الإسرائيلي الأمريكي لم يكن اعتباطا، وانما نتيجة دراسات وتمحيص واختيار الظرف والتوقيت الملائمين، فدولة الامارات، مثل معظم دول الخليج الأخرى، وخاصة السعودية والبحرين، تعانيان من “هاجس” القوة الإيرانية الصاعدة، وما يترتب عليها من تهديدات، وفي ظل صعود القوة الإقليمية الأخرى، أي تركيا، ووجود قواعد لها على حدود الامارات، أي قاعدة “عديد” أخرى في قطر، اختارت العقول الإسرائيلية المتآمرة والمخططة هذا التوقيت الحرج، لاستغلال نقطة الضعف الإماراتية، تماما مثلما استغلت إسرائيل وامريكا نقطة ضعف منظمة التحرير المتمثلة في عزلتها، وحصارها وافلاسها، بعد غزو القوات العراقية للكويت بالمسارعة بعرض “طعم” مفاوضات ومن ثم اتفاق “أوسلو” لإدخالها في مصيدة التطبيع المحكمة الاعداد وبقية القصة معروفة.

بعد 27 عاما من توقيع اتفاقات أوسلو باتت قيادة المنظمة تعيش حصارا وعزلة اكثر اذلالا وخنقا من ذلك الذي عاشته عام 1990 بعد احتلال الكويت، فلم تظفر بدولة فلسطينية مستقلة ولا حتى بحكم ذاتي، وانما بصفقة قرن تقود في نهاية المطاف الى ضم اكثر من 30 بالمئة في الضفة، وجميع غور الأردن، الى جانب القدس، وطرد معظم الفلسطينيين الى الاردن حيث مشروع الوطن البديل، ولم يعد احد من الزعماء العرب يهاتف الرئيس محمود عباس الذي توقفت طائرته الخاصة عن الطيران، وبدأ يأكلها الصدأ والغبار حيث تربض في مطار عمان الى اجل غير مسمى.

اكثر التعبيرات التي تثير الاستغراب هذه الأيام هي تلك التي تتردد على لسان مسؤولين اماراتيين وتقول ان “اتفاق السلام” الجديد يحظى بضمانة أمريكية وينسى هؤلاء ان اتفاق أوسلو يحظى أيضا بضمانة أمريكية، والاتفاق النووي الإيراني كذلك، وربما يفيد التذكير أيضا بأن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان توصل الى اتفاق مع الرئيس ترامب بالافراج عن القس الأمريكي اندرو برونسون عام 2017 مقابل تسليم الداعية الإسلامي فتح الله غولن، المتهم بالوقوف خلف انقلاب تموز عام 2016، وعاد الأول الى عائلته في أمريكا، وما زال الثاني غولن يتمتع بصحة جيدة، ورعاية أمريكية متميزة في منفاه في ولاية بنسلفانا، ودفع الاقتصاد التركي وما زال يدفع ثمنا باهظا بسبب ضغوط ترامب.

السيد بسام ابو شريف، مستشار الرئيس عرفات السابق، روى في مقاله الأخير (نشر يوم الخميس في صحيفة رأي اليوم) ان بيريس ابلغه بأن عرفات اخطأ عندما اعتقد ان اتفاق أوسلو سيقوده الى دولة فلسطينية، لأنه لا يوجد إسرائيلي واحد يقبل بقيامها، وكل ما يمكن ان يحصل عليه هو حكم ذاتي تحت السيادة الإسرائيلية، واعترف الرئيس عرفات بأن بيريس كان مصيبا، وما ادركه خَلَفه الرئيس محمود عباس انه حتى الحكم الذاتي لم يعد ممكنا، وبات ينتظر احد خيارين، اما الاغتيال او الابعاد الى الأردن.

نتنياهو اكد انه لم يلتزم مطلقا بوقف الضم بمقتضى الاتفاق مع الامارات، وان التجميد سيكون “مؤقتا” ولاسابيع وربما لاشهر معدودة، وصرح احد وزرائه بأن الامارات لن تتسلم ولا حتى “برغيا” واحدا من طائرات “الشبح”، وهذا ليس مفاجئا، فلماذا تلتزم أمريكا وإسرائيل بالاتفاق الاماراتي الأخير، وهما لم يلتزما مطلقا بمعظم الاتفاقات السابقة ان لم يكن كلها.

***

اللعب على الورقة الطائفية، والتقسيمات السنية الشيعية التي تحاول إسرائيل تعميقها في المنطقة بدعم امريكي، وترى في اتفاق السلام مع الامارات رأس حربتها، هو الخطر الأكبر الذي يواجه المنطقة حاليا، فزعامة إسرائيل للتكتل السني الذي تعكف أمريكا على تأسيسه لمواجهة الخطر الإيراني المزعوم يذكرنا بمحادثات حسين مكماهون التي قادت الى الثورة العربية الكبرى ضد الإمبراطورية العثمانية اثناء الحرب العالمية الأولى، وكانت مكافأة العرب اتفاقات “سايكس بيكو” ووضعهم تحت الانتدابين الفرنسي والبريطاني.

التاريخ يعيد نفسه للأسف بطريقة او بأخرى مع اختلاف الممثلين وبما يؤكد ان العرب هم انفسهم، ولا يتعلمون من دروسه مطلقا، لانهم وبكل بساطة، لا يقرؤنها، وان قراؤها لا يريدون فهمها، رغم ان بعضهم تعلم في اعظم الجامعات الغربية والشرقية، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.

You might also like