عبدالباري عطوان : أربعة أسباب دفعت اردوغان للمجاهرة بعزمه الانضمام الى معسكر التطبيع مع “اسرائيل”.. ما هي؟

إب نيوز ٢٦ ديسمبر

عبدالباري عطوان :

أربعة أسباب دفعت اردوغان للمجاهرة بعزمه الانضمام الى معسكر التطبيع مع “اسرائيل”.. ما هي؟ وهل ستؤدي هذه “المقامرة” لكسر عزلته فعلا؟ وكيف سيكون رد فعل “الاخوان المسلمين” و”حماس” والإسلام السياسي عموما؟ ولماذا سيكون نتنياهو الكاسب الأكبر من هذا “الانقلاب”؟

فجر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قنبلة سياسية، ربما تكون هي الأكبر، بين نظيراتها السابقات، عندما اعلن ان بلاده ترغب في علاقات افضل مع إسرائيل، وكشف ان محادثات على المستوى الاستخباري مستمرة في الوقت الراهن وجرى نشر تسريبات إسرائيلية صحافية بكثافة تقول ان انقرة وتل ابيب باتا على شك إعادة تبادل السفيرين اللذين جرى سحبهما عام 2018 بسبب تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

هذه النوايا التطبيعية العلنية التي عبر عنها الرئيس اردوغان يوم امس كان لها وقع “الصدمة” على حركات الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، وخاصة حركة “الاخوان المسلمين” التي تعتبره “القدوة” والامام، والحائط المتين في مواجهة خطوات التطبيع المتناسلة في العالم العربي، وما عزز هذا الانطباع الموقف الرافض القوي الذي اتخذه الرئيس التركي ضد الحكومات العربية المطبعة في الامارات والبحرين والسودان، وهدد بسحب سفيره من أبو ظبي احتجاجا.

من المفارقة ان هذه “المجاهرة” التركية بالرغبة في تطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، جاءت بعد ان اقدم حزب العدالة والتنمية المغربي الذي يوصف بأنه احد فروع حركة “الاخوان” واكبرها في الاتحاد المغاربي على تأييد تطبيع العلاقات المغربية الإسرائيلية، وقام السيد سعد الدين العثماني، رئيس الوزراء، بتوقيع اتفاقيات التطبيع شخصيا، جنبا الى جنب مع مائير بن شبات، رئيس الامن القومي الإسرائيلي، الامر الذي احدث “صدمة” في أوساط معظم الإسلاميين، تعززت بعد دعم السيد عبد الاله بن كيران، رئيس الوزراء السابق للحزب والحكومة، هذه الخطوة التطبيعية وأشاد بها.

التطبيع بين تركيا ودولة الاحتلال الإسرائيلي عميق الجذور، ولم يكن وليد الساعة، ويعود الى عام 1949 عندما اعترفت الحكومة التركية في حينها بقيام دولة إسرائيل وتبادلت العلاقات الدبلوماسية معها، ورغم توتر هذه العلاقات عام 2010 بسبب العدوان الإسرائيلي على سفينة مرمرة التي كانت تحمل مساعدات إنسانية الى قطاع غزة، مما أدى الى استشهاد عشرة من النشطاء الذين كانوا على ظهرها، فان التعاون الاستخباري بين البلدين لم يتأثر مطلقا، والشيء نفسه يقال عن العلاقات الاقتصادية، حيث وصل حجم التبادل التجاري الى حوالي عشرة مليارات دولار سنويا في عام 2019، وكانت شركات الطيران التركية تقوم بأكثر من 60 رحلة أسبوعيا الى مطار تل ابيب، وكانت إسرائيل مصدر صفقات السلاح الرئيسية لتركيا، وبلغت هذه الصفقات ذروتها بعد اجتياح الجيش التركي لشمال قبرص عام 1974 عندما فرضت الولايات المتحدة والدول الأوروبية حظرا على بيع السلاح لتركيا احتجاجا.

هناك العديد من التكهنات حول الأسباب التي دفعت الرئيس اردوغان الى كسر “محظوراته” السابقة، والتوجه لتعزيز العلاقات مع دولة كان يصفها حتى الامس القريب بأنها “مارقة”، و”مجرمة” تقتل أبناء الشعب الفلسطيني وتجوعهم حتى الموت، ويتبنى حركة “المقاومة الإسلامية “حماس” سياسيا، ويفتح أبواب بلاده على مصراعيها امام قيادتها، ويمكن ايجازها في النقاط التالية:

  • أولا: الشراكة الاستراتيجية المتسارعة والمعمقة بين الرئيس الهام علييف، رئيس أذربيجان، وحليفه رجب طيب اردوغان، وهي الشراكة التي تعززت اثناء حرب إقليم “قرة باخ” حيث ارسل اردوغان قوات ومعدات عسكرية ثقيلة وطائرات مسيرة (بيرقدار) لدعم حليفه علييف الذي يقيم علاقات تحالفية وثيقة جدا مع “إسرائيل” في الوقت نفسه التي دعمته في الحرب نفسها، ويتردد ان الرئيس علييف هو الذي قام بدور الوساطة بين اردوغان ونتنياهو لتطبيع العلاقات.

  • ثانيا: الرئيس اردوغان يواجه عقوبات اقتصادية مزدوجة: من أمريكا على أرضية شرائه منظومات صواريخ “اس 400” الروسية، ومن الاتحاد الأوروبي الذي يدعم اليونان وقبرص في النزاع الحدودي المائي المتعلق بمخزونات الغاز والنفط، ويعتقد الرئيس التركي ان اللوبي اليهودي في أمريكا وأوروبا يمكن ان يساعده في منع، او تخفيف، هذه العقوبات.

  • ثالثا: بخسارة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الامريكية الأخيرة، وفوز جو بايدن خصمه الذي يدعم المتمردين الاكراد وقضيتهم، بات الرئيس اردوغان بحاجة الى الحليف الإسرائيلي ونفوذه للوقوف الى جانبه في أي صدام قادم مع الإدارة الامريكية الجديدة التي يتوقع ان تدعم خصومه، وخاصة الداعية فتح الله غولن، المتهمة حركته بالوقوف خلف الانقلاب العسكري الأخير.

  • رابعا: في ظل تواتر عملية تطبيع حكومات عربية مع إسرائيل، وخاصة في الخليج، قرر الرئيس اردوغان استغلال هذه الفرصة للانضمام الى هذه المسيرة، في الاقدام على هذه الخطوة، ومحاولة تطبيع علاقاته ليس مع إسرائيل فقط، وانما مع بعض الدول العربية والخليجية الأخرى مثل السعودية ومصر، وكان لافتا انه لم ينتقد، ولو بكلمة واحدة، خطوة التطبيع المغربية الأخيرة، رغم انه لا يكن الكثير من الود للمغرب، ومحور ارتكاز علاقاته مع دول الاتحاد المغاربي هي الجزائر، وبدرجة اقل تونس.

تبادل عودة السفراء، وزيادة حجم التبادل التجاري، وتعميق العلاقات التركية الاسرائيلية سيكون عنوان المرحلة المقبلة، ولكن هل سيؤدي هذا “الانقلاب” الى حدوث تغيير في سياسة “تركيا اردوغان” تجاه حلفائه، وخاصة حركات الإسلام السياسي، والاخوان المسلمين، وحركة “حماس” تحديدا؟

اللافت ان حركة “حماس” التي انتقدت الحكومات العربية المطبعة بشراسة، وآخرها الحكومة المغربية، لم تعلق لو بكلمة واحدة على اعلان النوايا التركية التطبيعية وعلى لسان الرئيس اردوغان نفسه، فهل هذا يعني انها لم تفاجأ بالخطوة التطبيعية التركية، او كانت على علم مسبق بها؟

وهناك سؤال آخر هو: هل يكون هذا التطبيع التركي الإسرائيلي مقدمة، او غطاء، لتطبيع قطري إسرائيلي ايضا باعتبار ان قطر اكبر حلفاء اردوغان في المنطقة؟

لا نملك إجابات محددة على هذه التساؤلات، ولكننا لا نستبعد ان يؤدي هذا التطبيع التركي الرسمي المتسارع مع إسرائيل الى اهتزاز مكانة الرئيس اردوغان في أوساط حلفائه الإسلاميين او معظمهم، وربما حدوث انقسامات في حركات الإسلام السياسي في العالم الإسلامي، والشرق أوسطية تحديدا، وظهور تيارين، الأول يستمر في البقاء تحت المظلة الاردوغانية بذريعة “البراغماتية”، والثاني الانشقاق عن المرجعية التركية، وتبني استراتيجيات متشددة، وهذا ما يذكرنا بالسيناريو المماثل الذي حدث في مصر بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد بطريقة او بأخرى، حيث انشقت حركات عديدة مثل الجهاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية المقاتلة.

ربما أراد الرئيس اردوغان من خلال هذه الخطوة التطبيعية مع “اسرائيل” التي تتناقض مع كل ادبياته ومعتقداته المعلنة، ان يكسر عزلته الإقليمية والدولية، ولكنه اقدم على الخطوة الخطأ في رأينا، التي قد يكون هو شخصيا اكبر ضحاياها لأنه قد يفقد ما تبقى له من أصدقاء، ودون ان يكسب الأعداء، وما اكثرهم، ولا نعتقد ان إسرائيل ولوبياتها ستغفر له، وتتجاوز عداءه، واخراجه من ازماته الحالية بالتالي، وستحاول ابتزازه بأقصى قدر ممكن للحصول على ثمن باهظ في المقابل..  والله اعلم.

You might also like