عطوان : ما هي الرّسالة التي أراد بايدن توجيهها للسعودية ولماذا فكت الامارات ارتباطها بالرياض وأعلنت بعد دقائق التذكير بانسحابها “العسكري” قبل عام ونصف من اليمن؟

إب نيوز ٥ فبراير

عبدالباري عطوان :

ما هي الرّسالة التي أراد بايدن توجيهها للسعودية من خلال خطابه الاول حول سياسة إدارة بلاده الخارجية؟ ولماذا فكت الامارات ارتباطها بالرياض وأعلنت بعد دقائق التذكير بانسحابها “العسكري” قبل عام ونصف من اليمن؟ وكيف كان المعتقلون السياسيون العرب الأكثر احتفالا به؟ وهل بات الافراج عن الهذلول والعودة وشيكا؟

آثار خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي القاه الخميس وتحدث فيه عن سياسته الخارجية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، حالة من الاهتمام غير مسبوقة، لتركيزه على الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان، وانهاء دعم بلاده للعمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، بما في ذلك وقف بيع جميع الأسلحة والذخائر، ووصفه لهذه الحرب الدائرة منذ ست سنوات بأنها كارثة إنسانية واستراتيجية يجب ان تنتهي فورا.

طرفان رئيسيان كانا الأكثر ترحيبا بهذا الخطاب، وتعليقا للآمال على الإدارة الامريكية الجديدة:

  • الأول: اكثر من 30 مليون يمني يعيشون تحت حصار خانق، ويعتمد 80 بالمئة منهم على المساعدات الإنسانية في ظل مجاعة خانقة بسبب الحرب التي أودت بحياة مئات الآلاف منهم.

  • الثاني: المعتقلون السياسيون في معظم السجون والمعتقلات العربية، خاصة في الدول الحليفة لواشنطن وتعتمد اعتمادا كليا على حمايتها، ولم يكن مفاجئا افراج السلطات السعودية يوم امس عن معتقلين اثنين يحملان الجنسية الامريكية يواجهان تهمة الإرهاب، وافراج السلطات المصرية عن مراسل لقناة “الجزيرة”، ومن المتوقع ان تشمل عمليات الافراج هذه عن معتقلين سعوديين بعضهم امراء من الاسرة الحاكمة، ونشطاء حقوقيين مثل لجين الهذلول وزميلاتها، ودعاة مثل الشيخ سلمان العودة، فك الله اسرهم جميعا.

***

صفقات الأسلحة التي تقدر بمئات المليارات، والمكافآت التطبيعية “المجانية” مع دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تعد تحظى بالأولوية لدى الإدارة الامريكية الجديدة التي تسعى لترميم الآثار الكارثية لسياسات الإدارة السابقة في العالم، ومحاولة استعادة مكانة أمريكا القيادية.

حكومة ترامب ابتزت ما يقرب من التريليون دولار من السعودية ودول خليجية أخرى مقابل دعم الحرب في اليمن، وتحت ذريعة حمايتها من الخطر الإيراني، والتغطية على انتهاكاتها الفاضحة لحقوق الانسان، وجرائم الحرب التي اقترفتها في اليمن، ويبدو ان الإدارة الديمقراطية الجديدة تريد التخلص من هذا الإرث، ابتداء من محاولة انهاء الكارثة الإنسانية في اليمن، وتبييض السجون، وفتح ملفات حقوق الانسان.

الرئيس بايدن لا “يتصدق” على اليمنيين بتبنيه مثل هذه السياسة، فالفضل في التوصل الى هذا التحول المحوري في سياسته الخارجية تجاه اليمن يعود بالدرجة الاولى الى صمود الشعب اليمني برجولة وبسالة في وجه العدوان، وامتلاكه أسباب القوة على شكل منظومة صواريخ متطورة جدا ضربت العمق السعودي بدقة متناهية، في اطار سياسة الدفاع عن النفس، والرد على الغارات العدوانية، والحصار الخانق.

لا نعرف ما هي الخطوات العملية التي ستتخذها إدارة بايدن في اليمن في الأشهر المقبلة، بعد التعهد بوقف بيع الأسلحة، وتعيين مبعوث خاص (تيموثي ليندر كينغ)، ولن نفاجأ اذا ما أعلنت هذه الإدارة في أي يوم الغاء قرار إدارة ترامب بوضع حركة “انصار الله” الحوثية على قائمة الإرهاب.

نحذر الاشقاء في اليمن من الاغراق في التفاؤل، وتعليق الكثير من الآمال على هذه الإدارة الامريكية الجديدة، وعلينا ان نتذكر ان العدوان على اليمن بدأ في الأشهر الأخيرة لإدارة الرئيس “الديمقراطي” باراك أوباما، فالعالم لم يعد يثق بالإدارات الامريكية التي أظهرت فشلا حتى في التعاطي مع وباء فيروس كورونا، مضافا الى ذلك ان التحديات الداخلية التي تواجهها إدارة بايدن اثقل بكثير من نظيراتها السابقة، ولهذا يجب ان تستمر سياسة “الصبر الاستراتيجي” .

على الاشقاء في اليمن الاستفادة من التجربة التفاوضية الإيرانية، واعلاء سقف مطالبهم من الإدارة الامريكية، فايران استعدت للمفاوضات حول العودة الى الاتفاق النووي بنصب أجهزة طرد مركزي جديدة، وزادت نسبة التخصيب الى اكثر من 20 بالمئة، وطالبت بالرفع الكامل للعقوبات قبل فتح أي قناة للتفاوض، ورفضت التنازل عن أي بند من الاتفاق، او استبداله باتفاق آخر جديد يفرض قيودا على دور ايران الإقليمي، او برامجها الصاروخية التي تشكل الدرع الواقي الاصلب.

يصعب علينا تصور أي انهاء قريب للحرب في اليمن قبل انهاء ازمة الاتفاق النووي، او عودة الامن والاستقرار الى سورية، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، فجميع هذه القضايا الشرق أوسطية مترابطة ولا يمكن فصلها عن بعض، ويجب ان تدرك الإدارة الامريكية هذه الحقيقة، مثلما تدرك أيضا ان العالم يتغير وان قوى جديدة عظمى بدأت تزاحمها على عرش العالم.

وقف العدوان، ورفع الحصار، وفتح المطارات هي اكثر المطالب المشروعة التي يجب تحقيقها في اسرع وقت ممكن للوصول الى حل اولي للازمة اليمنية، والا فالحرب ستستمر، ولن يخسرها الشعب اليمني حتى لو تراجعت إدارة بايدن عن موقفها واستأنفت الصفقات العسكرية للتحالف الذي تتزعمه السعودية، والدليل الأبرز ان هذه المساعدات الضخمة جدا في زمن ترامب لم تغير من هذه الحقيقة، ولم تنجح في حسم الحرب لصالح التحالف السعودي الاماراتي.

***

العدوان على اليمن قبل ست سنوات كان قرارا خاطئا، وتصحيحه بوقفه فورا، وكانت دولة الامارات الأسرع إدراكا لهذه المعادلة عندما أعلنت بعد دقائق من خطاب بايدن، وعلى لسان وزيرها أنور قرقاش، انها انسحبت من اليمن، وأوقفت تدخلها العسكري في تشرين اول (أكتوبر) عام 2019، في اول، واقوى اعلان، عن فك الارتباط مع الشريك السعودي.

نعم بايدن في خطابه تحدث عن دعمه للمملكة في مواجهة الصواريخ التي تتعرض لها، وحماية امنها واستقرارها، ولكنها “جملة انشائية” في نظرنا، تعودنا على امثالها في البيانات الغربية، وحتى لو كانت غير ذلك، فان هذا الدعم لن يكون “مجانا”، وانما مقابل ثمن باهظ قد يتمثل في تبييض السجون من المعتقلين السياسيين وإدخال تغييرات إصلاحية في نظام الحكم.

امر مؤسف ان يأتي الافراج عن المعتقلين السياسيين في سجون عربية خوفا من ادارة أمريكية جديدة، وبعد أسبوعين من وصولها الى الحكم، وأول خطاب يلقيه رئيسها ويتحدث فيها عن حقوق الانسان، ولكنه الزمن العربي الرديء على أي حال.

You might also like