عبدالباري عطوان : موقف “مغيب” لوزراء الخارجية العرب تجاه ازمة سد النهضة.. من المسؤول؟

إب نيوز ١٥ يونيو

عبدالباري عطوان :

موقف “مغيب” لوزراء الخارجية العرب تجاه ازمة سد النهضة.. من المسؤول؟ ما الفائدة من “الهروب” الى مجلس الامن ولم يبق على بدء المرحلة الثانية الا عشرين يوما؟ ولماذا قرروا ضخ المليارات لتخريب سورية وليبيا والعراق في ساعات ولم يسحبوا “قنصلا” من اديس ابابا؟

جاءت قرارات الاجتماع الوزاري العربي “الطارئ” لبحث ازمة سد النهضة الاثيوبي الذي انعقد في الدوحة اليةم بحضور السيد سامح شكري وزير الخارجية المصري مخيبة للآمال، ولا يتناسب مع حجم التهديدات التي تواجهها دولتا الممر والمصب، أي السودان ومصر، بعد فشل عشر سنوات من المفاوضات العبثية المخادعة بسبب التعنت الاثيوبي.
فكل ما تمخض عنه هذا الاجتماع “الطارئ” و”الاستثنائي” توجيه دعوة الى مجلس الامن الدولي للانعقاد لبحث ازمة السد، وكأن هذا السد لا يشكل تهديدا بتعطيش وتجويع اكثر من 40 مليون من الاشقاء العرب، ماذا سيفعل مجلس الامن لوقف هذا التعنت الاثيوبي، وماذا ستستفيد مصر والسودان من أي بيان انشائي بالإدنة، وهذا ما نشك حتى في احتمالية صدوره؟
فاذا كانت أمريكا مدعومة بصندوق النقد الدولي فشلت في فرض نتائج وساطة توصلت اليها إدارة ترامب السابقة بعد مفاوضات مكثفة بحضور اطراف الازمة الثلاثة في واشنطن، فهل سينجح مجلس الامن فيما فشلت فيه الدولة الأعظم في العالم صديق اثيوبيا؟ وما هو مصير اكثر من 60 قرارا صدرت عن مجلس الامن والجمعية العامة  للأمم المتحدة فيما يتعلق بالحقوق العربية الفلسطينية المغتصبة؟

***
الحكومة المصرية ذهبت الى مجلس الامن الدولي شاكية، وعززت شكواها بالوثائق الدامغة، ولم تجد أي اهتمام، رغم ان انهيار الحلول السياسية قد تدفع باتجاه الخيار العسكري واشعال فتيل حرب مدمرة قد تؤثر نتائجها ليس على البلاد الثلاث، وانما على القارة الافريقية برمتها؟
وزراء الخارجية العرب الذين شاركوا في هذا الاجتماع الطارئ هم انفسهم الذين اشعلوا فتيل الحرب في سورية ورصدوا اكثر من مئتي مليار دولار لتدميرها، واتخذوا قرارا بإبعادها من جامعتهم العربية، وهم نفسهم الذين شرّعوا تدخل حلف الناتو في ليبيا وتحويلها الى دولة فاشلة، وفعلوا الشيء نفسه في العراق قبلها، وعندما يتعلق بدولة غير عربية مثل اثيوبيا، لا تجد حكومة عربية واحدة تسحب سفيرها من اديس ابابا احتجاجا، ناهيك عن وضع كل امكانياتها العسكرية والمالية تحت تصرف الحكومة المصرية في مواجهة هذا الخطر الاثيوبي الوجودي، خاصة ان المرحلة الثانية والأخطر لملئ خزانات السد ستبدأ بعد عشرين يوما فقط.
نحن لا نلوم هذه الحكومات العربية المتخاذلة فقط، وانما نلوم الحكومة المصرية نفسها التي تعاملت بليونة معها، وسكتت على تواطؤ بعضها مع اثيوبيا، بل وضخ مليارات الدولارات من الاستثمارات في مشاريع بناء السد، واخرى لدعم الاقتصاد الاثيوبي.
لن يردع اثيوبيا، ويوقفها عن حدها، الا موقف عربي قوي في جميع الميادين دعما لمصر والسودان، اما هذه المواقف المائعة، فستعطي نتائج عكسية تصب في مصلحة التعنت الاثيوبي، وتجويع عشرات الملايين من مواطني البلدين العربيين المتضررين.
اصبحنا كعرب “حيطة واطية” الجميع يستأسد علينا، ويتفنن في اذلالنا، فها هي وزارة الري الاثيوبية تعلن اليوم، البدء عن بناء سد جديد على نهر ديسدها الذي يغذي النيل الازرق بالماء، ليضاف الى 11 سدا قائمة حاليا وكمقدمة لإنشاء مئة سد أخرى في المستقبل المنظور في اطار “خطط للتنمية”، مما يؤكد بأن آبي احمد رئيس الوزراء الاثيوبي لا يقيم وزنا، او احتراما، او تفهما لكل الامة العربية.
رئيس الوزراء الاثيوبي وصل فيما يبدو الى قناعة راسخة بأن مصر والسودان، ومعهما الحكومات العربية يخشون الحرب ويرهبونها، ويراهنون على الوساطات والحلول السلمية، ولهذا تمادى في غيه وعناده وتعنته، ولم يعد يواصل تحدياته في استكمال بناء سد النهضة، وملء خزاناته فقط، وانما يذهب الى ما هو ابعد من ذلك، بالتهديد ببيع مياه النيل للبلدين الشقيقين، أي السودان ومصر، الم يقل المتحدث باسم خارجيته بأن العرب يبيعوننا البترول فلماذا لا نبيعهم الماء؟
***
لا نعتقد ان الدول المصرية التي خاضت اربع حروب حماية لأمنها القومي ضد العدو الإسرائيلي، ستتردد لحظة في خوض الحرب اذا اضطرت اليها، حماية لأمنها القومي المائي، فمن استطاع تدمير اسطورة خط بارليف وهزم الجيش الإسرائيلي عام 1973 ودفع غولدا مائير الى الاستنجاد بأمريكا، يستطيع ان يدمر سد النهضة مهما كانت التبعات المترتبة على هذه الخطوة، وسيجد الجيش مئة مليون مصري و300 مليون عربي يقفون خلفه، ونحن نتحدث هنا عن الشعوب وليس الحكومات.
اتقوا غضب الحليم، ومصر قوية وكبيرة، فاذا كان قطاع غزة الصغير الذي لا تزيد مساحته عن 150 ميلا مربعا، اعلن الحرب على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وعزلتها صواريخه المباركة عن العالم اجمع لعدة أيام وارسلت ستة ملايين من مستوطنيه الى الملاجئ، ودفع رئيس وزراءها للهرولة الى واشنطن لوقف الحرب، فكيف سيكون الحال لو تحرك هذا الفيل المصري العملاق، وسيتحرك قطعا، وفي الوقت المناسب، عندما يطفح الكيل، ويبدو انه اوشك على ذلك.. والايام بيننا

You might also like