عبدالباري عطوان : أمريكا تتخذ قرارا “صادما” بسحب منظوماتها الدفاعية “فجأة” من السعودية والعراق ودول خليجية والأردن.. ما الجديد؟ ولماذا الآن؟ وما هي البدائل؟

إب نيوز ١٩ يونيو

عبدالباري عطوان :

فجأة، وفي وقت تتعاظم فيه القوة الصاروخية لإيران وحلفائها من الحركات والاذرع العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، والخليج تحديدا، تكشف صحيفة “وول ستريت جورنال” الامريكية ان وزارة الدفاع (البنتاغون) بدأت في تخفيض اعداد أنظمتها الدفاعية في المنطقة، وخاصة في المملكة العربية السعودية، والعراق، والأردن، والكويت، اعتبارا من اول شهر حزيران (يونيو) الحالي، وأكدت وزارة الدفاع الامريكية هذا الخبر، وبررته بأنه يأتي في طار الصيانة، وهذا كذب صريح، فقد جرت العادة ان يذهب المهندسون والخبراء الى أماكن تواجد هذه المنظومات لهذا الغرض وليس العكس.
ولان المملكة العربية السعودية التي تواجه هجمات صاروخية متواصلة وفاعلة بقصفها من قبل حكومة صنعاء، بادر لويد اوستن، وزير الدفاع الأمريكي، بالاتصال هاتفيا بالأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي، لإبلاغه بهذا القرار “الصادم”، ولم يصدر اي رد فعل سعودي “علني” على هذه الخطوة المفاجئة، من قبل إدارة ديمقراطية لا تكن الكثير من الود للرياض التي وضعت كل بيضها في سلة الرئيس الجمهوري المهزوم دونالد ترامب وصهره اليهودي جاريد كوشنر.
أمريكا أرسلت بطاريات صواريخ “الباتريوت” الحديثة، ومنظومة  “ثاد” الصاروخية الأكثر تطورا في زمن إدارة الرئيس ترامب لحماية المملكة من الصواريخ اليمنية الحوثية التي ضربت عصب الصناعة النفطية السعودية في ابقيق وخريص، وقبلها منشآت أرامكو في ميناء جدة، وجيزان، وخط انابيبها الممتد من الخليج الى ميناء ينبع، والتصدي الى أي هجوم صاروخي إيراني في حال تصاعد التوتر، وتحوّل الى حرب مباشرة لتهدئة مخاوف الاسرة الحاكمة.
اللافت ان قرار سحب هذه المنظومات الصاروخية يأتي بعد فشل منظومة القبب الحديدية الإسرائيلية، التي تشكل نسخة اكثر حداثة من منظومات الباتريوت الامريكية، اثناء حرب غزة الأخيرة، وإعلان الرئيس بايدن سحب جميع القوات الامريكية من أفغانستان، ومن جانب واحد في أيلول (سبتمبر) المقبل.
أمريكا، وباختصار شديد، وبمثل هذا القرار المفاجئ، تؤكد اربع حقائق رئيسية لا بد من التوقف عندها:
الأولى: اعترافها “عمليا” بالهزيمة، وفشل جميع حروبها بالتالي، في العراق وسورية والخليج، وأفغانستان واليمن، وقررت تقليص الخسائر، وحفظ ما تبقى من هيبة لزعامتها واسلحتها، وإنقاذ نفسها وترليوناتها من حروب عبثية لا طائل منها.
الثانية: تحويل اهتمامها الى منطقة شرق آسيا، والصين تحديدا، التي باتت تشكل الخطر الوجودي الأكبر على مصالح الولايات المتحدة ونفوذها في هذه المنطقة الحساسة، وحلفائها الأبرز، ونحن نتحدث هنا عن اليابان وكوريا الجنوبية، والفلبين، وتايوان، وأستراليا والقائمة تطول.
الثالثة: أمريكا لا يمكن الاعتماد عليها كحليف قوي، وتتخلى عن “اصدقائها” وتغسل يديها منهم عندما تتعرض مصالحها لاي تهديد، او عندما تغير أولوياتها واستراتيجياتها الدفاعية ومصالحها الاقتصادية.
الرابعة: الحروب القادمة حروب سيبرانية، ومن خلال الطائرات المسيّرة أيضا، مما يعني ان المنظومات الدفاعية التقليدية باتت قديمة وغير ملائمة، ولا بد من الاستغناء عنها، واستبدالها بما يتلائم مع هذا التطور الجديد والمتسارع.
***
الرئيس الأمريكي جو بايدن، وباختصار شديد، قرر الانسحاب كليا من منطقة الشرق الأوسط، وترك حلفاء بلاده من عرب وإسرائيليين خيار وحيد وهو “ان يقلعوا اشواكهم بأيديهم” وبأقل مساعدة ممكنة من بلاده، وان يقدمهم على “طبق من ذهب” الى ايران ومحورها، القوة الصاعدة بشكل متسارع في المنطقة، استسلاما، تماما مثلما فعلت إدارة الرئيس جورج بوش الابن بغزوها للعراق وبدعم عربي أيضا.
ايران انتخبت اليوم رئيسا متشددا (إبراهيم رئيسي)، ووحدت كل المؤسسات في الدولة تحت راية المرشد المتشدد السيد علي خامنئي، (البرلمان، السلطة القضائية، الحرس الثوري، والآن السلطة التنفيذية)، اما حلفاء أمريكا العرب، فأصبحوا “ايتاما” بعد ان تبخرت معظم ثرواتهم، وتركتهم امهم غير الحنون لأقدارهم، وطارت الطيور بأرزاقها، وليس امامهم غير النحيب على احوالهم البائسة، حيث ضاع النفط وترليوناته، وربما الماء في الطريق.. وهذه قصة أخرى.. والله اعلم

You might also like