عطوان : قراءةٌ “مُختلفة” لمُقابلة الأمير بن سلمان المُطوّلة مع مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكيّة.. ما هي النقاط الأبرز التي استَوقفتنا؟

إب نيوز ٦ مارس

عبدالباري عطوان :

قراءةٌ “مُختلفة” لمُقابلة الأمير بن سلمان المُطوّلة مع مجلة “ذا أتلانتيك” الأمريكيّة.. ما هي النقاط الأبرز التي استَوقفتنا؟ وكيف سيكون ردّ الرئيس بايدن على التّهديدات التي وُجّهت إليه شخصيًّا من خِلالها؟ ولماذا نتذكّر اللّقاء الشّهير بين كيسنجر والملك فيصل؟

وفقا للمعايير الصحافية التي تعلمناها وعلّمناها، سواء بحكم التأهيل الاكاديمي او الممارسة العملية الميدانية، يمكن القول ان الحديث “المطول جدا” الذي أجرته مجلة “ذا اتلانتيك” الامريكية مع الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، والحاكم الفعلي للمملكة العربية السعودية، جاء “باهتا” و”منقوصا”، ولا يتضمن الا القليل من المعلومات المأمولة، وعلاوة عن كونه كان طريقا من اتجاه واحد، أي اتجاه الأمير، بينما كان دور المحاور اقرب الى دور “المستمع” وربما “المنبهر” رغم ان الفرصة كانت ذهبية لطرح العديد من الأسئلة الاستقصائية، للحصول على إجابات ينتظرها القارئ بشغف ولهفة حول ملفات عديدة بداية من جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، ومرورا بحرب اليمن وظروفها وتطوراتها، وانتهاء بالعلاقات مع كل من ايران، ودولة الاحتلال الإسرائيلي، واللقاءات السرية معها، ناهيك عن الازمة الأوكرانية وتفاصيل التوتر مع الحليف الاستراتيجي الأمريكي.

***

النقطة الأهم التي لفتت نظرنا في هذا الحديث، وتوقفنا عند كل كلمة وردت بشأنها تتعلق بالتهديدات التي وجهها الأمير بن سلمان الى الرئيس الأمريكي جو بايدن وادارته التي تتسم بجرعة كبيرة من الجرأة والتحدي،  غير مسبوقة على مدى الستين عاما الماضية من العلاقات السعودية الامريكية، وبالتحديد منذ قيادة المملكة لحظر النفط عن الغرب وامريكا تضامنا مع حرب أكتوبر عام 1973.

الأمير بن سلمان قال ما معناه ان تجاهل الرئيس بايدن له، وعدم الاتصال به، امر لا يعنيه، ولا يهمه، ولوح بتقليص الاستثمارات السعودية في أمريكا التي تصل الى 800 مليار دولار، واوحى بأن أمريكا هي التي تحتاج المملكة وليس العكس، و”نصح” الرئيس الأمريكي بالاهتمام بمصالح بلاده التي توجد في السعودية التي تعتبر واحدة من الأسرع نموا في العالم، وباتت تحتل المرتبة 17 على قائمة مجموعة العشرين الاقتصادية العالمية.

ربما يفيد التذكير بأن التدهور الأكبر للعلاقات الامريكية السعودية، حدث في تشرين اول (أكتوبر) عام 1973 عندما قررت الدول العربية النفطية في اجتماع طارئ عقدته في الكويت قطع كل الصادرات النفطية الى أوروبا وامريكا لمساندة الهجوم الذي شنته مصر وسورية ضد دولة الاحتلال، والوقوف في خندقهما، كرد قوي على الدعم الأمريكي الأوروبي “لإسرائيل”، وإقامة أمريكا جسرا جويا لإيصال الأسلحة لها، وتخصيص 2.3 مليار دولار لإنقاذها من الإفلاس والهزيمة.

الملك فيصل، رحمه الله، الذي استقبل هنري كينسجر وزير الخارجية الامريكي الذي جاء مهرولا الى الرياض وبصحبة مستشار الامن القومي في حينه ساعيا لرفع الحظر، واستقبله الملك في خيمة في الصحراء متعمدا، وقال مقولته الشهيرة “اننا على استعداد ان نعود للعيش في الخيام والاكتفاء بالتمر وحليب النوق، وسنعود اليهما”، وقال لضيفه الامريكي “انا طاعن في السن وامنيتي قبل ان اموت ان اصلي ركعتين في المسجد الأقصى المحرر، ولن يكون هناك سلام او استقرار اذا لم تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وتتخلى أمريكا عن دعمها”، ودعا الى الجهاد لتحرير المقدسات والأراضي المحتلة.

الملك فيصل دفع حياته ثمنا لهذا الموقف، ونال الشهادة، ولا نقول ذلك من قبيل المقارنة، فهي ليست في محلها على الاطلاق، والظروف مختلفة والزمن مختلف، ولكننا نسوقها بمناسبة التغييرات الحالية المتسارعة في المملكة على الصعد كافة، وكيفية تعاطي اهل الحكم فيها مع الازمات والمآلات التي يمكن ان تترتب عليها دوليا وإقليميا.

بإختصار شديد، نشير هنا الى ان هناك ازمة متفاقمة في العلاقات الامريكية السعودية على أرضية “النفط” فالأمير بن سلمان، باعتباره الحاكم الفعلي، رفض طلبا أمريكيا تقدم به الرئيس بايدن الى والده الملك سلمان، بفك الارتباط مع روسيا، وضخ كميات إضافية من النفط لتخفيض الأسعار للضغط على الاقتصاد الروسي وتخفيفه عن الاقتصادين الأمريكي والاوروبي، لامتصاص أي آثار سلبية للازمة الأوكرانية، والأكثر من ذلك بادر بالاتصال بالرئيس الروسي عارضا الوساطة، وهذا الرفض هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات الامريكية السعودية.

الرد المباشر والسريع من قبل إدارة بايدن على مواقف الأمير بن سلمان في الازمة الأوكرانية الأقرب الى روسيا، وتهديداته الجريئة للرئيس بايدن في مقابلة المجلة الامريكية، جاء بحذف كلمة رئيسية لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الذي يعتبر من اهم الخبراء في هذا القطاع، من اجندة مؤتمر للطاقة ينعقد في هيوستن يوم غد الاثنين، ومن المؤكد ان انشغال الإدارة الامريكية بحرب أوكرانيا ربما حال دون ردود فعل أخرى، اكثر قوة، حيث تبدو الاتصالات بين الرياض وواشنطن شبه مقطوعة او غير موجودة أساسا في الوقت الراهن.

***

الحرب الأوكرانية ستنتهي سلما او حربا، والاحتمال الأول هو الأكثر ترجيحا حتى الآن، في ظل تسارع الوساطات وعدم رغبة جميع الأطراف في الانزلاق الى حرب نووية عالمية، ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستغفر إدارة بايدن هذه الإهانة من حليفها السعودي الاستراتيجي التاريخي، خاصة ان أسعار النفط (تبلغ حاليا 120 دولارا للبرميل) قد تصل الى 200 دولار في الأسابيع القليلة القادمة؟ وهل سيدخل الحديث المطول لمجلة “ذا اتلانتيك” التاريخ باعتباره احد أسباب هذا التوتر في العلاقة الامريكية السعودية، وما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج؟

نترك الإجابة للمستقبل القريب، ولا نستبعد مفاجآت عديدة.. والايام بيننا

 

You might also like