عطوان : لماذا الدوحة؟ وهل ستنتقل المفاوضات النووية الإيرانية الامريكية الى وضع “المباشرة”؟

إب نيوز ٢٨ يونيو

عبدالباري عطوان :

لماذا الدوحة؟ وهل ستنتقل المفاوضات النووية الإيرانية الامريكية الى وضع “المباشرة”؟ وما هي “المكافأة” الاضخم التي تنتظرها ايران للتخلي عن سياسة كسب الوقت والتهرب من التوقيع؟ وهل كان لقاء “شمخاني بوريل” هو النقطة الحاسمة؟ وما هي شكوكنا؟

الجديد في المباحثات “غير المباشرة” التي انطلقت اليوم في الدوحة بين الولايات المتحدة وايران التي تهدف الى إزالة المسائل العالقة التي تمنع إعادة احياء الاتفاق النووي، يتمثل في انها “ثنائية” أولا، وفي دولة صديقة جدا للدولتين ثانيا، وقد تركز على قضايا أمنية وليس تقنية نووية فقط ثالثا.
نشرح أكثر ونقول ان حوزيف بوريل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي عندما قام “بزيارة إنقاذ” الى طهران بعد وصول مباحثات فيينا الى طريق مسدود قبل أسبوع لوحظ انه التقى الجنرال علي شمخاني رئيس المجلس الأعلى للامن القومي الإيراني، الى جانب لقائه مع السيد حسين امير عبد اللهيان وزير الخارجية، مما يعني انه، أي بوريل، كان يحمل في جعبته “تنازلات” أمنية أمريكية تتعلق بدور ايران الاقليمي، ورفع كامل للعقوبات الامريكية، سواء تلك المتعلقة بالعودة الى الاتفاق النووي، او المفروضة قبل التوصل اليه.
***
فوضع الحرس الثوري على قائمة الإرهاب، او رفعه منها، ليس قضية محورية بالنسبة الى ايران، فماذا يخسر أعضاء الحرس الثوري من وضعهم على قائمة الإرهاب، ومنعهم بالتالي من دخول الولايات المتحدة، او رفع الحظر عنهم في هذا المضمار، فلا نعتقد ان هؤلاء كانوا يتحرقون شوقا لقضاء اجازاتهم السنوية كسياح في الولايات المتحدة، فاذا كانت أربعون عاما من الحصار على ايران فشلت في تركيع الشعب الإيراني ورضوخه لشروط الاستسلام الامريكية، فهل سيؤدي رفع هذا الحرس من قائمة الإرهاب الى تنازل ايران عن جميع مكاسبها النووية الهائلة؟
اما النقطة الثانية المتعلقة بطلب ايران ضمانات بعدم انسحاب أمريكا من أي اتفاق جديد، فهي مسألة ثانوية أيضا، فايران التي تضم مراكز أبحاث وعلماء كبار، يعرفون أمريكا ودستورها ربما اكثر من نظرائهم الأمريكيين انفسهم، تعلم جيدا ان الإدارة الحالية لا تملك أي قدرة على تقديم مثل هذه الضمانات، مضافا الى ذلك ان معظم استطلاعات الرأي الامريكية تؤكد ان فرص الديمقراطيين بقيادة جو بايدن او غيره، للفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أي بعد عامين تقريبا، ستكون محدودة جدا، ان لم يكن مستحيلة.
اختيار الدوحة التي تعتبر العاصمة الأقرب لقلب الإدارة الامريكية الحالية، وتحظى بوضع الشريك المفضل لحلف الناتو، وتتواجد على أرضها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية (العيديد)، لم يكن من قبيل الصدفة، وانما لإبعاد الآخرين عن هذه الجولة من المفاوضات الحاسمة، التي لا نستبعد ان تكون “مباشرة” او “اكثر مباشرة” هذه المرة، حيث سيكون الوسيط القطري القريب من الطرفين هو الراعي لها.
عدم الوصول الى “حل” يفتح الطريق للعودة الى الاتفاق النووي يناسب ايران أكثر من أي وقت مضى، خاصة بعد ان أصبحت دولة حافة نوويا، وباتت تملك كل الخبرات والمواد اللازمة لصنع “قنابل” نووية، هذا اذا لم تكن قد صنعتها فعلا، فاذا كان وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن قال في اليوم الأول لتوليه منصبه، أي قبل عام ونصف العام تقريبا، ان ايران على بعد ثلاثة أشهر لإنتاج أسلحة نووية فقد مر عام وثلاثة اشهر منذ اطلاق هذه “النبوءة”، والاهم من ذلك ان ايران طوال هذه الفترة كانت في حل من أي التزام بالاتفاق النووي، وأغلقت جميع كاميرات الرقابة، وطردت المراقبين التابعين لوكالة الطاقة النووية الدولية، ورفعت نسب التخصيب الى أكثر من 60 بالمئة، ونصبت أجهزة طرد مركزية اكثر حداثة وتقدما، واقامت مفاعل نووية في بطن الجبال العملاقة.
***
ختاما نقول ان الإيرانيين دهاة في لعبة كسب الوقت، وعدم إعطاء إجابات حاسمة بنعم او لا، ونجحوا في كسب معركة الوقت و”تدويخ” المفاوضين والمسؤولين الأمريكيين بالتالي، ولا نعتقد انهم سيغيرون مواقفهم الآن، وهم ينتمون الى محور الحصان الروسي الصيني الكاسب، وامريكا تفقد زعامتها للعالم وتخسر حربها في أوكرانيا، وقد تواجه حربا أهلية داخلية وشيكة اللهم الا اذا جاءتهم أمريكا عارية مستسلمة رافعة الرايات البيضاء، بل والأكثر بياضا، وحتى هذا الاستسلام قد يُقابل بكلمة “لا” كبيرة جدا، ولكن بطرق غير مباشرة كالعادة، مثلما حدث في المفاوضات الماراثونية الحالية “النافقة” في فيينا.. والله اعلم

You might also like