عبدالباري عطوان:  لماذا تتضارب الروايات حول مصداقية “مسرحية” عملية اغتيال الظواهري؟

إب نيوز ٤ محرم

 

عبدالباري عطوان:

لماذا تتضارب الروايات حول مصداقية “مسرحية” عملية اغتيال الظواهري؟ وهل ستؤدي الى رفع شعبية بايدن المنهارة؟ ومن الذي انتهك اتفاقية الدوحة الامريكان ام الطالبان؟ وهل سترد الحركة على هذا العدوان على سيادتها.. وكيف وأين؟

اذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتقد بأنه بـ”اغتياله” “المفترض” للدكتور ايمن الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة” يستطيع ان ينقذ شعبيته المتهاوية داخل الولايات المتحدة وخارجها مع اقتراب الانتخابات التشريعية النصفية في شهر تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل، فإنه واهم في اعتقاده هذا، لان هناك فرق شاسع بين ظروف اغتيال زعيم القاعدة المؤسس أسامة بن لادن، ونائبه ثم خليفته الدكتور الظواهري، مضافا الى ذلك هزيمته الواضحة المعالم في حرب اوكرانيا.

منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، تراجعت عمليات التنظيم، وفقد الكثير من زخمه وقوته ومركزيته، وتشظى الى اكثر من تنظيم، وفي اكثر من مكان، وبات الهم الأكبر لقيادته الام، سواء الصف الأول منها او الثاني، هو كيفية تجنب الاعتقال او الاغتيال على أيدي خلايا المخابرات الامريكية التي كانت تطاردهم، وتصرف مئات الملايين من الدولارات لتتبع تحركاتهم.

رواية الاغتيال وتفاصيلها لم تصدر الا من جانب طرف واحد وهو الأمريكي، ولأسباب دعائية صرفة، الامر الذي جعلها مصدر العديد من الشكوك مثل روايات أخرى لم يتم التأكد من صحتها، مثل رواية اغتيال بن لادن  ودفنه في البحر، ونجله حمزة، وبعد ذلك أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وخليفته، فجميع هؤلاء اغتيلوا في ظروف غامضة، ولم يتم الكشف حتى الآن عن جثامينهم من قبل مغتاليهم الامريكان.

حركة طالبان لم تعلن حتى الآن عن مقتل الدكتور الظواهري، واكتفت بالقول انه جرى قصف منزل مهجور في أحد احياء العاصمة كابول، كما ان تنظيم القاعدة لم يصدر أي بيان موثوق يؤكد اغتيال زعيمه، وهناك معلومات تقول ان الدكتور الظواهري كان مريضا، ومن غير المستبعد ان يكون قضى نحبه قبل سنوات، بينما تقول أخرى انه يتواجد في دولة مجاورة في منزل سري يُعتقد انها اما ايران او باكستان.

فالقول انه كان يجلس في شرفه منزل فخم في أحد احياء كابول الدبلوماسية الراقية من الصعب القبول به او تصديقه، فالرجل مطارد من العديد من أجهزة المخابرات الامريكية والغربية، ليس على هذه الدرجة من السذاجة الأمنية لكي يحتسي قوته في الشرفة انتظارا لوصول صواريخ المسيرّات الامريكية لاقتناصه، ولكن لا شيء مستبعدا.

السيد ذبيح الله مجاهد الناطق باسم حركة طالبان اعترف بحدوث الغارة الجوية وإطلاق صواريخ من طائرات مسيّرة، ولكنه لم يتطرق مطلقا الى أي وفيات ترتبت عليها، بينما نفى وزير الداخلية الافغاني سراج الدين حقاني، المتهم وشبكته (شبكة حقاني) بإيواء الدكتور الظواهري واسرته، مؤكدا لوكالة “فرانس برس” ان صاروخا أصاب منزلا مهجورا في أحد احياء العاصمة الأفغانية.

لا نريد ان نستبق الاحداث، او نستبعد أي من الروايات، سواء الامريكية او المضادة والنافية لها، ولكن ما يمكن ان نقوله، انه اذا صدقت الرواية الامريكية، فإن نتائج وردود فعل وعواقب خطيرة قد تترتب عليها، لان حركة “طالبان” وما تبقى من تنظيم “القاعدة” قد ينتقمان لهذا الهجوم الذي يشكل انتهاكا للسيادة الأفغانية.

انتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي قال ان وجود الدكتور الظواهري في أفغانستان يشكل انتهاكا لاتفاق الدوحة مع حركة طالبان، ولكن ما حدث هو العكس تماما، فهذا الاتفاق لا يتضمن نصا صريحا في هذا الشأن، وانما يتضمن بندا يقول بعدم سماح حركة طالبان بتحويل بلادها الى منصة لانطلاق عمليات إرهابية ضد الولايات المتحدة، ولا نعتقد ان الدكتور الظواهري، الذي تحاوز السبعين، وفي حال تقاعد، كان يخطط لعمليات إرهابية، وحتى لو أراد ذلك فإن السلطات الأفغانية لن تسمح له بذلك، فهي تحترم تعهداته بالنظر الى حالات سابقة مماثلة.

ارسال المخابرات المركزية الامريكية مسيّرات لاغتيال الدكتور الظواهري، وفي قلب كابول العاصمة الأفغانية، عدوان خطير على سيادة دولة تواجه حصارا امريكيا بغض النظر عن مبررات هذا الهجوم والشخص الذي يستهدفه، واتهام حركة طالبان بإختراق المعاهدات والمواثيق باطل وغير مقنع، وغير قانوني.

الولايات المتحدة تلقت هزيمة مهينة مذلة في أفغانستان على يد حركة طالبان بعد عشرين عاما من احتلال كلفها أكثر من ثلاثة آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى، وخسائر مادية تقترب من ترليوني دولار، ولعل ما هو اكثر اهانة هروب الرئيس الافغاني حليف أمريكا اشرف غني، وتعلق العشرات من اركان حكومته وانصار أمريكا بعجلات الطائرات التي أقلت الرعايا الأمريكيين الهاربين بأرواحهم في مطار كابول.

بايدن ربما أراد من خلال المسرحية الدعائية المبالغ في فصولها انقاذ سمعته ورئاسته التي تمرغت في وحل أفغانستان، ولكنه سيفشل حتما، ولعل هجوم واحد من أنصار حركة طالبان والقاعدة على هدف امريكي، سواء داخل أفغانستان او في دول الجوار ثأرا وانتقاما قد يؤدي الى انهيار ادارته سواء في الانتخابات النصفية بعد ثلاثة شهر، او الرئاسية والتشريعية الكاملة بعد عامين.

مرة أخرى نؤكد بأننا امام روايات متضاربة حول عملية الاغتيال، ولهذا نحن في انتظار الرواية الرسمية، وخاصة الأفغانية، او الصادرة عن اسرة الظواهري، لانهما الاصدق، ويأتيان وفق نصوص الشريعة الإسلامية التي تحتم اعلان الوفاة رسميا، لأمور تتعلق بالإرث، واحكام الزواج والعدة، وحتى ذلك الحين لكل حادث حديث.

“راي اليوم”

You might also like