الراتب الموحد .. بين العدل والمساواة !

 

إب نيوز ٢٧ ربيع الثاني

عبدالملك سام

قال (هنري منكن): “هناك حلول سريعة لكل مشاكل الإنسان: أنيقة ومقبولة، لكنها خاطئة”. أي أن هذه الحلول قد تكون مقبولة من ناحية الشكل، إلا أنه عند تطبيقها تؤدي إلى نتائج لا تحل المشكلة، بل قد تؤدي لخلق مشاكل جديدة.

عندما يتعلق الأمر بإتخاذ القرارات، فالسرعة تفقد متخذ القرار الحكمة، وربما أن هذا هو ما يجعلنا في الوطن العربي من أسرع الشعوب إتخاذا للقرارات، وأكثرها تعثرا أيضا!

كل مسؤول حديث العهد، يسارع ليثبت أنه كفء أكثر من سابقيه، ولذلك يضع نصب عينيه مسألة التغيير بشكل مبالغ فيه، متناسيا أن الإنضباط في حد ذاته يعتبر إنجازا، خصوصا في الظروف الصعبة التي تمر بها هذه البلدان، وبلدنا على وجه الخصوص.

وزير الخدمة بحكومتنا، حديث العهد بوزارته، رغم أننا لا نشكك في نواياه ونزاهته، طرح مسألة شائكة على المحك، وسارع لإتخاذ قرار أثار الكثير من الجدل والمخاوف، ألا وهو قرار “الراتب الموحد”.. ورغم أن هذا القرار في ظاهره العدل، إلا أنه أغفل الكثير من الجوانب التي قد تؤدي إلى المزيد من التعقيدات الموجودة أصلا!

هناك فارق كبير بين العدل والمساواة، وما يدعو له وزيرنا الشاب هي المساواة بين جميع موظفي الدولة، بينما هذا الأمر في حقيقته إخلال بالعدالة من ناحية الإلتزامات التي على عاتق كل جهة، ونتائج هذا القرار ستؤدي في نهاية الأمر إلى فشل المؤسسات والهيئات التي أستطاعت أن تنجوا من العدوان بشكل أو بآخر، ووفرت إيرادات معقولة للدولة لتقوم بجزء من واجباتها في هذه الظروف الصعبة.

برأيي، وهو رأي الكثيرين أيضا، أنه كان من الأولى أن تتخذ خطوات لتحسين ظروف الموظفين في الوحدات الإدارية المتعثرة، بدل أن يتم سحب الجهات الأفضل وضعا نحو الأسفل لتلاقي نفس المصير، وهذا الأمر سيظهر بشكل أكثر وضوحا عندما تنخفض الإيرادات، وتزداد المعاناة، مما سيضطر الحكومة لفرض جبايات أكثر، وهذا في حد ذاته فشل!

من الواضح أن قرار “الراتب الموحد” كان قرارا إنفعاليا؛ أي أن الوزير طرح الموضوع على من أجتمع معهم من مسؤولي بعض الجهات، وهم في الغالب ممن أعتادوا هز الرؤوس بالموافقة على كل ما يعرض عليهم، وهذا نتيجة قلة خبرتهم، وطمعا منهم في البقاء على كراسيهم لأطول فترة ممكنة!

ما يحتاجه الأخ الوزير فعلا هو إعطاء الأمر المزيد من الوقت لدراسته، وأن يقوم بدراسة الموضوع من ناحية أهمية كل جهة، ومحاولة تحفيز الجهات الإيرادية ودفعها لتحقيق المزيد من الإيرادات، وبحث مشاكل الجهات المتعثرة بعيدا عن توريط الجهات التي بالكاد نجت من العدوان والحصار.

وبدل التفكير بحلول قد تخلق مشاكل لموظفي الجهات الإيرادية، تضاف إلى المشاكل التي يعانون منها بالفعل، فليتم إيجاد حلول لتوفير المرتبات المتوقفة أصلا للموظفين في الجهات الأخرى، وأظن أن توفير هذه المرتبات سيحل مشاكلهم بدون الحاجة لقرارات ليس هذا وقتها ولا الظرف المناسب لتجربتها.. والله من وراء القصد.

*فائدة: في الدول المتقدمة يتم السماح لبعض الجهات ببعض الميزات لضمان زيادة إستمرارية تطورها، فمثلا يتم السماح لشركات الأدوية بعقود إحتكارية طويلة الأمد مقابل إنفاق هذه الشركات حوالي 20% من أرباحها على البحوث الطبية لإكتشاف عقارات جديدة! ولولا هذا الأمر ما وجدت هذه الأبحاث من يمولها لسنوات.. أرجو أن الفكرة وصلت.

You might also like