عطوان : صفقة صواريخ اس 400 الروسية لتركيا انقلابا استراتيجيا ولماذا لا نستبعد لقاء الأسد باردوغان سرا بوساطة بوتين .

إب نيوز 13 سبتمبر

عبدالباري عطوان
صَفقة صواريخ “إس 400″ الروسيّة لتركيا تُشكّل انقلابًا استراتيجيًّا في المَنطقة والعالم.. كيف؟ هل التقى أردوغان الأسد سرًّا بوساطة بوتين؟ ولماذا لا نُصدّق النّفي التّركي؟ وهل بات انسحاب أنقرة من الناتو وشيكًا؟

بَينما يَنشغل العَرب، أو مُعظمهم، بالأزمة الخليجيّة وتطوّراتها، والحُروب السياسيّة والإعلاميّة الدائرة على هَوامِشها، تَشهد مَنطقة الشرق الأوسط انقلابًا استراتيجيًّا ربّما يُغيّر مُعادلات الحَرب والسّلام فيها، ويَقوده هذه المرّة الرئيس رجب طيب أردوغان، وبدعم “صديقه” الرّوسي فلاديمير بوتين.
توقيع تركيا وروسيا اتفاقًا بشراء الأولى مَنظومة صواريخ “إس 400″ الأحدث تطوّرًا في العالم، وبقيمة 2.5 مليار دولار، بقُروضٍ روسيّة، يُؤسّس لتحالفٍ استراتيجيٍّ بين البلدين، ربّما يَكون مُقدّمة لانسحاب أنقرة من حلف الناتو بعد 55 عامًا من عُضويتها فيه.
الرئيس أردوغان أكّد توقيع الاتفاق المُتعلّق بهذهِ الصّفقة التي أقلقت واشنطن، ودول الاتحاد الأوروبي، وقال “نحن فقط المَسؤولون عن اتخاذ التدابير الأمنيّة للدّفاع عن بلادنا”، أمّا فلاديمير كوجين، مُساعد الرئيس الروسي، فقال “لقد تمّ توقيع العَقد، ودَفعت تركيا “العَربون”، والإعداد جارٍ لتَنفيذه”، أي استلام تركيا للدّفعة الأولى من هذهِ الصّواريخ.
***
صحيح أن توقيع العَقد ليس ضمانةً لتنفيذه، فإيران وقّعت اتفاقًا مُماثلاً للحُصول على مَنظومة الصّواريخ “إس 300″ الأقل تطوّرًا، وكان عَليها الانتظار عِدّة سنوات بين شدٍّ وجَذبٍ وإلغاء وتجميد، إلا أن تم التسليم قبل ستّة أشهر فقط، ولكن ربّما يكون الوضع مُختلفًا هذه المرّة، فتركيا ليست في حال حِصار، ولا تَفرض عليها أمريكا عُقوباتٍ اقتصاديّةٍ مِثلما هو حال إيران، وليست مُتّهمةً بالإرهاب (حتى الآن)، بحُكم كَونها حليفةً للغَرب وعُضو مُؤسّس في حلف الناتو.
وحتى نُسلّط الأضواء على أهميّة هذه الصّفقة يُمكن الإشارة إلى أمرين أساسيين: الأول أن دولة الاحتلال الإسرائيلي فَشلت في الحُصول على هذهِ الصّواريخ من روسيا، والثّاني أنها فَشلت في مَنع بيعها لتركيا، وقَبلها إلى إيران.
القيادة الروسيّة ما كان يُمكن لها أن تُقرّر بَيع هذهِ المَنظومات الصاروخيّة، درّة تاج صِناعتها العَسكريّة، لولا تيقّنها من متانة التّحالف الاستراتيجي الجديد الذي تَنسجه مع تركيا، ورغبة الأخيرة في إدارة ظَهرها للغَرب والاتجاه شرقًا إلى روسيا والصين، القوّتين الصاعدتين، سياسيًّا وعَسكريًّا واقتصاديًّا، وستكون لهما اليَد العُليا في السّنوات القليلة المُقبلة.
أمريكا استطاعت أن تُهيمن على العالم من خلال حاملات طائراتها التي تُشكّل قواعد عسكريّة مُتنقّلة ومَحميّة بالطائرات والرادارات والغوّاصات وقوّات المارينز، وكل حاملة طائرات تُكلّف حوالي عشرين مليار دولار لبنائها، روسيا مثل إيران، أو الثانية مثل الأولى، قرّرت أن تُنهي هذا التفوّق العَسكري الأمريكي بالتّركيز على صناعة الصّواريخ المُتطوّرة، التي لا تُكلّف صِناعتها الكثير من المليارات، ولكنّها قادرة على تقليص أو إلغاء التفوّق العَسكري الأمريكي الجوّي والقواعد العائمة.
خبيرٌ عربيٌّ كبير في العلوم الاستراتيجيّة العسكريّة، أكّد في حديث مع صحيفة “رأي اليوم” أن الترسانة الروسيّة تَضم صاروخًا من نوع SN 22، أو الشّمس الحارقة، بات يُشكّل تهديدًا كبيرًا للصّناعات العسكريّة الأمريكيّة والغربيّة عُمومًا، وسَيكون أحد أبرز المُفاجآت الروسيّة القادمة.
المُقرّبون من الرئيس بوتين يتحدّثون حاليًّا عن حُدوث تغييرٍ كبيرٍ في مَوقف الرئيس الروسي نَفسه، مِحوره ضَرورة قيام تحالفٍ استراتيجي بين المُسلمين والرّوم، والرّوم الذين يَقصدهم، هم الرّوس الأرثوذكس، ومَقر كنيستهم موسكو، يَمتد هذا التّحالف من القسطنطينيّة (إسطنبول) وحتى موسكو، وهذا ما يُفسّر تحالفه مع روسيا وإيران، ومَنع سُقوط سورية في يَد حُلفاء أمريكا وحُلفائها، ويَبدو أن الرئيس أردوغان يُشاركه الرؤيا نَفسها التي تَحدّثت عنها تفاسير قُرآنية.
***
لا نَعرف مَدى مِصداقيّة هذه الرواية، ولكن ما نَعرفه أن مُشاركة روسيا وإيران وتركيا في مُؤتمر الآستانة الذي لَعبت اجتماعاته بين مُمثّلي الفصائل السوريّة المُسلّحة، ووفد من الحُكومة السوريّة دورًا كبيرًا في وَقف لإطلاق النّار في مُعظم أرجاء سورية، وهَزيمة الفصائل المُصنّفة على قائمة الإرهاب، ولم يُسمح للولايات المتحدة وحُلفائها بالمُشاركة في أيٍّ من هذهِ الاجتماعات.
لا نَستبعد صحّة ما ذَكرته صُحف تركيّة من بينها “حرييت” ذات المِصداقية العالية، حَول عَقد لقاءٍ سرّي بين الرئيس أردوغان ونَظيره السّوري بشار الأسد بوساطة الرئيس بوتين، رَغم نَفي الرئيس أردوغان صِحّة هذا الخبر وقَوله للصّحافيين الذين رافقوه على طائرته أثناء عَودته من كازاخستان أمس “لم أُقابل الأسد ولا أنوي اللّقاء به”، وما يَدفعنا إلى ذلك التّفاهم بين دول الحِلف الرّباعي الجديد (روسيا، إيران وتركيا وسورية) على خُطّة الهُجوم المُتوقّعة في أي لحظة لاستعادة إدلب وإنهاء سَيطرة هيئة تحرير الشام (النصرة) عليها.
المَنطقة تتغيّر، ويُعاد رَسم خريطة التّحالفات فيها بشكلٍ مُتسارعٍ، بينما يَنشغل العَرب، أو بَعضهم، بالمُناكفات والصّراعات والحُروب الافتراضيّة على وسائط التّواصل الاجتماعي، وتَطبيع العلاقات مع إسرائيل، والباقي مَتروكٌ لفَهمِكم.

 

 

You might also like