عبد الباري عطوان: الأمير محمد بن سلمان بين مدرستي بوش الأب والابن ومكيافيلي.. هل يمكن ان تكون القومية العربية بديلا لسيف الوهابية؟ وما هي المخاطر داخليا وإقليميا؟ ولماذا يطلب الخليجيون من رعاياهم المغادر لبنان؟

عبد الباري عطوان.
الأمير محمد بن سلمان بين مدرستي بوش الاب والابن ومكيافيلي.. هل يمكن ان تكون القومية العربية بديلا لسيف الوهابية؟ وما هي المخاطر داخليا وإقليميا؟ وهل سيؤدي الحصار الاقتصادي الوشيك للبنان الى تقسيم اللبنانيين ام توحيدهم؟ وماذا عن احتمالات الحرب؟ ولماذا يطلب الخليجيون من رعاياهم المغادرة؟

من يتابع القرارات والاعتقالات وسياسة القبضة الحديدة، التي يقدم عليها الأمير محمد بن سلمان، سواء داخل المملكة العربية السعودية او في الجوار الإقليمي، يخرج بانطباع بأنه يسير على خطى مدرستين سياسيتين، الأولى هي مدرسة جورج بوش الاب والابن التي ترتكز على منهج “الصدمة” و”الترويع″ او “Shock and Owe” ، ومن ليس معنا فهو ضدنا، و”المدرسة المكيافيلية” التي توصي “الأمير” بعدم اظهار أي رحمة مع خصومه السياسيين، وحتى افراد شعبه، لان الاحترام والرهبة اهم من الحب.
اعتقال العديد من الامراء بتهمة الفساد خطوة غير مسبوقة في تاريخ الاسرة الحاكمة السعودية في حقباتها الثلاث، والشيء نفسه يقال أيضا عن الوزراء ورجال الاعمال، الذين راكموا المليارات في حساباتهم الخاصة عبر الرشاوى وغسل الأموال على مدى ثمانين عاما، ولكن المأخذ الرئيسي حتى الآن هو “انتقائية” هذه الاعتقالات، اللهم الا اذا كانت مجرد “وجبه أولى”، ربما تلحقها وجبات أخرى أوسع نطاقا، تشمل الحلفاء وليس الخصوم فقط، وهذا غير مستبعد.
ان تطالب وزارة الخارجية السعودية رعاياها في لبنان المغادرة فورا، سواء كانوا مقيمين او زائرين، وتحذو حذوها كل من الامارات والكويت والبحرين فهذا مؤشر خطير، يوحي بأن السلطات السعودية تعد “لامر ما” في لبنان، اما حصار اقتصادي او تدخل عسكري لاحق، وهذا ما يمكن استخلاصه من قول السيد تامر السبهان، وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، “ان بلاده ستتخذ إجراءات متصاعدة ومتشددة ضد لبنان الى ان تعود الأمور الى نصابها الطبيعي”، وأضاف في تغريدة أخرى “السعودية ستعامل الحكومة اللبنانية على انها حكومة اعلان حرب على المملكة، وسنوقف كل شخص يعتدي على دولتنا عند حده”.
***
لا نعرف ماذا يقصد السيد السبهان المقرب جدا من الأمير بن سلمان، وحامل الملف اللبناني في الحكومة السعودية، بقوله “سنتخذ إجراءات متشددة ومتصاعدة، حتى يعود الوضع اللبناني الى وضعه الطبيعي” فهل الوضع الطبيعي في نظره وحكومته هو “تكسير” قوة “حزب الله”، ونزع اسنانه ومخالبه العسكرية؟ ثم كيف سيتم وقف الحزب الذي يعتدي على السعودية عند حده؟ وهل هذه المهمة ممكنة مع حزب يملك 25 الف مقاتل من الاشداء، و150 الف صاروخ، وينتمي الى منظومة سياسية وعسكرية إقليمية قوية؟
الاشقاء في لبنان منشغولون الآن بعودة الحريري، وتوقيتها وطائراته الخاصة، التي عادت بدونه اليوم الخميس لنكتشف انها كانت في باريس وليس الرياض، وان السيد الحريري عندما استُدعي الى الرياض، طار على متن رحلة عادية وليس على متن طائرة خاصة، ومن المرات القليلة التي جرى النظر بصورة ابعد من قبل هؤلاء، أي الاشقاء اللبنانيين، أي الى ما يمكن ان يحدث في لبنان في الأسابيع والاشهر المقبلة، وحجم المخاطر التي تنتظرهم وبلدهم، وكيفية مواجهتها كدولة، وأحزاب، وجماعات، وطوائف.
الحصار الذي فرضته سلطة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة أدى الى انفجار ثلاث حروب شنتها اسرائيل في اقل من سبع سنوات، والاحتلال الإسرائيلي الى لبنان هو الذي بذر البذور الأقوى، ووفر الحاضنة اللبنانية والجنوبية لـ”حزب الله” والمقاومة اللبنانية الإسلامية التي أدت الى دحر هذا الاحتلال، واذلاله قبل انهائه، ولهذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن التبعات والنتائج التي يمكن ان تترتب على أي حصار او عقوبات اقتصادية على لبنان في المستقبل المنظور؟ وهل سيتكرر سيناريو قطاع غزة؟
لا نعرف ما الذي يحمله الأمير بن سلمان في جعبته من خطط سواء للداخل السعودي او للخارج العربي والإقليمي، فهذا الشاب، وعلى ضوء تجارب الأسابيع والاشهر والسنوات الثلاث الماضية، لم يتردد في اجراء تغييرات شاملة، وخوض حروب، وتشكيل تحالفات لانه يريد اخراج السعودية من “سباتها العميق” وتحديثها، وتعبئتها سياسيا وعسكريا تحت عنوان مواجهة “الخطر الإيراني” واذرعته العسكرية في اليمن والعراق ولبنان وسورية.
الأمير بن سلمان، مثلما تناهى الى اسماعنا، يشعر ان هناك فراغا قياديا سياسيا واسلاميا في المنطقة، وانه وبلاده هما المرشحان لملئه، ويريد إقامة الدولة السعودية الرابعة، وفق معايير أيديولوجية القومية العربية كبديل للوهابية الدينية والسياسية، التي لعبت دورا كبيرا في تأسيس الدول السعودية الثلاث.
بمعنى آخر، يبدو ان هناك تحولا كبيرا في عقيدة الأمير بن سلمان الجديدة وأركان حكمه ومستشاريه، من الوهابية الطائفية الى القومية العرقية العربية، القائمة على الحداثة والعصرنة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على الطريقة الغربية، والانفتاحية العلمانية، الم يهدد بكسر رؤوس كبار علماء هذه الحركة لمصلحة الإسلام المعتدل؟
السؤال هو: هل تستطيع هذه القومية الجديدة المفاجئة على البيئة السعودية المعادية للعلمانية، ان تكون العقيدة القتالية التعبوية في أي حروب قادمة تخوضها المملكة تحت راية العاهل السعودي الجديد (الأمير بن سلمان)، الذي سيتولى العرش في غضون ساعات او ايام معدودة على الأكثر؟
اذا كانت العقيدة الوهابية ذات الطابع الطائفي تركز على محاربة الشيعة في ايران، وأجزاء من لبنان والعراق وباكستان وافغانستان، فإن العقيدة القومية البديلة، اذا ما جرى تبنيها، ستضع المملكة العربية السعودية امام قوميتين رئيسيتين هما القومية التركية، والقومية الفارسية، ومن غير المستغرب ان تتوحد هاتان القوميتان ضدها، في ظل مرحلة استقطاب غير مسبوقة في المنطقة، وفي ظل الدعم الأمريكي، وربما الإسرائيلي للنهج القومي السعودي المفترض، مما قد يؤدي الى دفع بعض القوى العربية الى التردد في الانضمام للحلف العربي الجديد، خاصة ان الأمير بن سلمان بم يوسع دائرة تحالفاته عربيا، سواء على صعيد النخب، او القوى الفاعلة.
لا نعرف اين موقع مصر الحليف الأساسي للمملكة العربية السعودية في الحلف الرباعي ضد دولة قطر؟ فهل سيتوسع هذا الحلف الجديد، وبوجود مصر، بحيث يشمل فتح جبهات اقتصادية او عسكرية، ضد ايران وسورية ولبنان (حزب الله) والعراق (الحشد الشعبي) ثم اين مكان العرب الشيعة؟
الرئيس عبد الفتاح السيسي قال امس ان بلاده لن تتدخل في لبنان ضد “حزب الله”، وان كرر النغمة التقليدية في الوقت نفسه بأنه لن يسمح بتدخل إيراني في الشؤون الداخلية الخليجية، ونحن نرجح بأن الرئيس السيسي الذي قاوم كل الضغوط السعودية لارسال قوات في اطار التحالف العربي وحربه في اليمن، ربما يفعل الشيء نفسه في مواجهة الضغوط المتوقعة بالانضمام الى أي جبهة محتملة ضد ايران، واذا شارك فانها ستكون مشاركة رمزية على غرار حرب “عاصفة الصحراء” عام 1991 لذر الرماد في العيون.
***
الصحن المصري طافح بالازمات والحروب، فمصر تخوض حربا ضد “الدولة الإسلامية” او “داعش” في سيناء، وأخرى ضدها في الصحراء الغربية على الحدود الليبية، وثالثة محتملة ضد اثيوبيا على أرضية سد النهضة، فهل تغامر بإرسال قوات او طائرات وفتح جبهة ضد لبنان وحزب الله؟
نتمنى ان يطلع الأمير بن سلمان، على كتاب المفكر الأمريكي بول الن حول صعود الامبراطوريات وانهيارها، الذي يسوق ثلاثة أسباب للانهيار، ابرزها هو التمدد بطريقة اكبر من قدراتها، والقتال على عدة جبهات في الوقت نفسه، اللهم الا اذا كان يملك معلومات لا نملكها نحن، وتكسر هذه النظرية.
ختاما نقول ان المملكة العربية السعودية تملك عضلات اقتصادية قوية تستطيع استخدامها في “عصر” لبنان اذا ما ارادت فرض حصار مالي واقتصادي عليه، ولكن ربما يكون حلفاء السعودية من السنة والمسيحيين هم اكثر المتضررين، لانهم عماد الطبقة الوسطى اللبنانية، التي تضم التجار وأصحاب رؤوس الأموال، وليس الشيعة حاضنة “حزب الله”، الذي يشكلون حوالي 40 بالمئة من سكان لبنان، لان معظم هؤلاء من الفلاحين والطبقة العاملة، وأبناء الضيع والقرى، وربما، ونقول ربما، يؤدي الحصار الاقتصادي الى توحيد اللبنانيين لا تقسيمهم.. والله اعلم.

You might also like