عطوان: لماذا تأخر تنازل الملك سلمان عن العرش لولي عهده؟ وما هي العقبات التي تحول دون ذلك ان وُجدت؟ ولماذا نرجح مدرسة في هذا الصدد ونستبعد أخرى؟

إب نيوز 12 نوفمبر

لا نستغرب الرواية التي تقول ان اسم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو الأكثر تداولا على محركات البحث (غوغل وغيرها) هذه الأيام، فأخبارة تتصدر معظم الصحف العالمية بكل اللغات تقريبا.
الأمير بن سلمان استطاع في غضون عامين ان يغير ليس السعودية فقط، وانما المنطقة بأسرها، سلبا او إيجابا، حسب موقف صاحب الحكم السياسي والخندق الذي يقف فيه، يشعل فتيل حرب لينتقل الى أخرى، يفتتح مشروع لينتقل الى آخر، يجري حملة من الاعتقالات تطال خصومه في الداخل، من امراء ورجال اعمال، ووزراء، لينتقل الى الخارج، ليستدعي رئيسا عربيا (محمود عباس)، ويفرض الإقامة الجبرية على آخر (سعد الحريري)، ويواصل التحشيد ضد ايران وحلفائها في اليمن ولبنان، والقادم اعظم.
هناك من لا يتردد، في الغرب والشرق معا، من ابداء القلق والخوف، من سرعة هذه التغيرات وانعكاساتها السلبية المحتملة، وهو قلق مشروع، لانه ينطلق من اختلاف المقاييس، والمعايير، التي كانت تستخدم في الماضي، في قياس الإيقاع السعودي الذي استمر طوال ثمانين عاما، وكان يتسم بالبطيء والحذر الشديد والرعب من التغيير، ومفاجآته المحتملة على امن البلاد واستقرارها اللذين يحتلان قمة الأولويات لاهل الحكم.
ثلاثة أعمدة رئيسية كانت تحكم استقرار الحكم ومعادلاته في الدولة السعودية الثالثة: الأول الانسجام والتوازن في أوساط الاسرة الحاكمة، والثاني، الاستناد الى المؤسسة الدينية الوهابية، والثالث: ترسيخ دولة الرفاة والرعاية للمواطن السعودي، بعيدا عن أي ضرائب مقابل طاعة اولي الامر.
الاعمدة الثلاثة تهتز الآن، وتتشقق، فالانسجام والتوازنات في الاسرة الحاكمة التي كانت تحكم اداءها واستمرارها تغيرت، او تبدلت اثر “الانقلاب” الذي قاده الأمير بن سلمان واطاح من خلاله برؤوس اكثر من 11 اميرا، من احفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ابتداء من الأمير محمد بن نايف، ولي العهد وزير الداخلية، ومرورا بالامير الوليد بن طلال، الملياردير والاقتصادي الأهم في المملكة، في نظر كثيرين في الغرب، وانتهاء بالامير متعب بن عبد الله، عميد جناح يحمل اسم والده الملك الراحل، وقائد الحرس الوطني، القوة العسكرية الموازية التي تضم اكثر من مئة الف جندي، بمعدات ثقيلة وطائرات عمودية، وتمثل مظلة لامراء من الدرجة الثانية، وبعض القيادات القبلية.
مرور اكثر من عشرة أيام على احدث حلقات هذا الانقلاب، أي اعتقال 200 من الامراء والوزراء ورجال الاعمال، تحت عنوان محاربة الفساد، وتجميد اكثر من 400 مليار دولار تحتويها حساباتهم واصولهم، ودون أي محاكمات او دفاع قانوني، جعل الكثير من المراقبين يعتقدون ان أسلوب “الصدمة” الذي جرى اتباعه اعطى ثماره، او معظمها.
الخطوة الوحيدة المتبقية التي ما زالت في جعبة الأمير بن سلمان، ولم يقدم عليها بعد، هي قفزه الى كرسي العرش، وتولى جميع مهام السلطة وصلاحياتها رسميا بعد ان سيطر عليها عمليا.
هناك مدرستان في هذا الصدد يحملان وجهتي نظر متعارضتين:
الأولى: تقول بأن الطريق بات ممهدا للامير بن سلمان للتربع على كرسي العرش، وان المسألة مسألة أيام، والمرسوم الملكي بتنحي العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز لمصلحة ولي عهده، يمكن ان يصدر في أي لحظة، ونشرت قناة “العربية” الموالية لولي العهد انباء في هذا الصدد، ولكنها عادت وسحبتها، كما ان مقربين من القصر نشروا تغريدات تؤكد ان التنحي قد يتم في غضون ساعات، ومرت الساعات والليالي ولم تصدق هذه التكهنات، ولم تصدر أي معلومات او بيانات، او تسريبات تشرح الأسباب.
الثانية: ترى ان التنحي ليس من تقاليد الاسرة الحاكمة السعودية، ولم يحدث الا مرة واحدة في الستينات من القرن الماضي، عندما جرى ابعاد الملك سعود، اكبر أبناء المؤسس من الحكم لمصلحة شقيقه الأصغر، وولي عهده الملك فيصل بن عبد العزيز، وجاءت هذه السابقة بدعم من المؤسسة الدينية (هيئة كبار العلماء الوهابية)، ومن معظم الاسرة الحاكمة، وكان عددها قليلا في ذلك الوقت بالمقارنة بما هو عليه اليوم.
ولتأكيد وجهة نظرهم، يضرب أصحاب هذه المدرسة مثلا بالملك فهد بن عبد العزيز الذي اقعده المرض عشر سنوات من عام 1995 الى 2005، ومع ذلك لم تتم تنحيته، وتنصيب ولي عهده، الأمير عبد الله في حينها، ملكا على البلاد، وظل الملك فهد يحكم البلد من سرير مرضه، وعبر بوابة ابنه عبد العزيز الذي يعتقد انه معتقل، او تحت الإقامة الجبرية حاليا، وربما هذا ما دفع الملك عبد الله الى تأسيس هيئة البيعة من نخبة من امراء الاسرة الحاكمة للحيلولة دون تكرار هذه المسألة، ولكنه “جمد” عملها لاحقا بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
يصعب علينا ان نرجح مدرسة على أخرى، لكننا لا نستبعد فُرص نجاح الأولى، وتقدمها على الثانية، لان المملكة تغيرت، وما كان يصلح في الستينات او التسعينات لا يمكن ان يصبح مقياسا الآن، مضافا الى ذلك ان الامير بن سلمان في عجله من امره لتولي الحكم، رغم صلاحياته المطلقة، وغياب أي مؤشرات ملموسة عن وجود معارضة قوية له وحروبه، ورؤياه الاقتصادية والسياسية، سواء من داخل الاسرة او خارجها، “حتى الآن” على الأقل، مع تسليمنا بان سياسة القبضة الحديدية وعدم التردد في اعتقال الخصوم، أيا كانت مكانتهم لعبت دورا كبيرا في هذا الاطار.
المملكة العربية تقف امام مفترق طرق تاريخي، والخيارات، او بعضها، تنطوي على الكثير من المخاطر، اذا حدث خطأ في الحسابات، ولن نتسرع في التنبؤ واطلاق الاحكام، فالقارىء لا يرحم، ونفضل الانتظار، والمتابعة، ولكل حادث حديث.
“راي اليوم”

You might also like