عطوان : السعودية تنخرط في مفاوضات سرية مع الحوثيين في مسقط للتوصل الى هدنة.. ما هي الاسباب التي تقف خلف هذا “الانقلاب” في موقفها؟ ولماذا جرى تغييب الرئيس “الشرعي” وحكومته عنها؟

إب نيوز ١٦ مارس
عطوان : السعودية تنخرط في مفاوضات سرية مع الحوثيين في مسقط للتوصل الى هدنة.. ما هي الاسباب التي تقف خلف هذا “الانقلاب” في موقفها؟ ولماذا جرى تغييب الرئيس “الشرعي” وحكومته عنها؟ وما الذي اغرى الحوثيين للانخراط فيها؟

يبدو ان المملكة العربية السعودية وصلت الى قناعة راسخة بأنها لن تكسب الحرب في اليمن عبر التدخل العسكري، وباتت تبحث عن حل سياسي يخرجها من هذا المأزق الذي بات مكلفا ماديا وبشريا، ولحق الاذى بسمعة المملكة دوليا بسبب تدهور الاوضاع الانسانية في اليمن، وارتفاع اعداد الضحايا ضاعف من الضغوط الدولية.
صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية كشفت للمرة الاولى في عددها الصادر امس نقلا عن مسؤول سعودي ان كلفة الحرب في السنوات الثلاث الماضية بلغت 120 مليار دولار، وهناك اعتقاد راسخ لدى الكثير من المقربين ان هذا الرقم الضخم مجرد رقم تقريبي، وان الخسائر المادية الحقيقية اكبر بكثير، مع التنبيه بأنه لا يشمل في الوقت نفسه التعويضات التي يمكن ان تدفعها المملكة لليمنيين المتضررين، حيث سقط اكثر من عشرة آلاف قتيل و30 الف جريح، حسب ارقام الامم المتحدة، مضافا الى ذلك تدمير معظم البنى التحتية في البلاد من جراء القصف.
ولعل البيان الذي صدر امس عن مجلس الامن الدولي الذي يطالب التحالف العربي بقيادة السعودية الى رفع الحصار فورا عن جميع الموانيء اليمنية، وفتح مطار صنعاء امام المساعدات الانسانية، هو رسالة تحذير للمملكة بأن هذا الوضع يجب ان لا يستمر بعد ان وصلت معاناة اليمنيين درجة لا تطاق وبات اكثر من 22 مليون يمني تحت خط الجوع.
الانباء القادمة من مسقط تتحدث عن مفاوضات سرية تجري بين وفدين احدهما يمثل تيار “انصار الله” الحوثي بقيادة السيد محمد عبد السلام، وآخر سعودي اختاره الامير محمد بن سلمان شخصيا، تعكس رغبة الجانبين في التوصل الى هدنة تتبعها مفاوضات تقود الى اتفاق سلام.
اللقاء في حد ذاته يمثل انقلابا في الموقف السعودي، فالمملكة كانت تؤكد دائما رفضها التفاوض مع التيار الحوثي بحجة انه مدعوم من ايران، كما انها لم تحبذ اي دور وساطة عماني بسبب عدم رضاها على حياد السلطنة، وتسريب انباء عبر الصحف السعودية عن حصول عمليات تهريب لاسلحة الى الحوثيين عبر اراضيها، ولهذا فضلت الكويت كمكان للمفاوضات بإشراف مبعوث الامم المتحدة المقال اسماعيل ولد الشيخ قبل عام.
كان لافتا ان هذه المفاوضات السرية التي اكدتها وكالة انباء “رويترز” العالمية، تتم دون علم الرئيس “الشرعي” عبد ربه منصور هادي وحكومته، ناهيك عن مشاركته فيها، بينما تتواتر انباء ليس عن تهميش الاخير فقط، وانما وضعه تحت الاقامة الجبرية، ومنعه من العودة الى اليمن، وعدن العاصمة المؤقتة على وجه الخصوص.
من الصعب التكهن بنجاح هذه المفاوضات السرية او فشلها، ولكن كون القيادة السعودية انخرطت فيها، فهذا يعني اعترافا بقوة “انصار الله” ككتلة سياسية، وقوة عسكرية، لا يمكن تجاوزها، عندما يتعلق الامر بالحرب في اليمن والبحث عن سبل للخروج من مأزقها.
ما تتطلع اليه السعودية في هذه المفاوضات هو التوصل الى وقف اطلاق الصواريخ على حدودها الجنوبية اولا، لان حجم الخسائر البشرية في صفوف قواتها في ارتفاع مستمر، وتشير بعض المعلومات شبه المؤكدة ان القوات الحوثية تغلغلت في العمق السعودي، وسيطرت على عشرات القرى، وجرت القوات السعودية الى حرب استنزاف كان لها اليد العليا فيها.
اما ما يريده تيار “انصار الله” فهو الاعتراف به كقوة رئيسية شرعية على ارض اليمن، وانه بوابة السلام الرئيسية، ويبدو ان هذه المفاوضات السرية في مسقط تعتبر خطوة رئيسية لوصوله الى تحقيق هذه الاهداف، او معظمها، خاصة بعد اغتيال الرئيس علي عبد الله صالح، وتفتت حزب “المؤتمر” الذي كان ينافسه على السلطة.
لا نريد استباق الاحداث في هذه الصحيفة “راي اليوم” ونصدر احكاما متسرعة حول نجاح هذه المفاوضات او فشلها، خاصة ان مفاوضات مماثلة جرت في الرياض، وظهران الجنوب قبل عامين وصلت الى طريق مسدود، ولكننا نستطيع القول، وبكل ثقة، ان احتمالات السلام تتزايد، بسبب حدوث تغيير في الموقف السعودي، وتوصل القيادة السعودية الى قناعة راسخة بأن عليها التحلي بالمرونة، بل والكثير منها اذا ارادت الخروج من المصيدة اليمنية ونزيفها المادي والبشري، وما وضعها ملياري دولار في المصرف المركزي اليمني في صنعاء كوديعة مساء امس الا احد المؤشرات في هذا المضمار.
“راي اليوم”

You might also like