“الحرب السورية وبومة منرفا”

إب نيوز ١٠ يونيو

كتب / حسام خلف

عندما تتزلزل الأرض تحت أقدام شعب ما ،أو يتعرض للكوارث السياسية والاجتماعية ،تتكاثر الأسالة وتطرح بشكل أكثر جدية ،أوكمايعبر هيجل :”إن بومةمنرفا-وهي ترمز للحكمة- لاتحلق إلا وقت السحر”(1)،فإن “عهود النكبات في التاريخ الإنساني كمالاحظ نيقولا برادائيف كانت دائما حافزه إلى التفكير في الماضي وفي المصيرومثيرة للاهتمام بتفسير التاريخ وتعليله “(2)،ونكبة كنكبة سوريا-في حجمها -قدتثير كما هائلا من التساؤلات،يقف عندها المتأمل حائرا ومناشدا :ماذاحصل ؟ولماذا حصل ؟وكيف حصل ؟إن الإجابة على مثل هذه التساؤلات تقتضي الغوص في أدق التفاصيل ،للحصول على معطيات وإشارات جزئية ،قد يشكل مجموعها رؤية واضحة ،ويفيد في الخروج بنتائج وقواعد عامة تشكل وقاية للشعوب من الكوارث الحضارية في القادم من الزمن ،أولا وقبل الغوص في عمق الأحداث علينا أن نعترف أن هذه الحرب أرجعت تاريخنا عشرات السنين -إن لم نقل المئات – على كافة المستويات ،وهو مايحصل بشكل طبيعي كنتيجة لحروب طويلة كداحس والغبراء والحرب السورية ،حيث يتراجع الفكر والأمن والاقتصادوحتى الإنسانية في هكذا ظروف ،ومن هنا ننطلق بسؤالنا :مالذي حصل ؟فالبعض يدعي: أنها ثورة شعب مظلوم انتفض مطالبا بحريته وكرامته يريد انتزاعها من براثن نظام فاسد ،ولنسكشف صحة هذا الادعاء من عدمها علينا أن نحدد أولا معنى الثورة ،ومواصفاتها ،ثم نرى إن كانت هي ثورة بالفعل أم لا ،فهل الثورة هي مايفترض أن ينقل البلد من حال سيئة إلى حال أحسن ؟وإن كان كذلك فهل تمارس الثورة مايناقض أهدافها ؟وهل يحق لها أن تتصرف بطريقة تأخذ البلد إلى الأسفل؟وهل تقام الثورات باسم الشعب ولصالحه ؟ أم لصالح طائفة؟ولنذهب الآن إلى ماحصل في الواقع معترفين قبل ذلك أن البلد كماكل البلدان المجاورة فيها الكثير من الفساد والذي يستدعي المطالبة بالاصلاح ،وسنستعرض بعض الأحداث لنرى إن كانت تلائم قيم الثورات أم لا ؟والمعروف أنه في أي خلاف أسري أو عشائري أو وطني أودولي، فإن مسار الأحداث إما أن يذهب نحوالتصعيدوالمواجهة والحرب بكل مالها من آثار ومفرزات ،أونحوالصلح والتفاوض والحلول الدبلوماسية ،وهنا يظهرمدى الوعي الذي تمتلكه الأطراف ومدى الحنكة السياسية والقدرة على إدارة الأزمات لصالح الأهداف ،فالكل يعرف أن الحرب لارابح فيها ،وقد تتدحرج نحوفوضى لايمكن السيطرة عليها أو التنبؤ بنتائجها ،ومن لديه الحرص على الجماعة وعلى قضاياه فلايألوجهدا في اجتناب الحروب والصدام -إلا الأزعر السفيه -فذاك لايلام على سفاهته ،وماكان من الثورة -كماأسموها-إلا أن رفضت الحوار،رفضت الصلح ،رفضت التفاوض ،وأصرت على الصدام ،وهوماأدى إلى ماأدى إليه ،مع أن العاقل في مثل هذه الأمور لابدأن يعرف قوة الخصم ومن ثم تحديد الأسلوب الأنجع للتعامل معه وتقديم التنازلات إن لزم الأمر هذا من وجهة نظر براغماتية ،لأنك إن تدخل في صراع مع خصم قوي قد يكسر ظهرك إلى الأبد ،ولدي أيضا سؤال آخر :ماهي القيم التي تزرعها الثورات (المحترمة )لدى أتباعها؟وماذا تعلمهم ؟من قصص الثورة أنها حاصرت تجمعا لقوات الجيش النظامي في منطقة من المناطق ،وبعد اشتداد الحصارتزلزلت عقيدة أحد الأفراد وقررالانخراط في الثورة -وهذا يحصل كثيرا في الأحداث المشابهة -وأراد الإنشقاق ،فماذا طلبت منه الثورة ؟طلبت أن يسقي أصحابه(رفقاء الدم والسلاح) المنوم مقابل مليون ليرة لتدخل الثورة وتقتلهم جميعا ثم لم تعطه المليون ،فهل الثورات تعلم الخيانة ؟وقد نشرت الثورة الكثير من القيم( النبيلة) التي يطول سردها كسرقة المؤسسات والحبوب -التي هي غذاء الشعب -والمعامل ،وتخريب المرافق العامة ،والقتل على التهمة (عوايني )وغيرها كثير…
نعم قد أتهم بأني من أبواق النظام -كماتسمينا الثورة -لكني أريد هنا الحديث بماهوأعمق من مسألة معارضة ومولاة ،في قضية شعب وحضارة،نريد البحث عن الأسباب والعلل للانهيار الاجتماعي الذي حصل عندنا ،أن نستخلص القواعد التي نحتاجها في بنائنا الحضاري ،ولذلك فلنتخيل الأحداث بصورة أخرى بعد عرض عدة نقاط :
-أولا :لوكان الخلاف فعلا بين الشعب (كله أوأكثره )وبين السلطة فهل ستصمد السلطة ؟
-ثانيا :لوكانت المعارضة أكثر حكمة فهل ستختلف الموازين ؟
-هل من كان في المعارضة وفي قياداتها أكثر صلاحا ممن كان في السلطة ؟
ولنعد إذا إلى خيالاتنا فهب أن المعارضة قبلت الحواروالتفاوض مع استمرارالحراك السلمي ،وقدمت -عند الضرورة ولصالح البلدومصلحتها -بعض التنازلات فكيف سيكون حال البلد ؟
وهل كان للتربية والأخلاق دورفي الانهيارالحضاري الحاصل؟
مثلا لوقال المعارضون :نعم نحن ضد السلطة لكن لسنا مستعدين لقتل أفراد الجيش لأنهم أبناء شعبنا ولسنا مستعدين لقبول المال والسلاح الخارجي ،فهل سيحصل ماحصل ؟
وقائمة الأسألة والاستفسارات تطول في حين أننا نريد الاختصار للقارئ ،ولذلك سنحاول أن نستخلص بعض النتائج من تحليلاتنا :
أولا :ليس من المهم أن تكون في طرف المعارضة أو في
طرف

الموالاة ،لكن المهم أن تسأل نفسك لماذا أنا مع هذا الطرف ؟
ثانيا :إن الانتماء السياسي لابد أن يكون عن وعي وبصيرة وعلى أساس المبدأوالحق لاعلى أساس التحزبات الفئوية .
ثالثا: إن بناء الإنسان وقيمه وأخلاقه أولى من تشييد العمران ،لأن الأحمق قديدمرها على رأسه .
وأخيرا إن حل أزمة الأخلاق لن يترك عظيم فرق بين المعارضة والموالاة ،فالموالي الصالح سيعمل على أن لايكون هناك فساد وأسباب للثورة والفوضى ،والمعارض الصالح لن تسمح له أخلاقه بتدمير الوطن طلبا لمصالح السياسة…
– – – – – – – – –
1)-أحمد محمود صبحي ،في فلسفة التاريخ ،ج2 ،ص130.
2)-نفس المصدر ،ج2 ،ص130 (نقلاعن :نحن والتاريخ /قسطنطين زريق /ص20)

You might also like