شذرات من تضحيات الأمهات!!

 

إب نيوز ٨ اغسطس

كتب / سعاد الشامي

الحلقة الخامسة

ما إن تحمل المرأةُ جنينها في رحمها وحتى تضعهُ يحمل قلبها في جوفه أقدسَ وأصدق عاطفة عبر مدارات الحبَّ وتقويمِ الحنان ..

لذلك ليس هناك أرقَّ وأرأف من حنايا الأم بولدها ، وليس هناك ثمة قوة قادرة على اقتلاعِ مشاعرها الضاربةِ جذورها في تربة الأمومة الأزلية ، ولايمكننا أطلاقا أن نتخيلَ أن هذه الأمَ قد تتنازل عن عاطفتها؛ مقابل إغراءاتً دنيوية، أو مكاسب شخصيةٍ ومادية، وهي التي لو ذاب لحمُها وعظمُها في حممِ بركان ؛لكان أهون عندها من أصابة ابنها بضرر، ولقد أكد الله سبحانه وتعالى على قوة علاقة الأم بابنها بقوله تعالى :{يومَ تَروْنَها تَذْهلُ كلُّ مُرْضعةٍ عمَّا أرْضَعَتْ وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حملً حَمْلَهَا… }

أهوالُ يوم القيامةِ الشديدةِ هي وحدها ماقد تصلُ بحال الأمِ إلى هذه المنزلةِ التي تذهل عن ابنها ، وتغفو عنه في حال استحالة كهذا في حياتها الدنيوية وماكان الله عز وجل ليصفُ أهوالَ يوم القيامةِ بصفات وحالات متكررة في الدنيا.

ولكن عندما خاضت هذه الأمُ المؤمنةُ غمارَ الثقافةِ القرآنية ، وتأملت قول الله تعالى :{ قُلْ إِنْ كَانَ آباؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } عرفت أبعادَ أفكارها الجوهرية ، وتفاصيلها الإيمانية ، وواقعها المقدس ؛ عندما ربطتها مع واقع من العدوانِ الفاجر والإجرام الفاحش ، والمجازر الإبادية، والمظلومية الجائرة ؛ فأوجب عليها دينُها وضميرُها أن تتصالحَ مع عاطفتها ، وترضى بالمتاح منها ؛ لتحظى بلذة التضحيةِ ونعمة الجهاد، وتشفى من أسقام التملك وسطوة الأنانية.

عندما انطلق أبناؤنا إلى الجبهات لم ينطلقوا هروباً من ضيق الحياة ونكد العيش بيننا ؛ فقد حففناهم بأجفان عيوننا رعايةً واهتماماً وحباًّ وحناناً ، كم دللناهم بكل مانستطيع ، ورفهناهم بما بالإمكان من الرفاهيةِ ، وكم واكبنا سنوات أعمارهم بأحلامنا لمستقبلهم المزدهر ..
وكانت خطاهم وآمالنا تترافقان بانسجام ، لم نفشل في تربيتهم ، ولم يفشلوا في مراحل حياتهم ؛ لقد بذلنا معاً جهوداً كبيرة ؛ليصبحوا نماذجاً في كل شيء ، في دراستهم ونجاحهم وفي أخلاقهم في علاقاتِهم بربهم وبأنفسهم وبنا وبمن حولهم، وحتى في وعيهم بواقعهم وواقع أمتهم…
وحين كانوا كذلك تصدروا قائمةَ الأحرار الشرفاء؛ مستشعرين لمسؤولياتهم وواجباتهم تجاه ماحولهم ؛ فتصدرت مسؤوليتهم أمام اللَّهِ سُلمَ أولوياتهم تليها مسؤوليتهم تجاه أوطانهم والمستضعفين ممن حولهم…
لتفرض علينا المسؤولية التي ربيناهم عليها ألا نعيق انطلاقتهم ، وألا نضع العراقيل في دربهم الذي ارتضوا المُضيًّ فيه ، وأن نعضَّ على صخر الصبرِ والاحتساب؛ لنخفي أعاصير الحنين ، ونطفي براكين الخوف المتأصلة في فطرتنا البشريةِ والمتجذرة في شعورنا الانساني.

.

You might also like