عبدالباري عطوان : ماذا يقصد “ترامب” بحديثه عن هجوم وشيك على السعودية ؟

إب نيوز ٢ اكتوبر

ماذا يقصد “ترامب” بحديثه عن هجوم وشيك على السعودية وان أمريكا هي صمام الامان الوحيد لمواجهته؟ هل يلمح الى ايران؟ وهل نتوقع ردا على هذا التطاول الابتزازي الوقح؟ وما هي السيناريوهات المقترحة؟

اطلع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز جلسة مجلس الوزراء السعودي التي انعقدت ظهر امس الثلاثاء على تفاصيل اتصاله الهاتفي المطول مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وما تم خلاله من بحث للعلاقات “المتميزة” وسبل تطويرها في ظل الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

وكالة الانباء السعودية الرسمية “واس” التي بثت هذا الخبر، لم تكشف عن فحوى هذه المكالمة وما ورد فيها من مطالب ابتزازية وقحة، كما انها تجنبت ذكر مضمون أي رد سعودي عليها، اذا كان هناك احتمال بالرد بالفعل، واكتفت بسطرين فقط عن هذه المسألة، وهذا امر غير مستغرب في الوكالات الرسمية الخليجية عموما.

الرئيس ترامب لا يكتم سرا، خاصة عندما يتعلق الامر بالتطاول على حلفائه السعوديين والخليجيين، والسخرية منهم، وتوجيهه الاتهامات اليهم، وبطريقة فوقية متغطرسة، الامر الذي لا يحدث مع أي قيادات او شعوب أخرى في العالم، الا ما ندر.

الرئيس ترامب تجاوز كل الخطوط الحمراء، واصول التخاطب المتبعة مع الملوك والرؤساء عندما قال في خطاب له في تجمع انتخابي في ولاية فرجينيا “انا احب السعودية، وقد أجريت اتصالا هاتفيا مطولا مع الملك سلمان هذا الصباح، وقلت له انك تملك تريليونات من الدولارات، والله وحده يعلم ماذا سيحدث للمملكة في حال تعرضت لهجوم”، وأضاف “قلت له أيها الملك ربما لن تكون قادرا على الاحتفاظ بطائراتك لان السعودية ستتعرض لهجوم، لكن معنا انتم في امان تام، لكننا لن نحصل في المقابل ما يجب ان نحصل عليه”.

فاذا كان الرئيس ترامب يحب السعودية فعلا، فلماذا يعاملها بهذه الطريقة الوقحة، ويكشف اسرارها وبطريقة غير لائقة طابعها السخرية والتهديد، وكيف سيكون حاله لو كان يكرهها؟ ونحن نجزم بأنه لا يحبها، ويستخسر عليها الثروة، ويعتقد انها لا تستحقها، ومن منطلقات عنصريته وكراهيته للعرب والمسلمين.

اللافت في هذا النص الموثق ليس طابعه الابتزازي الاستخفافي فقط، وانما أيضا ما ورد فيه اكثر من مرة، من ان المملكة العربية السعودية ستتعرض لهجوم، وان أمريكا هي الوحيدة القادرة على التصدي له، وحماية مواطنيها وطائراتها.

لا نعرف من الذي سيقوم بهذا الهجوم الذي يتحدث عنه الرئيس ترامب وكأنه حتمي، ويوحي في الوقت نفسه بأنه وشيك، فهل يقصد الرئيس ترامب ايران في هذه الحالة؟ واذا كانت ايران فعلا هل ستقوم بهذا الهجوم بشكل مباشر واستباقي، ام كرد على عدوان امريكي إسرائيلي عليها يأتي بعد فرض الحظر النفطي الشهر المقبل بهدف تغيير النظام في طهران؟

الامريكيون، والغربيون عموما، لا يتحدثون عن الحروب بهذه الصراحة، الا في حال وجود سيناريوهات جاهزة للتنفيذ، ومحدد تاريخها باليوم والساعة، فهم لا يبنون سياساتهم وحروبهم كرد فعل مثلما هو حال العرب عموما، وانما وفق استراتيجيات وبرامج عمل محددة متفق عليها من قبل الدول العميقة، فالعدوان على العراق تقرر قبل خمس سنوات، وتغيير النظام في ليبيا من خلال طائرات حلف الناتو اعتمد قبل ثماني سنوات، والتحضير لتفجير الأوضاع في سورية وتهيئة المناخ إعلاميا وعسكريا جاء قبل ثلاث سنوات على الأقل، حيث بدأنا نشاهد ضخا للملايين من الدولارات في قنوات تلفزيونية وصحف ومطبوعات، وفصائل مسلحة.

الرئيس ترامب حصل على 500 مليار دولار من المملكة العربية السعودية اثناء زيارته للرياض في آيار (مايو) عام 2016، ويبدو انه يتطلع الى ضعفي هذا الرقم، ونستنتج ذلك من خلال حديثه عن امتلاكها “الترليونات” وليس المليارات من الدولارات، بالقياس مع اقوال سابقة له، تقول ان بلاده، أي أمريكا، يجب ان تحصل على “حصة” من العوائد النفطية السعودية والخليجية، وكثمن للحماية لأنه لولاها لما استمرت قيادات هذه الدول في الحكم أسبوعا ولسافر هؤلاء على الدرجة السياحية.

لا نعتقد ان هذا التطاول الابتزازي من قبل الرئيس الأمريكي على المملكة ودول خليجية أخرى سيتوقف عند هذا الحد، ولا نستبعد ان يتطور الى أساليب أكثر وقاحة اذا لم يجد أحدا يوقفه عند حده بقوة وصرامة، ومن خلال المعاملة بالمثل، فالصين ردت على عقوباته بفرض رسوم جمركية على الصادرات الامريكية بالسلاح نفسه، وأوروبا تبنت نظام تبادل تجاري لا يعتمد على الدولار يؤهلها بالاستمرار في استيرادها للنفط الايراني ومعاملات تجارية أخرى، والباكستان رفضت الابتزاز وتلبية مطالب الإدارة الامريكية في مكافحة الإرهاب وفقا للسياسات والمنظور الأمريكي، وخاصة في أفغانستان، رغم خسارتها حوالي بليون دولار سنويا من المساعدات، وعلاقة استراتيجية امتدت لأكثر من خمسين عاما.

ندرك جيدا ان السعودية ليست الصين، ولا في قوة الاتحاد الأوروبي، ولكن هذا التطاول الأمريكي يزداد وقاحة وابتزازا، ولا بد من وقفه، لأنه بات ضخم التكلفة ماليا واخلاقيا، ويدخل مناطق “محرمة”، ويشكل إهانة للسلطات السعودية.

فاذا كان هذا الابتزاز يستند الى “الفزاعة” الإيرانية، فلتذهب السعودية الى خيار آخر، وهو فتح قنوات الحوار مع ايران ومحورها، مثلما فعل ترامب نفسه مع كوريا الشمالية، وقبلها إدارة أوباما مع طهران حول ازمة البرنامج النووي، ومن وراء ظهر الحليف السعودي، الذي باعته صفقات أسلحة بأكثر من 120 مليار دولار استعدادا للحرب الوشيكة معها، أي ايران.. فهل ستلجأ السعودية الى “الخطة B”، وتضع حدا لهذا الابتزاز، مثلما فعلت تركيا أخيرا.. نأمل ذلك، وسلطنة عُمان جاهزة كقناة وساطة سرية اذا ما طُلب منها.

“راي اليوم”

You might also like