عبدالباري عطوان : تأكيد السلطات التركية رسميا “تذويب” جثمان الخاشقجي بالحمض وتقديم تسجيلات موثقة؟

إب نيوز ١٠ نوفمبر

عبد الباري عطوان :
تأكيد السلطات التركية رسميا “تذويب” جثمان الخاشقجي بالحمض وتقديم تسجيلات موثقة لعدة دول تنهي مرحلة وتبدأ أخرى في هذه الجريمة التي تنتمي للعصر الحجري.. ماذا سيقول اردوغان لترامب عندما يلتقيه في باريس غدا؟ ولماذا نجزم بأن الجزء الأهم من “وصية” الضحية لن ينفذ؟

ربما تكون السلطات التركية اطلقت الرصاصة الأخيرة في جعبتها فيما يتعلق بملف اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي عندما اعلن السيد ياسين اقطاي، مستشار الرئيس رجب طيب اردوغان ان قتلته ذوبوا جثته في الاسيد بعد تقطيعها لتسهيل عملية التذويب هذه، وأثبتت العينات التي اخذت من مياه الصرف الصحي في بئر في منزل القنصل السعودي، وأيضا في انابيب المجاري وجود آثار كمادة الحمض المستخدم.
لا نعتقد ان هذا الكشف سيسدل الستار على الفصل الأخير لهذه المأساة، بل ربما يسجل بداية الحلقة الأهم، وهي تحديد أدوار المجرمين المنفذين، كبارا كانوا او صغارا، وتقديمهم للعدالة لمواجهة القصاص الذي يستحقونه، ومستقبل قادة الحكم في الرياض، وشكله على ضوء ذلك.
ارسال السلطات السعودية لخبيرين في الكيمياء وعلم السموم الى إسطنبول في محاولة لإخفاء الأدلة، وقبلها وجود طبيب شرعي مختص في التشريح ضمن فريق الموت، كلها مؤشرات تنفي الكثير من الروايات الرسمية المرتبكة التي قالت ان الضحية مات خنقا اثر شجار مع فريق الاغتيال داخل القنصلية، وتؤكد في الوقت نفسه ان عملية القتل، وبهذه الصورة الدموية البشعة، كانت مخططة بشكل مسبق، أي ان نظرية “القتل غير المتعمد” التي روجت لها السلطات السعودية لا تقف على أي رجلين، ولم تعد تقنع اكثر الناس سذاجة.

***
الرئيس رجب طيب اردوغان الذي ادار فصول هذه الازمة ببراعة، وابقاها حية لاكثر من شهر، وعبأ الرأي العام وحكوماته، في العالم ضد القتلة، ومن يقف وراءهم، اكد صباح اليوم السبت في مؤتمر صحافي عقده قبل توجهه الى باريس للمشاركة في احتفالات الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى، اكد انه قدم تسجيلات موثقة عن عملية القتل داخل القنصلية السعودية الى كل من الولايات المتحدة الامريكية، وألمانيا وفرنسا علاوة على المملكة العربية السعودية، وهي ادلة موثقة بالصوت والصورة.
لقاء القمة الثنائي المتوقع عقده على هامش هذه الاحتفالية بين الرئيسين الأمريكي والتركي سيكون حاسما في هذا الاطار، وسيضع الكثير من النقاط على الحروف الناقصة لهذه الجريمة، وربما سيبلور الخطة التركية الامريكية المشتركة للتحرك في المرحلة المقبلة بخصوص ملف هذه الجريمة اذا اتفق الجانبان، وهو امر غير مضمون بالنسبة الى آخر تصريح للرئيس ترامب وقال فيه ان السعودية حجر الأساس في استقرار المنطقة، أي لا يجب الحاق أي ضرر بها.
الرئيس اردوغان قال اكثر من مرة ان الأوامر بتنفيذ عملية القتل صدرت عن اعلى المستويات في السلطة السعودية، ولكنه شدد على ان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الذي تحدث معه هاتفيا اكثر من مرة، فوق أي شبهة في هذه الجريمة، مشيرا بأصبع الاتهام، وبشكل مباشر الى نجله الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، الحاكم الفعلي للبلاد، ووجود نسبة كبيرة من مساعديه في “فريق الموت” المنفذ للجريمة الذين يأتمرون بأمره مباشرة.
السؤال الذي يطرح نفسه، ويبحث ان إجابة يتعلق بموقف الرئيس ترامب الذي اطلع حتما على التسجيلات التركية لوقائع الجريمة، سواء بشكل مباشر، او من خلال شهادة السيدة جينا هسبل رئيسة مخابراته التي حملتها اليه اثناء عودتها من إسطنبول.
الأوساط المقربة من الرئيس الأمريكي بدأت تمهد لخطوتها المقبلة من خلال الحديث بأن الولايات المتحدة تفرض عقوبات على اشخاص وليس دولا، مما يعني انها ستحصر عقوباتها على أعضاء الفريق المتورط في عملية الاغتيال حصريا، وليس على الدولة السعودية، وربما تقتصر هذه العقوبات على افراد منفذين وتتمثل في تجميد أموال واصول، ومنع من دخول الولايات المتحدة فقط، مما يعني انها قد لا تمس الأمير محمد بن سلمان الذي يرتبط بعلاقات قوية مع الرئيس ترامب وصهره جاريد كوشنر، ويعتبر من ابرز المؤيدين والداعمين لصفقة القرن، والعقوبات المفروضة على ايران، واي حرب أمريكية إسرائيلية ضدها.
لا نعرف كيف ستكون العقوبات التي تعهد ترامب بفرضها على السلطات السعودية اثناء مؤتمره الصحافي الأخير والمرتبك الذي عقده في اعقاب اعلان نتائج الانتخابات النصفية الامريكية التي خسر فيها حزبه الجمهوري اغلبيته في مجلس النواب، ولكن ما نعرفه، ان هذا المجلس الديمقراطي لن يقبل بأنصاف الحلول، خاصة بعد تفعيل فقرة “ماغنيستي” في الدستور الأمريكي التي تفرض عقوبات على الزعماء المتورطين في ارتكاب جرائم تنتهك حقوق الانسان.
***
نتائج الانتخابات الأخيرة وضعت الرئيس ترامب في مواجهة جبهة هي الاضخم، وربما الأقوى، في الولايات المتحدة، أي مجلس النواب والاعلام الأمريكي معا، وهي جبهة قد لا تطيح بمن يقف خلف جريمة اغتيال الخاشقجي وانما الرئيس الأمريكي نفسه اذا لم يفرض العقوبات المنتظرة.
نعيد التذكير مجددا بأن الإعلام الأمريكي وصحيفة “الواشنطن بوست” هي التي أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون، وبعد انتخابه لولاية ثانية، واتخاذه قرار انهاء حرب فيتنام، ولا نعتقد انه قد تقبل بأي محاولة التفاف لتبرئة صاحب القرار الأول في قتل وتذويب جثمان احد كتابها بهذه الطريقة، التي تمت للعهد الحجري وليس القرن الواحد والعشرين.
لن نستبق الأمور، وسننتظر ما هو قادم من تطورات في هذا الملف، وهي قطعا كثيرة وصادمة، والشيء الوحيد الذي يؤلمنا، ونحن متيقنون من حدوثه، ان “وصية” خاشقجي بالصلاة على جثمانه في المسجد النبوي، وبدفنه في مقابر البقيع في المدينة المنورة، مسقط رأسه لن تتحقق.

You might also like