عبدالباري عطوان : لماذا نعتبر المصافحة التاريخية بين رئيسي وفدي المفاوضات اليمنية في السويد أكثر أهمية من اتفاق الحديدة؟(التفاصيل)

إب نيوز ١٣ ديسمبر

مسك الختام في الجولة الأولى للمفاوضات اليمنية في السويد الذي يعتبر في نظرنا هو الإنجاز الأكبر، ويتقدم على الاتفاقات التي جرى التوصل اليها، بما في ذلك اتفاق الحديدة، هي تلك المصافحة التاريخية بين السيدين خالد اليماني، وزير الخارجية الذي ترأس وفد حكومته، ومحمد عبد السلام، رئيس وفد حركة “انصار الله” الحوثية وحكومتها، وسط تصفيق حار جدا من قبل المشاركين والحضور، فهذا هو الشعب اليمني الذي نعرفه، وما يتمتع به من اخلاق وقيم رفيعة، يحارب برجولة وشهامة، ويصالح بأنفه وكبرياء، ويثبت دائما ان اليمن الكبير واستقراره وامنه وسيادته هو الطموح الأكبر والبوصلة الأهم.

ان نسوق هذه المقدمة اللافتة، لا يعني مطلقا تقليلنا من أهمية الاتفاقات التي جرى التوصل اليها طوال الجولة الأولى من هذه المفاوضات الماراثونية، التي اذابت حرارة الاخوة والانتماء صقيع السويد القارص التي احاط بها مناخيا، فهذا الاتفاق الذي كرس وقف إطلاق النار وانسحاب المسلحين من هذا الميناء، واعطى دورا مركزيا لمراقبين من الأمم المتحدة للإشراف على ادارته، حقق الإنجاز الأكبر الا وهو كسر الحصار، وحقن دماء اليمنيين أيا كان موقعهم او خندقهم في هذه الحرب.

جميع الأطراف التي شاركت في هذه المفاوضات التي اقتصرت على اليمنيين فقط، وتحت اشراف الأمم المتحدة، وحضور امينها العام أنطونيو غوتيريش شخصيا الجلسة الختامية وحفل تتويجها، خرجت رابحة، وحققت معظم مطالبها، ان لم يكن كلها، واهمها الاعتراف بالآخر، وانهاء سياسات الاقصاء، فالجميع، دون استثناء، قدم تنازلات والا لما كانت هذه النهاية المفرحة لهذه الجولة.

من حقنا نحن الذين وقفنا مع الشعب اليمني بكل فئاته والوان طيفه، وعارضنا هذه الحرب، وطالبنا بوقفها منذ اليوم الأول، وإعطاء أولوية للحل السياسي عبر الحوار بين الاخوة، من حقنا ان نتفاءل ونتطلع الى مستقبل أفضل لكل أبناء اليمن بعيدا عن المجاعة والامراض وسفك الدماء والانقسامات، نحن الذين حولت جثامين الشهداء الممزقة، والأطفال منهم خاصة، والهياكل العظمية بفعل المجاعة والحصارات ليالينا الى كوابيس، من حقنا أيضا ان نحتفل بهذا الاتفاق، وهذه المصافحات، ونشارك إخواننا هذه المناسبة التي جاءت بعد أربع سنوات عجاف من القتل والدمار والحصار.

ربما يتهمنا البعض بالتسرع والاغراق في التفاؤل، لان الأمور في بداياتها، ويعتقدون هؤلاء، او بعضهم، ان الحذر مطلوب، لان هناك من لا يريد لهذه الاتفاقات ان تنجح، ولهذه الحرب ان تتوقف، ولسفك الدماء الطاهرة ان يستمر، وهذا الاتهام يشرفنا لأننا نسير على نهج رسولنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وحديثه الشريف “تفاءلوا بالخير تجدوه”.

هذا الاختراق الدبلوماسي الكبير في هذه الازمة الدموية المستمرة منذ أربع سنوات تقريبا ما كان له ان يحدث لولا ان جميع الأطراف المنخرطة فيها ادركت ان الحل العسكري لن يحسم هذه الحرب لصالح هذا الطرف او ذاك، وان الضغوط الدولية، وخاصة على المملكة العربية السعودية ودولة الامارات، جاءت في الوقت المناسب، وبعد ان استنزفتهما هذه الحرب عسكريا وماليا وسياسيا واخلاقيا.

انها بداية جيدة ومشجعة تشي بالكثير على صعيد الطموحات بإمكانية إيجاد حلول للقضايا المعقدة الأخرى، فمن كان يتصور التوصل وبهذه السرعة الى اتفاق وتبادل آلاف الاسرى، وعودة الابتسامة الى أهلهم في اليمن الكبير العظيم.. اليوم الاسرة والحديدة وتعز.. وغدا مطار صنعاء والبنك المركزي ومشكلة الرواتب بإذن الله.

نبارك للشعب اليمني بكل اطيافه هذا الاتفاق، ونبارك أيضا للمفاوضين اليمنيين الذين كانوا اهلا للمسؤولية، ووضعوا مصلحة اليمن فوق كل اعتبار، ونأمل ان يكون الالتزام بوقف اطلاق النار هو مسؤولية واحترام الجميع، وصولا الى مرحلة جديدة من الهدوء والاستقرار تعبد الطريق لمفاوضات المرحلة التالية التي ستعقد بعد شهر وفي السويد أيضا، لبحث الحل السياسي الذي من المأمول ان يحقق طموح كل يمني في المصالحة الوطنية وإعادة الاعمار بشقيه المادي والإنساني.

“راي اليوم”

You might also like