عطوان : قصة قمتين.. الأولى في وارسو للحرب ضد ايران والثانية في سوتشي لنزع فتيلها في سورية.. هل اكتمل “تتويج” نتنياهو زعيما للناتو العربي في العاصمة البولندية؟

إب نيوز ١٤ فبراير

عبد الباري عطوان :
قصة قمتين.. الأولى في وارسو للحرب ضد ايران والثانية في سوتشي لنزع فتيلها في سورية.. هل اكتمل “تتويج” نتنياهو زعيما للناتو العربي في العاصمة البولندية؟ وهل قرر وزراء الخارجية العرب ان تكون بلادهم وقودا للحرب ضد طهران؟ ولماذا نعتقد بأن من هزم أمريكا وإسرائيل في العراق وأفغانستان ولبنان وغزة سيهزمها في “ام المعارك” القادمة؟

انها قصة قمتين عشنا تفاصيل وقائعهما لحظة بالحظة، الأولى قمة حرب في وارسو، اعترف بنيامين نتنياهو بأنها تحشيد لضرب ايران وربما غزوها، والثانية قمة سلام ثلاثية في سوتشي تسعى الى تحقيق السلام في سورية، ونزع فتيل الحرب في المنطقة، ومن الفارقة ان المشاركين في هذه القمة قاطعوا الأولى احتجاجا واستنكارا، وربما استعدادا أيضا.
في قمة وارسو كان نتنياهو هو “العريس″، اما المشاركون العرب، ومعظمهم من وزراء الخارجية، فكانوا مجرد “كومبارس” جرى “استدعاؤهم” أمريكيا من اجل التطبيع، وتمويل الحرب القادمة التي تريدها وتحرض عليها دولة الاحتلال الإسرائيلي.
كان مؤلما ان يجلس السيد خالد اليماني، وزير خارجية “الشرعية” اليمني، الى جانب نتنياهو ويتبادل معه المزاح والابتسامات، وكان مؤلما اكثر ان يكون السيد يوسف بن علوي، وزير خارجية سلطنة عمان، التي حظيت بتقدير معظم العرب لمواقفها الحيادية، والنأي بالنفس عن الخلافات العربية، هو وزير الخارجية العربي الوحيد، حتى هذه اللحظة، الذي يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي علنا امام عدسات التلفزة، ويتنصل من الماضي العربي المقاوم، لمصلحة الاعتراف بالحاضر الجديد الذي تتكرس فيه إسرائيل دولة أساسية في المنطقة.
***
المسؤولون الأوروبيون الشركاء الاصليون للولايات المتحدة في حلف الناتو يخفضون مشاركتهم الى ادنى المستويات في هذا المؤتمر “المشبوه”، ويتمسكون بالاتفاق النووي الإيراني الذي منع حربا في المنطقة، واحتوى الطموحات النووية الإيرانية، ومنع سباقا للتسلح، بينما يسارع وزراء خارجية عرب للانضمام الى حلف وارسو الجديد لشن حرب على ايران بزعامة إسرائيل وامريكا، انها قمة المأساة والاذلال، ونزع براقع الحياء، او ما تبقى منها.
من حق نتنياهو ان يغرد مبتهجا كيفما شاء، وان يتحدث عن فخره بصناعة التاريخ والوقوف في خندق واحد مع “اشقائه” العرب الجدد في مواجهة “الخطر الإيراني” الذي يهدد امن واستقرار المنطقة، فقد “خلا لك الجو فبيضي واصفري”، ولكننا على ثقة ان احتفالاته هذه عمرها قصير، لان هؤلاء الذين يطبعون معه مجانا، ويعمّدونه زعيما عليهم، لا يمثلون الغالبية العظمى من القيم العربية والاسلامية، بل لا يمثلون شعوبهم الاصلية الشريفة.
ان يتنازل السيد خالد اليماني، وزير الخارجية اليمني، عن “ميكروفونه”، او مكبر صوته الى جاره الإسرائيلي، نتنياهو، مصحوبا بابتسامة عريضة، نشوة بهذا “التكريم”، من اجل ان يقوم الأخير بالتطاول بأعلى صوته على العرب، والحديث عن الخطر الإيراني، وليس الإسرائيلي على المنطقة، فهذه اكبر “زلة” او خطيئة دبلوماسية واخلاقية، ستلحق ضررا كبيرا بموقف رئيسه وتحالفه في حرب اليمن، وتمثيلهم “الشرعي” لليمنيين، فالشعب اليمني الشجاع الشهم، ومن كل المنابت والطوائف والمناطق، قد يختلف على الكثير من الامور الا العداء لإسرائيل، مجرمة الحرب التي تحتل المقدسات وترتكب المجازر في حق اشقائه في فلسطين وجنوب لبنان، وقبلهما في مصر وسورية.
المرحلة القادمة ربما تجسد العهد الجديد الذي دعا اليه مايك بومبيو في كلمته امام المجتمعين في وارسو، عهد الزعامة الإسرائيلية لعرب حلف الناتو الجديد، ولكنه لن يكون قطعا ندا وعلى حساب حلف المقاومة والكرامة وعزة النفس العربية والإسلامية الذي هو الأقوى والاعمق جذورا، لأننا نعرف كيف تبدأ الحروب في منطقتنا، مثلما نعلم كيف تنتهي، ومن يصرخ أولا، ومن يصرخ أخيرا، فمن سيتصدون للعدوان الإسرائيلي الأمريكي المتوقع منن طينة مختلفة من الزعماء المؤمنين الذين نجحو في كل الاختبارات التي واجهتهم.
***
هنيئا لوزراء الخارجية العرب عشاؤهم المغموس بخبز الاذلال مع نتنياهو وجاريد كوشنر ومايك بومبيو، هنيئا لهم الحرب التي يتم جرهم اليها أمريكيا واسرائيليا وسيدفعون ثمنها من دماء شعوبهم واموال اجيالهم الحالية والقادمة، وقد تتحول مدنهم فيها الى ركام، وآبار نفطهم الى كتل من اللهب، ومحطات تحليتهم الى أطلال، ومياه خليجهم الى انموذج للتلوث النووي.
كنا نتمنى لو ان وزيرا عربيا واحدا من الذين شاركوا في هذه القمة امتلك الشجاعة، واخذ الميكروفون وتحدث عن الخطر الإسرائيلي على المنطقة، او إنفاق أمريكا سبعة تريلونات دولار على حروبها في العراق وأفغانستان وسورية وليبيا واليمن، وذبح الملايين بقنابلها الذكية الفتاكة، ويورانيومها المنضب، ولكن زمن الوزراء الشجعان ولىّ في هذا الزمن العربي المغرق في الرداءة.
لا نعرف كيف سيواجه هؤلاء المشاركين شعوبهم بعد ان يعودوا من هذا المؤتمر المشبوه، ولكننا نعرف جيدا انهم يحوّلون ايران التي سيحربونها الى “ايقونة” للمقاومة، والدفاع عن الامتين العربية والإسلامية ومقدساتها وقضايا الحق العادلة، عندما يتوجون نتنياهو زعيما على رأس حلفهم الجديد ويقبلون ان يكونوا اتباعا له صغارا له.
انها لحظة تاريخية فارقة، وما يطمئننا ان من هزم أمريكا في أفغانستان والعراق وسورية، وإسرائيل في جنوب لبنان (لمرتين) وفي قطاع غزة (اربع مرات)، سينتصر في الحرب المقبلة اذا قرروا خوضها على محور المقاومة.. والأيام بيننا.

You might also like