عبدالباري عطوان : هل جرى إطلاق صاروخيّ غزة اللذين “دكّا” تل أبيب بالخطأ فِعلًا؟

 

إب نيوز ١٥ مارس
عبدالباري عطوان :
هل جرى إطلاق صاروخيّ غزة اللذين “دكّا” تل أبيب بالخطأ فِعلًا؟ ولماذا نعتقِد أنُهما حقّقا ثلاثة أهداف استراتيجيّة أرعبت نِتنياهو وقيادته فما هِي؟ وما هو السّر وراء بقاء اسم الجِهة التي وقفت خلف هذا القصف مجهولًا؟ وهل هُناك خِيار ثالث “مُتمرّد” على تهدئة “حماس″ و”الجهاد” قُطبيّ المُقاومة الإسلاميّة؟

يصعُب علينا في هذه الصّحيفة تَقبّل الرواية الإسرائيليّة التي تقول إنّ الصّاروخين اللذين انطلَقا من قِطاع غزّة ووصلا إلى مدينة تل أبيب ليلة الخميس، كانا نتيجة خطأ غير مقصود، وأثناء أعمال صيانة، فالجانب العسكريّ الإسرائيليّ الذي أطلق هذه الرواية، وبعد ترؤس بنيامين نِتنياهو اجتماعًا لجنرالاته باعتباره وزيرًا للدفاع، لم يُقدّم أيّ معلومات إضافيّة جازمة سواء عن كيفيّة وقوع هذا الخطأ، أو الجهة التي تقف خلف الصّاروخين، ثم لماذا يقع هذا الخطأ الآن، وفي هذا الظّرف، ولم يبق أنّه وقع طِوال السّنوات العشرين السابقة؟
صحيح أن حركتي “حماس″ و”الجهاد الإسلامي” نفتا نفيًا قاطعًا أن يكونا خلف هذا الهُجوم الصاروخي، ولكنّهما كانَتا في الوقت نفسه من أكثر المُستفيدين منه، وربّما يكون هذا النّفي صحيحًا، فهُناك عدّة فصائل مقاومة، إسلاميّة أو غير إسلاميّة، تتواجد في القِطاع، وبعضها فصائل انشقّت عن الحركتين، ولا تقبلا بالتّهدئة وبعض جوانب إدارة “حماس” للقِطاع.
سواء كان إطلاق هاذين الصّاروخين بالخطأ أو مُتعمّدًا، فإنّه حقّق العديد من الأهداف، وأوصل رسالة على درجة كبيرة من الأهميّة إلى القيادة والمجتمع الإسرائيلي معًا نُلخّصها في النّقاط التّالية:
الأُولى: فشل القبة الحديديّة الإسرائيليّة في التصدّي للصّاروخين، ونجاحهما في الوصول إلى تل أبيب، وقد اعترف بيان عسكريّ إسرائيليّ أنهما سقطا في منطقة خالية جرداء غير مأهولة ممّا أدّى إلى عدم وقوع خسائر بشريّة أو ماديّة، وهذا يعني أنّ منظومة الرّدع الإسرائيليّة تتآكل.
الثانية: انطلاق صفّارات الإنذار في العاصمة الإسرائيليّة، وفتح الملاجئ، وخلق حالة من الرعب للمرّة الأُولى مُنذ حرب غزة 2014.
الثالثة: صحيح أن الطائرات الإسرائيليّة شنّت غارات على قِطاع غزة كرد انتقامي، واستهدفت 100 موقع، ولكن جميع هذه المواقع كانت خالية، ولم تقع إلا أربعة إصابات بشريّة، ممّا يعني أنّ نِتنياهو، وزير الدّفاع، كان يخشى التّصعيد تحسُّبًا للمزيد من الصواريخ الأكثر دقّة وفاعليّة وتأثيرًا.
نِتنياهو يُدرك جيّدًا أن أيّ عُدوان مُوسّع على القِطاع سيُقابل بردٍّ مُزلزل، خاصّةً إذا جاء هذا العُدوان قبيل الانتخابات التشريعيّة في التُاسع من الشّهر المُقبل، حيث يُواجه منافسة قويّة من تكتّل جنرالات الأزرق والأبيض، بزعامة بيني غانتس، ففرض تكتّل الليكود اليمينيّ الذي يتزعّمه نِتنياهو في الفوز تبدو محدودةً وغير مُؤكّدةً.
دخول الوسيط المصري بسُرعة على خط الأزمة والإعلان عن توصّله إلى وقفٍ بإطلاق النار، والعودة إلى الالتزام باتّفاق التهدئة، يُوحي بأنّ هُناك صفقة سريّة جرى التوصّل إليها، وقد يكون أبرز عناوينها إيصال مُساعدات ماليّة إلى حركة “حماس” وتخفيف حدّة الحِصار، وفتح معبر رفح لفتراتٍ أطول.
ختامًا نقول بأنّه إذا أرادت حركتا “الجهاد الإسلامي” و”حماس″ الالتزام بالتّهدئة في ظِل استمرار حالة التّجويع التي يُعاني منها حاليًّا مِليونان من أبناء القِطاع، حيث لا رواتب، ولا دواء، ولا كهرباء، ولا أيّ فتح للمعبر، فإنّ هُناك فصائل لا تقبل باستمرار هذا الوضع، ومستعدة لهدم المعبد على رؤوس الجميع، وقد يكون إطلاق الصّاروخين، أو صواريخ أُخرى في المُستقبل هو التّعبير على حالة التمرّد المشروعة هذه.. وربّ ضارّةٍ نافعة.. واللُه أعلم.
“رأي اليوم”

You might also like