الأمم المتحدة : تحقق في عمليات فساد ارتكبتها وكالاتها العاملة في اليمن.

إب نيوز ٨ اغسطس

يستعد محققو الأمم المتحدة المتواجدون في صالة المغادرة بمطار صنعاء الدولي للصعود الى الطائرة وبحوزتهم أدلة ثمينة: أجهزة كمبيوتر محمولة و أقراص تخزين خارجية تم جمعها من موظفي منظمة الصحة العالمية.

انهم يعتقدون أن أجهزة الكمبيوتر هذه تحوي أدلة على فساد و احتيال داخل مكتب وكالة الأمم المتحدة في اليمن، لكن قبل أن يتمكنوا من الصعود إلى الطائرة اقتحم مسلحين حوثيين القاعة و صادروا أجهزة الكمبيوتر وفقا لما ذكره ستة من مسؤولي الإغاثة السابقين و الحاليين.

بقي المحققون في حالة ذهول دون أن يصابوا بأذى نتيجة ذلك، لكنهم استقلوا الطائرة بدون تلك الأجهزة.

كان موظفون في منظمة الصحة العالمية على صلة بالحوثيين وأخبروهم بما في حوزة المحققين مخافة أن يتم الكشف عن سرقة تمويل المساعدات وفقاً لما تحمله الأجهزة من معلومات وفقًا لما ذكره المسؤولون الستة السابقون و الحاليون الذين تحدثوا شريطة عدم الكشف عن هويتهم، اذ لم يسبق ان تمت عملية تحريز لأجهزة كمبيوتر على الملأ بهذا الشكل.

يعد هذا المشهد الذي حدث في أكتوبر/تشرين أول 2018 في مطار صنعاء حلقة أخرى في الصراع المستمر مع الفساد الذي حرف مسار التبرع بالطعام و الأدوية و الوقود و المال عن اليمنيين اليائسين وسط الحرب الأهلية المستمرة منذ خمس سنوات في بلدهم.

تم اتهام أكثر من عشرة من موظفي الإغاثة التابعين للأمم المتحدة الذين تم تعيينهم للتعامل مع الأزمة الإنسانية اثناء الحرب بالتنسيق مع مختلف الأطراف لإثراء أنفسهم من مليارات الدولارات من المساعدات التي تتدفق إلى البلاد وفقاً لأشخاص على اطلاع بالتحقيقات الداخلية للأمم المتحدة و الوثائق السرية التي استعرضتها وكالة أسوشيتيد برس.

حصلت الوكالة على وثائق تحقيق تابعة للأمم المتحدة و أجرت مقابلات مع ثمانية من موظفي الإغاثة و مسؤولين حكوميين سابقين.

النتيجة: يحقق المراجعون الداخليون لمنظمة الصحة العالمية في مزاعم تفيد بأن أشخاصاً غير مؤهلين قد تم توظيفهم في وظائف برواتب عالية، و تم إيداع ملايين الدولارات في حسابات مصرفية شخصية لموظفين في المنظمة، و تمت الموافقة على عشرات العقود المشبوهة دون تقديم الأوراق المطلوبة فيما ذهبت أطنان من الأدوية و الوقود المتبرع بهما في عداد المفقودين.

يركز التحقيق الثاني الذي أجرته منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة هي اليونيسف على موظف سمح لقائد حوثي بالسفر على متن عربات تابعة للوكالة بغرض حمايته من الضربات الجوية المحتملة من قبل التحالف الذي تقوده السعودية.

تجدر الإشارة الى ان الأفراد الذين تحدثوا إلى وكالة أسوشييتد برس عن التحقيقات فعلوا ذلك شريطة عدم الكشف عن هويتهم خوفاً من الانتقام.

قال ناشطون يمنيون إن الإجراءات التي اتخذتها وكالات الأمم المتحدة مرحب بها لكنها لا ترقى إلى مستوى التحقيقات اللازمة لتتبع ملايين الدولارات من برامج المساعدات التي فقدت أو تم تحويلها إلى خزائن المسؤولين المحليين على جانبي الصراع منذ بداية الحرب الأهلية.

خلال الأشهر الثلاثة الماضية كان الناشطون يطالبون بتطبيق مبدأ شفافية المساعدات في حملة على الإنترنت بعنوان “فين الفلوس؟” كما طالبوا الأمم المتحدة و المنظمات الدولية بتقديم تقارير مالية حول تدفق مئات الملايين من الدولارات الى اليمن منذ عام 2015 و الكيفية التي انفقت بها، تجدر الإشارة الى انه في العام الماضي تعهد المانحون الدوليون بتقديم ملياري دولار للجهود الإنسانية في اليمن.

من جهتها استجابت الأمم المتحدة واطلقت حملة على الإنترنت اسمتها “تحققوا من نتائجنا” عرضت من خلالها البرامج المنفذة في اليمن غير ان الحملة لا تقدم تقارير مالية مفصلة عن كيفية إنفاق أموال المساعدات.

و قال فداء يحيى وهو ناشط في حملة “فين الفلوس؟” في مقطع فيديو “نرى ارقاماً كبيرة تصل مليارات الدولارات مقدمة إلى اليمن و لا نعرف إلى أين تذهب فعلياً”.

بدأ التحقيق الذي أجرته منظمة الصحة العالمية في مكتبها في اليمن في نوفمبر/تشرين ثان اثر مزاعم بسوء الإدارة المالية من قبل نيفيو زاجاريا و هو طبيب إيطالي كان رئيساً لمكتب المنظمة في صنعاء من 2016 حتى سبتمبر/أيلول 2018 وفقاً لثلاثة أشخاص على اطلاع مباشر بالتحقيق.

جاء الإعلان العلني الوحيد عن التحقيق في صفحة من التقرير السنوي للمدقق الداخلي لعام 2018 و المكون من 37 صفحة حول أنشطة المنظمة في جميع أنحاء العالم، فيم لم يذكر التقرير زاجاريا بالاسم.

خلص التقرير الذي صدر في 1 مايو/آيار الى أن الضوابط المالية و الإدارية في مكتب اليمن كانت “غير مرضية” و في أدنى تصنيف لها و لاحظ وجود مخالفات في التوظيف و عقود عدم منافسة و نقص في الرقابة على المشتريات.

و أكد المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق جاساريفيتش لوكالة أسوشييتد برس أن التحقيق جارٍ. و قال إن زاجاريا تقاعد في سبتمبر/آيار 2018، لكنه لم يؤكد أو ينفي ان زاجاريا تحديداً كان قيد التحقيق. و أضاف: “مكتب خدمات الرقابة الداخلية يحقق حاليا في جميع المخاوف التي أثيرت”، و “يجب أن نحترم سرية هذه العملية و لا يمكننا الخوض في التفاصيل.”، فيم لم يرد زاجاريا على الأسئلة المرسلة عبر البريد الإلكتروني من وكالة الأسوشييتد برس.

وصل زاجاريا وهو موظف في منظمة الصحة العالمية منذ 20 عاماً إلى اليمن في ديسمبر/كانون أول 2016 بعد أربع سنوات قضاها في الفلبين، و قد نال الرجل إشادة واسعة النطاق بسبب عمله اثناء استجابة المنظمة لإعصار هايان في نوفمبر/تشرين ثان 2013.

و بسبب عمله أثناء الإعصار بدا زاجاريا الشخص المثالي لقيادة الجهود الإنسانية للمنظمة في اليمن، و هي عملية ضخمة توفر الدعم لأكثر من 1700 مستشفى و مركز صحي في جميع أنحاء البلاد.

لكن منذ البداية – يقول ستة موظفون حاليون و سابقون – كان مكتب منظمة الصحة العالمية في اليمن تحت قيادة زاجاريا مليء بالفساد و المحسوبية، اذ أن زاجاريا – كما يفيد اثنان من الموظفين – استعان بموظفين مبتدئين عملوا معه في الفلبين و رفعهم إلى وظائف برواتب عالية لم يكونوا مؤهلين لها، اثنان منهم – طالب جامعي فلبيني و متدرب سابق – حصلوا على مناصب عليا لكن دورهم الوحيد كان الاهتمام برعاية كلب زاجاريا.

“موظفين غير أكفاء برواتب كبيرة” قوض هذا الأمر جودة العمل و رصد المشاريع و خلق “العديد من الثغرات للفساد” يقول مسؤول سابق في المساعدات.

زاجاريا وافق أيضا على عقود مشبوهة موقعة من قبل الموظفين مع عدم وجود عطاءات تنافسية أو وثائق تشير الى أوجه الإنفاق وفقا للوثائق الداخلية التي استعرضتها الاسوشييتد برس.

كما تشير الوثائق الى أن الشركات المحلية التي تم التعاقد معها لتقديم الخدمات في مكتب منظمة الصحة في عدن تبين فيما بعد أنها وظفت أصدقاء و اقارب لموظفين في مكتب المنظمة، كما انه تم دفع رسوم إضافية مقابل الخدمات المقدمة منها و شوهد صاحب شركة واحدة و هي تسلم نقوداً لأحد الموظفين.

قال أربعة أشخاص على دراية بالأنشطة في مكتب منظمة الصحة العالمية ان موظفة هناك تدعى تميمة الغولي هي التي أبلغت الحوثيين بأن المحققين كانوا على وشك المغادرة مع أجهزة الكمبيوتر المحمولة في مطار صنعاء. و أضافوا انها تقوم بتلفيق كشوف المرتبات بحيث تضيف موظفين وهميين و تستولي على رواتبهم كما تقوم باستلام مبالغ مالية مقابل التوظيف، واضافوا إن من بين أولئك الذين وضعتهم في كشوف المرتبات زوجها، و هو أحد أفراد عائلة الحوثي.

تم تعليق عمل الغولي منذ ذلك الحين لكنها لا تزال موظفة في المنظمة وفقاً لشخص لديه معرفة مباشرة بما حدث، غير انها لم ترد على محاولات الاسوشييتد برس للوصول إليها.

في عهد زاجاريا استخدمت أموال المساعدات المخصصة للإنفاق خلال حالات الطوارئ بقليل من المساءلة و المراقبة وفقًا للوثائق الداخلية، اذ انه بموجب قوانين منظمة الصحة العالمية يمكن تحويل أموال المساعدات مباشرة إلى حسابات الموظفين، و هو إجراء يهدف إلى تسريع عملية شراء السلع و الخدمات في الأزمات.

و تقول المنظمة إن هذا الترتيب ضروري لمواصلة العمليات في المناطق النائية لأن القطاع المصرفي اليمني لا يعمل بشكل كامل.

و نظراً لأنه من المفترض أن تكون مقصورة على حالات الطوارئ فليس هناك شرط بأن يتم تحديد الإنفاق على هذه التحويلات المباشرة فقد وافق زاجاريا على تحويلات نقدية مباشرة بقيمة إجمالية قدرها مليون دولار لحسابات بعض الموظفين وفقاً للوثائق الداخلية، و لكن في كثير من الحالات كان من غير الواضح كيف أنفقت تلك الأموال.

تلقى عمر زين نائب رئيس فرع المنظمة بعدن والذي كان يعمل تحت إدارة زاجاريا مئات الآلاف من الدولارات من أموال المساعدات لحسابه الشخصي وفقاً لمقابلات مع مسؤولين و وثائق داخلية، لكن لم يستطع زين توضيح ما حدث لأكثر من نصف تلك الأموال حسب الوثائق.

قال أربعة أشخاص على دراية مباشرة بعمليات الإغاثة في جنوب اليمن إنه حتى عندما كان زين يشغل منصب في منظمة الصحة العالمية فقد عمل أيضاً كمستشار رسمي لوزير الصحة في الحكومة التي تتخذ من عدن مقراً لها، و كان يدير عمله الخاص غير الربحي الذي وقع من خلاله عقداً بقيمة 1.3 مليون دولار مع الأمم المتحدة لتشغيل البرامج الغذائية في مدينة المكلا الجنوبية. و يقول هؤلاء الاشخاص إن هذه الترتيبات خلقت تضارباً في المصالح.

لاحقاً رفضت اليونيسف تجديد العقد مع منظمة زين غير الربحية بعد اكتشافها أن المنظمة كانت تلفق تقاريرها و ليس لها وجود فعلي على أرض الواقع في مدينة المكلا على حد قول شخصين على دراية بالبرامج، و عندما اتصلت به وكالة أسوشييتد برس رفض زين التعليق وقال إنه ترك منصبه في وزارة الصحة، و عندما سئل عما إذا كان يخضع للتحقيق بتهمة الفساد أجاب: “الشخص الذي سرب هذا لك يمكن أن يقدم لك إجابة”.

منظمة الصحة العالمية ليست الوحيدة من وكالات الأمم المتحدة التي تبحث في مزاعم ارتكاب موظفيها في اليمن لمخالفات، اذ وفقاً لثلاثة أشخاص على دراية بالتحقيقات، تحقق اليونيسف ايضاً مع خورام جافيد باكستاني الجنسية يُشتبه في أنه سمح لمسؤول كبير من الحوثيين باستخدام سيارة تابعة للوكالة مما أعطى فعلياً للمسئول الحوثي حماية رسمية من الغارات الجوية التي يشنها التحالف الذي تقوده السعودية التي تقاتل الحوثيين، حيث تقوم اليونيسف بتنسيق حركة عرباتها مع التحالف لضمان سلامتهم، و الآن يقول المسؤولون إنهم يخشون أن تكون مركبات المنظمة مستهدفة بالهجمات الجوية إذا اعتقدت قوات التحالف أنها تستخدم لحماية الحوثيين.

كان جافيد معروفاً بصلاته الوثيقة مع الأجهزة الأمنية الحوثية، يقول زميل سابق له و مسؤول إغاثة إنه تفاخر بأنه استخدم علاقته مع الحوثيين لمنع مدققي حسابات اليونيسف من دخول البلاد، فيما وضع الحوثيون لوحة كبيرة له في أحد شوارع صنعاء و شكروه على خدماته.

لا نتمكن من الوصول إلى جافيد للتعليق فيم أكد مسؤولون في اليونيسف أنه و كجزء من التحقيق المستمر فقد سافر فريق تحقيق إلى اليمن للنظر في المزاعم، و قالوا بأنه تم نقل جاويد إلى مكتب آخر لكنهم لم يكشفوا عن مكانه.

وفقاً للعديد من الأشخاص الذين تحدثوا إلى وكالة أسوشييتد برس فإن العلاقات الوثيقة بين موظفي الأمم المتحدة والمسؤولين المحليين على جانبي الصراع شائعة، و قال تقرير سري صادر عن لجنة من خبراء الأمم المتحدة حول اليمن، حصلت عليه وكالة أسوشييتد برس، إن سلطات الحوثيين تضغط باستمرار على وكالات الإغاثة و تجبرها على توظيف الموالين عبر تخويفهم بالتهديد بإلغاء التأشيرات و تقييد تحركاتهم على الأرض و تنفيذ المشاريع.

يقول المسؤولون إنه من غير الواضح عدد الموظفين الذين قد ساعدوا جانبي الصراع، و يضيفون إن العديد من الحوادث في السنوات الأخيرة تشير إلى أن موظفي الأمم المتحدة ربما تورطوا في سرقة إمدادات المساعدات.

You might also like