عن صراع جنوب اليمن.. تطوراته ومأزق السعودية الجديد .

إب نيوز ٨ اغسطس

الحلقة الأعقد في المشهد اليمني منذ قرابة الثلاثة العقود الماضية مفتوحة الآن على السعودية بتعقيدات جديدة ، أعني هنا ، ” القضية الجنوبية ” مسألة الانفصال عن اليمن ، العودة إلى جنوب ما قبل الوحدة اليمنية 1990 بكل هذه التسميات .

عليكم أن تتخيلوا كيف يبدو مأزق السعودية ، التي كانت تريد من هذا التدخل في اليمن ، إسقاط خصومها أنصار الله الحوثيين ، وإعادة عبد ربه منصور هادي وحلفائها إلى ” قصر السبعين الرئاسي ” في العاصمة صنعاء ، فيما بعد كانت ستدرس مسألة مساعدة هولاء الحلفاء في ” مشاكل اليمن ” الداخلية ، تحريك هذا البلد كما كانت تفعل طوال الفترات الماضية ، بما يتماشى مع رغبتها في النفوذ والسيطرة  ، ولأن الحرب والعمليات العسكرية تحت عنوان ” عاصفة الحزم ”  أخفقت ، على السعودية الآن ان تتعامل مع سلسة أزمات كلها تعرضها للخطر ، القومي ، والسياسي ، وحتى الاقتصادي

منذ قرابة الشهر تعزز الرياض وجودها العسكري جنوب اليمن ،  ليحل مكان الوجود الإماراتي ،  حليفها الرئيسي في العدوان على اليمن ضمن التحالف الذي تقوده منذ 26 مارس 2015 ، بعد ان أعلنت  أبوظبي بدء انسحابها من اليمن ، واختيار سلوك آخر ، هو في اطوار كثيرة سيتحول إلى سلوك صدامي بالضرورة مع السعودية ، فأبوظبي ملزمة بان يستمر دعمها للقوات والمجموعات التي شكلتها في المحافظات الجنوبية ، كل هذه التشكيلات قائمة ، على أساس الإنفصال

كل التطورات في المشهد اليمني تذهب باتجاه لا يخدم بقاء السعودية عسكريا ، واستمرار حربها على اليمن ، هي الآن وحيدة ، بعد تفكك التحالف الذي كان مكون من قرابة 13 دولة بصورة رسمية ، و4 دول أخرى بمشاركة شبه سرية ، بينها ، السنغال ، لقد تركت السعودية ليس في منتصف الطريق كما يقول بعض المعترضين على انسحاب الإمارات ، وإنما تقف قريب من الهاوية ، فخصمها ، أنصار الله االحوثيين وحلفائهم ، أقوى بعشر مرات مما كانوا عليه عندما أن شنت السعودية أول غارة على العاصمة صنعاء ، وأعلنوا قبيل أيام امتلاك منظومة صاروخية باليستية بركان 3 أطلقوا اول تجربة له باتجاه مدينة الدمام شرق السعودية ، تعرف الرياض ماذا يعني ذلك بالنسبة لاقتصادها وأمنها .

نعود إلى جنوب اليمن ، حيث يتصاعد الصراع بين حلفاء ” التحالف ” العسكريين والسياسيين ، بعد ان أعلن ” الانتقالي الجنوبي ”  (  مكون عسكري وسياسي  أنشأته الإمارات والسعودية أيضا )  عودة حربه لإنهاء وجود حكومة عبد ربه منصور هادي ( يقيم في الرياض منذ 4 سنوات ونصف ) وبالتالي الإنفصال ، هذا يعني مأزق جديد بالنسبة للسعودية ، يشكل ذلك الرصاصة الأخيرة على التحالف الذي تقوده ، سيصبح وجودها العسكري في المحافظات الجنوبية دون هدف  إلا في حالة واحدة هو تأييد الانفصال ، والتخالي بالتالي عن ” الشرعية ” التي تقول أنها تدخلت عسكريا بهدف إعادتها .

في المقابل لن تتمكن السعودية من إختيار مواجهة ” الانتقالي الجنوبي ”  وترجيح الكفة لصالح قوات عبد ربه منصور هادي وحلفائه ( الجزء الأكبر منهم محسوبين على الإخوان )  ستكون خسارتها أكبر بكثير فـ60 % من المرتزقة الذين يقاتلون معها ، ومن بينهم مجاميع كبيرة نقلتهم الرياض إلى حدودها مع اليمن ، منتمين لهذا التيار ، وقريبين منه ، فجميعهم يطالبون بالانفصال ، بالاضافة إلى المجاميع الأخرى الذين يتواجدون في الساحل الغربي لليمن ، هذا يعني أن خيارات السعودية ضئيلة ، إن لم تكن منعدمة ، وبإمكاننها فقط إخماد النيران  ولو مؤقتا .

البقاء في الحرب لا يعني سوى أمرين :

_ الاستمرار دون أفق بما يكلف هذا الخيار بعد أن تحولت الحرب إلى محرقة للاموال ، والسمعة  .

_ تعريض العمق السعودي والمدن القريبة من اليمن للصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية ، ومزيد من الخسائر من جنودها في حرب الحدود ” تطلق عليه السعودية الحد الجنوبي ” العنيفة  .

كلا الأمرين يعنيان مزيد من الغرق ، والنزيف المالي والعسكري والسياسي والإنساني .

عندما تسرب وول استريت جورنال الامريكية ، إن المملكة لا تريد أن تجر إلى حرب طويلة في اليمن، لكنها بالمقابل لا تريد أن تبدو “ضعيفة” أو أنها “تضررت” في هذا الملف، خاصة مع التوتر الحاصل في المنطقة بسبب الأزمة مع إيران ، وإن الحوثيين عرضوا سرا تعليق هجماتهم على السعودية ، فهذا يعني أن السعودية بدأت تفكر بشكل جدي بالخروج من مأزق اليمن ، هذا الأمر لا يبدو جديدا ، فهي لا تمتلك إجابات لأسئلة كثيرة حول فشل حربها على اليمن ، وطول المدة ، نحن في العام الخامس !!

في هذه الحالة ، الهروب من الإجابات إلى ” أفغانستان ” والحرب الأمريكية هناك منذ 18 عاما ، على طريقة الكاتب السعودي عبد الرحمن الراشد ، بحسب مقال له مؤخرا في الشرق الأوسط ، ليس مقنعا ، بل ويحمل مزيد من توضيح الصورة  في أن السعودية في ورطة ومازق كبير.

التسوية في الجنوب اليمني ، بين ” الانتقالي ” ومجموعة هادي ، مسألة مجربة ، وفشلت ، كل المقاربات كانت تصطدم ، بواقع ميداني عسكري وسياسي  واجتماعي معقد ، فالتسوية تضع أمرين:

  تخلي هادي عن الإخوان المسلمين ( حزب الاصلاح ، مقابل تخلي ” الإنتقالي الجنوبي ” عن فكرة الإنفصال ،  هذه المعادلة تضرب الصميم الوجودي لكلا الطرفين ، فهادي دون حزب الاصلاح حلقة ضعيفة ، والإنتقالي دون فكرة الإنفصال سيتحول إلى مجموعة أشخاص مشاركين في حكومة ضعيفة وغير قادرة على العودة لحكم اليمن لا في الجنوب ولا في الشمال .

يكتب الكثيرون بما في ذلك سعوديون عن مازق الخروج من الحرب ، يعد ذلك انتكاسة كبيرة للسعودية التي تصورت نتائج مختلفة تماما ، ومع ذلك فإن التوقف عن الغرق مسألة يجب أن تبحث سعوديا بجدية ، مثلما بحثت إماراتيا .

*طالب الحسني

كاتب وصحفي يمني

You might also like