الإرادة فوق التكنولوجيا: اليمن وحرب الاستنزاف التي تهزّ أسطورة الأمن الإسرائيلي”
“
إب نيوز ١٤ مايو
فهد شاكر أبوراس
في خضمِّ العاصفة الجيوسياسية التي تضرب المنطقة، يقدِّم اليمن، بقوةٍ لا تُجارى نموذجاً فريداً لـ”حرب الإرادات” التي تعيد صياغة قواعد المواجهة مع الكيان وحلفائه في المنطقة.
فبعد أن نجحت القوات المسلحة اليمنية في إيصال صواريخها الباليستية إلى قلب الكيان، مُعلنةً عن عجز أنظمة الدفاعات الجوية لكيان العدو المتطورة مثل “القبة الحديدية، ومقلاع داوود، وحتس، وثاد الأمريكية” عن صدِّها، تتحوَّل كلُّ ضربةٍ يمنية إلى رسالةٍ مُدمِّغة: “التفوق التكنولوجي لا يُغني عن الإرادة”.
فتعليق رحلات مطار اللد لأسابيع، وفرار المستوطنين إلى الملاجئ، ليس مجرد حدثٍ عابر، بل هو مؤشرٌ على نجاح استراتيجية اليمن في تحويل الأمن القومي الصهيوني إلى ورقةٍ مهترئة، حتى تحت سقف السماء التي ادَّعى الكيان سيطرته عليها.
عسكرياً، يعيد اليمن تعريف “حرب الفقراء” ببراعة. فبينما تُنفق إسرائيل مليارات الدولارات على الترسانة الأمريكية، وتشتري أحدث أنظمة الدفاع، تثبت الصواريخ الباليستية اليمنية والفرط صوتية أن التكنولوجيا العالية ليست حكراً على القوى العظمى. فبحسب تقارير استخباراتية غربية، نفَّذ اليمنيون أكثر من 50 هجوماً باليستياً وبالطائرات المسيرة على أهداف إسرائيلية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مستغلين جغرافية اليمن الجبلية وشبكة الأنفاق كحاضنةٍ إستراتيجية للتصنيع العسكري المحلي، مما حوّل اليمن إلى “قلعة مُعلِّبة” للعدو.
هذه الاستراتيجية لا تعتمد على القوة النارية فحسب، بل على “حرب الاستنزاف النفسي” التي تُكبّد العدو خسائرَ اقتصادية تفوق القصف الميداني.
فتعليق شركات الطيران العالمية رحلاتها إلى الكيان، يخسَّر الاقتصاد الإسرائيلي ما يُقارب 3 مليارات دولار شهرياً، وفق تقديرات بنك الكيان الصهيوني، وهذه ضربة موجعة لأسطورة “الجيش الذي لا يُهزم”.
سياسياً، تفضح الضربات اليمنية زيف التحالفات الغربية العربية.
فبينما تُعلن السعودية والإمارات وقطر عن شراكاتٍ مع الكيان الصهيوني، وتستضيف الرئيس الأمريكي من أجل توفير الحماية لـ”عروشها الهشة” واعطاءه مليارات الدولارات مقابل ذلك، يخرج اليمنيون من تحت الأنقاض ليرسموا درساً في السيادة: “الجهاد لا يُشترى بالدولار”.
فصفقة التريليونات من الدولار التي وُصفت بـ”القرابين” التي تقدَّمها السعودية والإمارات وقطر لواشنطن لن تُجدِ نفعاً أمام صواريخ اليمن في المستقبل.
استراتيجياً، يُعيد اليمن إحياء ثقافة “الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى” كسلاحٍ وجودي.
فالمشهد اليوم ليس مجرد معركةً عسكريةً فحسب، بل صراعٌ بين مشروعين: مشروع التحرير القائم على “ثقافة الجهاد والاستشهاد”، ومشروع التطبيع القائم على “ثقافة الذل والخضوع “. ففي الوقت الذي تُجبر فيه أمريكا حلفاءها العرب على تمويل خزينتها، يرفع اليمنيون شعار “المعركة معركة عقيدة، لا معركة حدود”.
وهذه الروح الجهادية تفسِّر لماذا يقدم اليمن رغم حصاره منذ أكثر من 10 سنوات نموذجاً فريدا للصمود تفوق على جيوش مدججة بأحدث الأسلحة.
ختاماً، الضربات اليمنية ليست مجرد ردود فعل عسكرية، بل هي “بوصلة أخلاقية” تُذكِّر العالم بأن معادلة القوى لم تعد تُحسَب بالحديد والنار، بل بالإيمان الذي يحوِّل الصواريخ البدائية إلى رؤوس نووية معنوية.
فـ”شهادة” مقاتلٍ في البحرية اليمنية أو مواطن يمني تُعادل بل تفوق صفقات التريليونات التي تُبادلها الأنظمة العميلة مع واشنطن.
وهنا يكسر اليمن القاعدة الاستعمارية القديمة: “مَن يملك القوة يفرض السلام”، ليكتب بدلاً منها: “مَن يملك الحقَّ يصنع النصر”.