أبناء الفقراء بلا منابر وأوائل الجمهورية في المزاد
إب نيوز 15يوليو
كتبت / سعاد الشامي
في زاوية الوطن المنسية، تقف المدارس الحكومية كجدرانٍ شاحبة، تئن من الإهمال وتُناجي يدًا تمسح عنها غبار النسيان ، مقاعدها تئن من التزاحم ، وسبوراتها تبكي جفاف الحبر، بينما يُدفع أبناء الفقراء إلى صفوفٍ مُهلمةٍ بالكاد تحتضن أحلامهم الصغيرة.
إن إهمال المدارس الحكومية ليس مجرد تقصير إداري من الدولة، بل هو تفريط بمستقبل أمة كاملة، فحين تُترك المدارس الحكومية بلا تأهيل، بلا معلمين أكفاء، بلا بيئة تعليمية محفزة، فإننا نزرع الفشل ونحصد جيلاً مكسور الأجنحة.
وفي هذا الفراغ، تتصدر المدارس الأهلية المشهد، لا لأنها بالضرورة الأفضل، بل لأنها تجد لنفسها طريقًا بين التراخي والإهمال، ومع الوقت، تُهيمن على قوائم أوائل الجمهورية، ليس لأن طلابها أذكى، بل لأن الدعم، والاهتمام، والبيئة، والوسائل، والمعلمين ، جميعها متوفرة ، في مشهد لا يعبر عن التميز بقدرما يكشف عن اختلال العدالة ، لأن العدل يبدأ من مقعد دراسة لا من لافتة مدرسة خاصة!
إن هذا الوضع يُنتج تعليمًا بطبقتين: طبقة قادرة تشتري الجودة، وطبقة مهمشة تُركت لتصارع ظروفها، وكأن الحق في التعليم الجيد أصبح امتيازًا لا حقًا.
حين تهمل الدولة مدارسها ومدرسيها، فهي تُضعف عمودها الفقري ،فالتعليم الحكومي ليس مجرد خدمة، بل أداة لبناء العدالة، ولتوحيد الفرص، ولنهوض المجتمع ككل ،فحين يصبح التفوق سلعة تنهار كرامة التعليم ،وأي استهانة به، هي استهانة بمستقبل البلد، وبأمانه الاجتماعي، وبقيمه الوطنية.
لا نهضة حقيقية للإوطان دون تعليم حكومي قوي ، ولا عدالة من دون أن يتساوى ابن الفقير وابن الغني على مقعدٍ واحد، ومعلمٍ واحد، وفرصةٍ واحدة.