لا تقرأ.. والنتيجة معروفة سلفا .

 

إب نيوز ٧ فبراير

عبدالملك سام

أعرف أني أصبحت مزعجا في الفترة الأخيرة، فأنا لا أكف عن الحديث عن الموضوع في كل مجلس حتى أصبحت كابوسا لمن يجلس معي. يأتي من يسألني عن مشكلة حصلت معه فأنظر له بهدوء وأقول كلمة واحدة: “إقرأ”، أو يأتي صديقي ليخبرني أنه يريد أن أريه طريقة عمل شيء ما فيجدني أمد يدي له بكتاب، أخي يحدثني عن الخبر الذي سمعه وأنه غريب فيجدني أبتسم وأقول له ببساطة تثير الأعصاب: لو أنك قرأت كذا كنت ستجد نفس الحادثة في عام كذا ….الخ.. لذا فأنا أعرف أني أصبحت مزعجا جدا..

يقول الكاتب الكبير جلال أمين أنه أحب القراءة بسبب والده الذي أستخدم معه حيلة ذكية، لقد تعمد والده – الذي كان كاتبا أيضا – بأن يجعل أبنه يقضي وقتا معه وهو يملي عليه بعض فصول كتابه، ومع الوقت أعتاد الولد الصغير الكتابة وتملكه هذا الولع اليومي الذي يحتاج منه للقراءة أيضا. من هنا نجد أنه يمكنك أن تنمي حب القراءة لدى اطفالك ولهذا فوائد جمة، خصوصا في حياتهم أذا كنت من النوع الذي يقلق عليهم، فبالقراءة أنت تضمن أن اطفالك سيزدادون وعيا، كما أنك سترتاح عندما يقضون وقتهم وهم مع كتاب وليسوا في الشارع، كما أنهم اذا تعلموا القراءة على يديك فأنت ستضمن ماهي نوعية الكتب التي يقرأونها، وستتحسن درجاتهم في المدرسة وغيرها من الفوائد التي لا يتسع المجال لذكرها كلها، وانتهاء بجعل البلد يتخلص من كل مشاكله وينعم بالثروة والقوة!!

لقد قال الدكتور الراحل أحمد خالد توفيق وهو يصف مراحل الدراسة التي مر بها بأن طالب البكالوريوس يجب أن يعرف (ماذا حدث)، وطالب الماجستير يجب أن يعرف (كيف حدث)، أما طالب الدكتوراه فيجب عليه أن يعرف (لماذا حدث).. هذا يذكرنا بمشكلة التعليم الخالدة في بلداننا التي يطلق عليها الغرب متندرا بأنها “نامية”، بينما هم يعرفون أن هذا النمو لن يكتمل أبدا، والسبب أن الغرب يعرف أننا لا نقرأ! أذهب إلى أي بلد من تلك التي تنبهر لما وصلت أليه من التقدم وراقب ماذا ترى، ستجد أن من يحملون الكتب في كل مكان تقريبا، ناهيك عن المكتبات ودور النشر المنتشرة. ألا يدل ذلك على وجود علاقة ما بين القراءة والتقدم والازدهار الحضاري؟!

نحن أمة أقرأ كما قيل عنا أصبحنا أقل الأمم قراءة في العالم! فبينما المواطن الإسرائيلي يقرأ بمعدل يصل إلى كتابين أو خمسة في العام الواحد، فالمواطن العربي يقرأ ما يعادل صفحتين فقط في العام!! طبعا أنا اتحدث عن الكتب لا عن النكات والأخبار. أصبح معظمنا ينام فلا يحلم بشيء مطلقا، والسبب أنه قد أستهلك جميع الأحلام في صحوه وهو يحلم ماذا سيفعل وكيف سيفعل ثم لا شيء يتحقق! لغتنا أفضل اللغات على الأطلاق، فمثلا تبلغ عدد مفردات اللغة الإنجليزية الغنية ما يقارب 60 الف مفردة في حين لغتنا فيها ما يقارب 250 الف منها، ورغم هذا هي تندثر مع كل جيل جديد يأتي!

مظاهر الجهل تزداد كلما أبتعد شعب ما عن القرأة، ويصبح المجتمع بدون منعه أمام الأفكار الدخيلة عليه. لقد أصبحنا نستقبل كلما يأتينا من الخارج على انه حقيقة مطلقة، وبالتالي اصبحنا نستقبل منتجاتهم كلها دون أن نفكر أنها تأتينا من بلدان لا موارد لها! حتى أعتقد اننا لو وجدنا منجم من الألماس لما عرفنا بذلك، ولو عرفنا بذلك بالصدفة فأننا سنحتاج لخبير أجنبي يأتي لأستغلاله كما يريد هو! أصبحنا نستورد (الملاخيخ) كما قال السيد حسين الحوثي رضوان الله عليه، والسبب هو الجهل، فالشعب الجاهل يكون ضحية جهله وفريسة للدول التي قرأت وعملت بجد لتصبح أمم ذات شأن..

هذا يذكرني بتلك الدول التي بدأت من الصفر كالهند والصين؛ فبداية نهظتها بدأت من التعليم وأنشاء المعاهد التي تطورت لتصبح جامعات فيما بعد، وبهذا عملت لترتقي بشعوبها لتخرج من حالة البؤس التي تعيشها، بينما نحن أبتعدنا عن الدين والدنيا لنصبح في أسفل السلم الحضاري، بل أننا أعطينا صورة سيئة عن الدين العظيم الذي أختصنا الله به، الدين الذي طالبنا بالعلم والتعلم ورفضنا، فلا دنيا ولا آخرة.. كما أني استغرب من البعض الذي يهتم ببناء جامع على أنه أفضل شيء ممكن، في حين أن بأمكانه أن يبني جيلا كاملا بل وأمة كاملة لو قام ببناء مكتبة بسيطة وجعلها وقفا لكل الناس، ولتكن صدقاتنا بحسب حاجة المجتمع، ودينيا هذه من الاشياء التي تبقى للمؤمن حتى بعد رحيلة: “علما نافعا ينتفع به”..

الحل بسيط ولا صعوبة فيه، ولدينا تجارب هامة في هذا الجانب، ولو لاحظنا جانب بسيط هو التعليم الذي يبدأ بأعداد معلمين والاهتمام بالبنية التحتية للتعليم، بعدها أنا اضمن لكم أننا سنشهد تغيرا في كل المجالات، لنبدأ بالمناهج والمعاهد والكليات، يا ناس لدينا خريجين جامعات لا يستطيعون أن يكتبوا سطرين في موضوع علمي ما، ناهيك عن قراءتها! وهناك البعض متخصصون في مجال ويعملون في مجال لا يمت بصلة لما اضاعوا نصف عمرهم ليتعلموه! لا نريد كلاما بائسا عن المؤامرات والعجز ووضع انفسنا في مكان الضحية، صدقوني نستطيع أن نغير كل هذا الواقع خلال سنوات قليلة لأن من يسافرون منا للخارج لا يلبثون أن يتفجروا مواهب في عدة مجالات علمية، وبدل البكاء على الأطلال فلنبدأ فقط من النقطة الصحيحة، وهي (إقرأ).. ودمتم بود.

ملاحظة : أنا أعرف أن هناك من اكتفى بأول سطرين من المقال ولم يكمل القراءة، ألم اخبركم أن مشكلتنا في القراءة؟!

You might also like