” المنافقين.. بين دروس الخندق ومأساة غزة”

إب نيوز 22 مايو

بقلم / الشيخ عبدالواحد المروعي – وكيل محافظة إب للشؤون الفنية

في مشهد يعيد نفسه عبر الأزمان، تقف غزة اليوم في وجه أحزاب العصر: صواريخ، وحصار، وخيانات. تتكرر المأساة، لكن تتكرر معها سنن الله في الابتلاء، وفي الفرز، وفي كشف الوجوه التي طالما تلثّمت بأقنعة الوطنية أو الدين أو العروبة. تمامًا كما سجل القرآن عن حال المنافقين في غزوة الأحزاب، يأتي اليوم من يتنصل من واجبه، ويرتعد لمجرد التفكير في المواجهة، ويخشى نصرة إخوانه خشية أن يُكتب عليه “ذُلّ التضامن” أو “ضريبة الموقف”.

(يحسبون الأحزاب لم يذهبوا)…

كأن هؤلاء لا يرون زوال العدو، ولا يدركون تقلب الأيام، فهم لا يعيشون بثقة المؤمن، بل بهلع الجبان، الذي كلما رأى الدخان من بعيد، ارتعدت فرائصه وظن أن الساعة قد قامت. هم في بُعدهم عن ساحة الكرامة لا يقفون على الحياد، بل يخذّلون، ويثبطون، ويمهدون للعدو طريقه. فلا هم من المجاهدين، ولا هم من الداعمين، ولا حتى من الساكتين، بل هم طعنات في الظهر، وهمٌّ فوق الهمّ، وخيانة داخل الخندق.

(وإن يأتِ الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم)

أليس هذا وصفًا دقيقًا لحال حكام اليوم؟ بعضهم تمنى لو لم يكن من هذه الأمة أصلًا، يتبرأ من فلسطين، ويتحالف مع مغتصبها، ويغلق الأبواب في وجه أهلها، بينما ينفتح صدره لاستقبال عدوهم والتطبيع معه على الهواء مباشرة. هم كما وصفهم القرآن: (ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا)، بل اليوم لا يقاتلون أصلًا، ولا يتمنون القتال، بل يمنعونه ويحاصرون أهله!

منهم من انقلب على مواقف الأمس، من كان يملأ المنابر بحماسة تحرير القدس، صار اليوم يتحدث عن “الواقعية” و”الفرص الاقتصادية” مع تل أبيب.

ومنهم من سكت دهراً، ونطق خيانة، وصار يرى في المقاومة “مغامرة غير محسوبة” وفي العدو “شريكًا محتملاً”.

شخصيات ونماذج ينطبق عليها وصف النفاق:

• محمد بن زايد ومحمد بن سلمان، اللذان تسابقا في التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعززا التعاون الأمني والاستخباراتي معه، وضيّقا على كل صوت يناصر المقاومة.

• عبد الفتاح السيسي الذي أغلق معبر رفح في وجه الجرحى والمصابين، ومنع دخول المساعدات، بينما يصافح الصهاينة، ويمنحهم صكوك الأمان في سيناء.

• بعض “الدعاة الجدد” و”العلماء الرسميين” الذين بدلًا من أن يكونوا صوت الحق، صاروا أبواق السلطة، يدينون المقاومة، ويبررون القتل بدعوى “الفتنة” و”الخروج عن الحاكم”.

لكن في هذا الظلام، تشرق الصورة الوضيئة…

تبدأ برسول الله ﷺ، القائد الذي واجه الخوف برباطة جأش، وواجه الحصار بثقة لا تلين، وقال: “الله أكبر، فتحت فارس، الله أكبر، فتحت الروم!”، وهو تحت الخندق، والتكالب، والبرد، والجوع.

وهكذا في غزة اليوم: رجال كـ محمد الضيف، يكتبون الأسوة الحسنة بجهادهم وصبرهم، لا يعرفون الانهزام، ولا يرتجفون أمام دبابات ومدافع الطغاة.

خالد مشعل، يحيى السنوار، وإسماعيل هنية، وغيرهم ممن ثبتوا ولم يبدلوا، هم منارات في ليل هذا الخذلان، يذكرون الأمة بأن درب الكرامة لا زال مأهولًا، وأن في هذه الأمة خيرًا كثيرًا، رغم خيانة الخائنين.

ما الواجب علينا؟

• أن نميز الصفوف، ونفضح المنافقين وأبواقهم في الإعلام والدين والسياسة.

• أن نناصر المقاومة بكل وسيلة: من الدعاء الصادق، إلى الكلمة الصادعة، إلى الدعم المالي، والمقاطعة، والتثقيف، وإحياء الوعي بالقضية.

• أن نحمل هذا الجيل على التأسي برسول الله ﷺ، لا في المعارك وحدها، بل في الثبات عند الفتن، وفي الصبر على الطريق، وفي كشف المنافقين والتبرؤ منهم.

قال تعالى:

“لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا”

فليختر كل واحد منا إلى أي صف ينتمي…

هل هو من أولئك الذين “يحسبون الأحزاب لم يذهبوا”، أم من الذين “في رسول الله أسوة حسنة”؟

والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

You might also like