عطوان : لماذا أشاد نصر الله بعلماء السنة بالعراق؟ هل نحن امام خريطة “شرق اوسطية” جديدة بعد انهيار “الخلافة” بالموصل؟

إب نيوز 12 يوليو

لماذا أشاد السيد نصر الله في خطابه الأخير بعلماء السنة في العراق ودورهم في وأد الفتنة الطائفية؟ وهل نحن امام خريطة “شرق اوسطية” جديدة بعد انهيار “الخلافة” في الموصل؟ ولماذا تعارض ايران التفاهم الأمريكي الروسي جنوب سورية؟ اليكم قراءة تحليلية لاستشراف المستقبل

ربما كان تزامن استعادة القوات العراقية لمدينة الموصل مع الاحتفال بالذكرى الحادية عشرة للانتصار الكبير على العدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006 من قبيل الصدفة المحضة، ولكن الربط بين الانجازين يعكس بروز المحور الإيراني في المنطقة، وتحقيقه وحلفائه المكسب تلو الآخر على جبهات عدة.
في خطابه الذي القاه بهذه المناسبة، حرص السيد حسن نصر الله، زعيم المقاومة اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي، على الإشادة بانتصار القوات العراقية في الموصل، في وجه “الدولة الإسلامية” او “داعش”، وقال “انه انتصار عظيم وكبير جدا وان حاول البعض التقليل من أهميته”، وأضاف في لفتة مهمة “نسجل للقيادات السنية في العراق موقفها الاستثنائي من الحرب ضد داعش”، مؤكدا “ان ما عطل الفتنة في العراق هو الموقف الشجاع لعلماء السنة”.
هذا الاحتفال بالانتصارات من قبل اركان المحور الإيراني في العراق وسورية ولبنان يأتي في وقت يتراجع المحور السعودي ومشروعه لغرقه في ازماته الداخلية أولا، والتوتر الخليجي وعنوانه القطري واليمني على وجه الخصوص.
*
الحزام الإيراني الذي يمتد من مزار شريف في أفغانستان حتى الضاحية الجنوبية على شواطيء المتوسط في لبنان مرورا بالعراق وسورية، يزداد ترسخا وتعزيزا في ظل ضعف تماسك المحور المقابل، وخسارته في معظم الجبهات، في سورية والعراق واليمن، فهذا الحزام يعتمد على “شرعية” المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا من ابرز أسباب نجاحه، بينما يعتمد المحور السعودي على “تشريع″ التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وهنا يمكن الفرق والفارق.
السيد نصر الله كان محقا في امتداحه لموقف القيادات السنية العراقية ودورها في منع الفتنة، وهذه خطوة ذكية تعكس الخوف من نجاح محاولات متوقعة، إقليمية ودولية، لتفجير ازمة طائفية سنية شيعية على ارض العراق، يكون عنوانها تشكيل فصائل مسلحة جديدة تملأ الفراغ الذي سينجم عن اختفاء “دولة الخلافة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وتتجنب الأخطاء التي ارتكبتها الأخيرة.
النهج الإيراني في تشكيل قوى عسكرية غير نظامية، وغير تقليدية، تكون نسخة لنموذج الحرس الثوري الإيراني، بات يترسخ ويتوسع، ويعطي ثماره، فبعد نجاح تجربة “حزب الله” في لبنان، ها نحن امام قوة عراقية موازية، تتمثل في “الحشد الشعبي” الذي لعب دورا كبيرا في هزيمة “الدولة الإسلامية” في الموصل.
في الوقت الذي نتحدث فيه عن بعض القواسم المشتركة بين نموذجي “حزب الله” في لبنان، و”الحشد الشعبي” في العراق، لا يمكن تجاهل بعض الخلافات، وهو ان الأول (حزب الله) كان اقل طائفية، واكثر تسامحا، وانضباطا، وان كان الثاني، أي الحشد الشعبي، تميز في الوقت نفسه، بوجود قيادات ومقاتلين من ابناء الطائفة السنية العراقية في صفوفه.
واذا كانت الولايات المتحدة وقواتها التي غزت العراق واحتلته قد تباهت بإقامة “العراق الجديد” على انقاض حكم البعث العراقي القومي العابر للطوائف، فإننا قد نجد انفسنا امام “العراق الاجد” بعد استعادة الموصل، يستعيد دوره الإقليمي كقوة رئيسية، تحت مظلة المحور الإيراني السوري.
السيد نصر الله اعترف بأن هناك من يحاول التقليل من أهمية “انتصار تحرير الموصل” بشكل موارب، وكنا نتمنى لو انه تطرق في خطابه الى المخاوف الموجودة لدى الكثير من العراقيين والعرب أيضا، من انجراف “العراق الاجد” الى خندق الطائفية، والنزعات الانتقامية الثأرية، وهي نزعات موجودة عبرت عن نفسها في اكثر من حادثة، وان كان يراها البعض فردية ومحدودة.
المنطقة العربية مقدمة على إعادة صياغة إقليمية جديدة لخريطتها السياسية والجغرافية أيضا، بالنظر الى الترتيبات المتسارعة في سورية، والدور الروسي المتزايد، وسقوط معظم النظريات التي كانت تراهن وطوال السنوات الست الماضية على سقوط النظام.
العصر الذهبي الذي قاد فيه المال الخليجي للمنطقة العربية طوال العقدين الماضيين بدأ يتآكل بشكل متسارع، ليس لانخفاض العوائد النفطية، وتبخر معظم الاحتياطات المالية، وانما أيضا بسبب المخططات الامريكية لنقل الاضطرابات وعدم الاستقرار الى منطقة الخليج، والاستعداد لبدء المحاكمات لدول ثلاث في المنظومة الخليجية (السعودية وقطر والامارات) بتهمة رعاية الإرهاب، وهناك 15 قضية مرفوعة امام المحاكم الامريكية ضد هذه الدول لتورطها في هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وقد تصل قيمة التعويضات لاهالي الضحايا الى اكثر من ثلاثة ترليونات دولار.
*
نعترف بأن معظم الحروب ومخططات التفتيت التي تجتاح المنطقة حاليا تصب في مصلحة إسرائيل، ولكن على المدة القصير لان التغييرات التي اشرنا اليها في معادلات القوة الجديدة، تشكل خطرا وجوديا عليها، واكثر ما تخشاه إسرائيل حاليا هو وصول اذرعة ايران العسكرية غير التقليدية الى حدودها في جنوب سورية، ونقصد بهذه الاذرع، حزب الله والحرس الثوري، وقوات لحشد الشعبي، وعدم رضا ايران على التفاهمات الامريكية الروسية لوقف اطلاق النار في جنوب سورية احد المؤشرات في هذا المضمار، مما يجعلنا نكاد نجزم بأن فرص نجاح هذه التفاهمات وصمودها امر مشكوك فيه.
احتفاظ مصر بعلاقاتها مع سورية، وتهنئة وزارة خارجيتها للعراق بانتصار الموصل، وانخفاض حدة الحملات الإعلامية المصرية ضد ايران، رغم انخراط القاهرة في الحلف الرباعي السعودي الاماراتي البحريني ضد قطر كلها عوامل توحي بأنها لا تريد وضع كل بيضها في سلة السعودية المخرومة.
المنطقة الشرق أوسطية تقف امام تغييرات قد تضعف الهيمنة الامريكية ان لم تكن ستنهيها، وتصحح الخلل في موازين القوى لمصلحة المحور المنتصر.. والأيام بيننا.

You might also like