أمير سعودي يغرّد خارج السرب.. إحذروا “مؤامرة” بن زايد

 

إب نيوز26ذي القعدة1438هـ الموافق2017/8/18 ,:- غرّد الأمير السعودي عبدالعزيز بن فهد خارج السرب. لهجته القاسية بحق أقرب حلفاء ولي العهد محمد بن سلمان صدمت المتابعين وبعض الناشطين السعوديين. ذهب بعضهم إلى اعتبار أن حسابه على تويتر مخترق. تبيّن لاحقاً أن كل ما ورد في الحساب كان مقصوداً وموجّهاً.

في التوقيت والمضمون لا تنسجم تغريدات عبدالعزيز بن فهد مع مستوى التفاهمات التي تبدو ظاهرياً أنها تحكم العلاقة بين الرياض وأبو ظبي. أهميتها أنها أعادت تلك العلاقة إلى مربعها الأساسي. هناك، حيث تتقد الخلافات تحت رماد علاقات تبدو منسجمة في ملفات كثيرة، آخرها الملف القطري. تكشف ويكيليكس عن جانب هام ومثير من هذه العلاقات. بعض ما كُشف، يدفع إلى الدهشة بسبب التناقض بين ما يجري في الضوء وما يجري في العتمة. من كان ليظن أن حكام الإمارات كانوا يعدّون السعودية عدوهم الثاني بعد إيران؟.
مواقف أصغر أنجال الملك السعودي الراحل فهد بن عبدالعزيز أشعلت الجدال ومواقع التواصل الاجتماعي. استعملت أقذع الأوصاف وأكثرها هجاء من وزن “تافه”، و”حاقد”، و”شيطان”، و”خسيس”. لماذا؟ السبب الظاهري أو المباشر هو أن ناشطين إماراتيين تجرأوا على وضع صورة بن زايد إلى جانب صورة الملك سلمان! الصورة التي طاف بها الإماراتيون في العالم الافتراضي كتبت تحتها عبارة “أسود الجزيرة”. لكن أسباباً غير معلنة كانت وراء رد الفعل غير المتوازن مع المنشور الإماراتي. في السعودية، هناك من نظر إلى التغريدات الإماراتية على أنها غير بريئة. استفزت هذه المساواة بين “أسدين” الغرور السعودي الذي يعتبر أن أسداً واحداً فقط من يسود الجزيرة العربية. الهجوم الذي دشّنه عبدالعزيز بن فهد أواخر تموز/يوليو المنصرم أتبعه بهجوم آخر منذ مدة. سلسلة التغريدات الأخيرة تؤكد بأن القصة أبعد من مجرد صورة. لمّح الأمير الشاب إلى جهات تقف وراء حسابات وتغريدات إماراتية. أشار إلى ما سمّاه “الذباب الإلكتروني”. لكن هل كان ابن فهد ليجرؤ على مهاجمة أقرب حلفاء بن سلمان لولا وجود ضوء أخضر من أصحاب القرار في السعودية؟ هنا تأتي قصة الرسالة التي تداولها نشطاء سعوديون على “تويتر” والتي وُصفت بـ”الخطيرة”.
بالتزامن مع الهجوم الأول على محمد بن زايد تداول نشطاء سعوديون على “تويتر” رسالة، قالوا إنها من ولي العهد السعودي السابق الأمير محمد بن نايف. قيل إن الرسالة وجهها بن نايف قبل إعفائه، للعاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز. يتحدث بن نايف في رسالته حول ما وصفها بـ”المؤامرة الخطيرة” التي تلعبها دولة الإمارات وتحديداً ولي العهد محمد بن زايد. بن نايف قال، على ذمة الرسالة، إن الإمارات لعبت دوراً حاسماً في الخلافات بينه وبين بن سلمان. أكد أن بن زايد يخطط لاستغلال علاقته الوطيدة بترامب وأن السعودية ستصبح ألعوبة بيد الإمارات. يصعب التأكد من صحة الرسالة. إلا أن نشرها وتداولها بالتزامن مع هجوم بن فهد لا يخلو من الدلالات. حتى لو نُشرت، فرضاً، من أطراف سعودية متضررة، أو فبركها طرف خارجي مثل قطر، فإن قسماً مما تتضمنته غير بعيد من هواجس أوساط في العائلة السعودية الحاكمة. تغريدات الأمير عبدالعزيز تقع في صلب هذه الهواجس. حِرَفية الرسالة، في حال كانت مزوّرة، تضغط تماماً على الوتر الحساس. تشهد السعودية اليوم تشابكاً واضحاً بين المصالح الخاصة والعلاقات الخارجية. يُحكى أن قطر كانت تراهن على محمد بن نايف لوقف اندفاعة الدول الراعية للحصار. يُحكى أن بن نايف لديه حساسية أقل تجاه الإخوان المسلمين والدوحة. في المقابل تكمن مصلحة بن سلمان بمراعاة ولي عهد الإمارات محمد بن زايد. لكنها مراعاة تتجاوز أحياناً المصلحة السعودية. دليل على ذلك ما يحدث في اليمن، حيث تفترق الأجندة الإماراتية بشكل واضح عن الاستراتيجية السعودية. توّج هذا الافتراق باتهام رجل السعودية في اليمن عبدربه منصور هادي بن زايد بالتصرُّف كمحتل لليمن. هل من علاقة بين تغريدات عبدالعزيز بن فهد وبين هذه الوقائع؟ وهل يمكن أن يغرد بن فهد بعيداً، بخلاف رغبات بن سلمان؟
قبل الإجابة لا بدّ من التوقّف عند بعض المعطيات المثبتة: أولاً، كان نجل الملك فهد شارك في حملة تضامنية على موقع “تويتر” مع ولي العهد المعزول، الأمير محمد بن نايف. دافع عنه ضمن هاشتاغ “لا للإساءة لمحمد بن نايف”، حيث نشر سبع تغريدات. ثانياً، لم يسبق أن شهدت مواقع التواصل الاجتماعي هجوماً من أفراد الأسرة السعودية الحاكمة تجاه حكام الإمارات بهذا الشكل. ثالثاً، بات واضحاً دعم بن زايد لبن سلمان في إطار محاولة إيصاله إلى العرش. دوافعه وحساباته سوف يتم التطرق إليها. أما المؤشرات على هذا الدعم فهي كثيرة. ورد بعضها في الرسائل الإلكترونية المقرصنة لسفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة (ما يعرف بغلوبال ليكس). يوضح ريان غريم في موقع “ذي انترسبت” الذي ساهم في نشر هذه الرسائل أن العتبية شكّل الدافع الرئيسي لتعزيز حضور محمد بن سلمان في واشنطن منذ أواخر عام 2015. رابعاً، وجود محمد بن نايف في الإقامة الجبرية حيث لم يسجل له بعد عزله أي ظهور علني خارج قصره يدحض نظرية احتجازه. بموازاة ذلك وجود أمراء ناقمين ومتضررين من صعود بن سلمان.
تظهر وثائق “غلوباليكس” الكثير عن خبايا سياسة الإمارات وصُنّاعِها. الرسائل المقرصنة من بريد يوسف العتيبة، تتضمن أيضاً معلومات حول توجهات أبو ظبي تجاه السعودية. إلا أن ما سرّب ضمن ويكيلكس يكشف ما هو أهم. تكشف إحدى الوثائق عن شتائم وجهها بن زايد لوزير الداخلية السعودي الراحل نايف بن عبدالعزيز. لا ينسى محمد بن نايف وصف بن زايد لوالده بـ”القرد” أمام مسؤول أميركي. ليست هذه الحادثة وحدها وراء رغبة بن زايد بإقصاء بن نايف الذي يظهر أن هناك تنافراً بينهما. طموحات بن سلمان يبدو أنها تناسب أكثر مصالح أبو ظبي وولي عهدها. الرجل الذي يحتاج إلى مساعدة بن زايد هو بطبيعة الحال أكثر استعداداً للتنازل من بن نايف الذي كان ينتظر لحظة تنصيبه من دون فضل لأحد. لا ننسى أن بين الإمارات والسعودية ملفات خلافية عالقة وهي غير بسيطة. من ذلك نزاعات حدودية على أراض غنية بالنفط تعتبر أبو ظبي أنها من حقها. لكن تطلعات أبو ظبي إلى بن سلمان تتعدى بالتأكيد هذه الملفات نحو توسيع نفوذها في المنطقة. إذا حدث ذلك سيكون أولاً على حساب قطر، وبدرجة ثانية السعودية. هنا لا يمكن أن نتوقع أقل من استفزاز سعودي يكون الجواب عليه من وزن الهجاء الذي كاله عبدالعزيز بن فهد لبن زايد. في العقلية السعودية المتوارثة والراسخة لا مكان لأي علاقة ندية بين السعودية وأي دولة خليجية أخرى. هنا يصبح بن فهد متحرراً في هجومه ومدعوماً من جناح نافذ داخل الأسرة الحاكمة. وهنا تتداخل الحسابات الداخلية بالعلاقات الخارجية ويصبح بن سلمان محرجاً. إحراج تضاعفه وطأة الوثائق التي تصوره ألعوبة بيد حاكم، هو بنظر الأسرة الحاكمة أقل منه مكانة. هذا احتمال. إلا أنه لا ينفي الاحتمال الآخر بوجود ضوء أخضر للهجوم من قبل الديوان الملكي الذي يسيطر عليه بن سلمان. بانتظار أن تثبت تطورات الأيام المقبلة أي من الاحتمالين هو الأصوب، يشير ما كُشف حتى الآن من وثائق إلى حقائق دامغة في “تحالف المحمدين”.
تقاطعت مصالح بن زايد وبن سلمان. وجد الأول في الأمير الشاب شخصية “براغماتية” تتقاطع مع تطلعاته ورؤيته، بينما وجد الأمير الطموح في بن زايد عراباً يساعده على تخطي عقبة بن نايف لدى الإدارة الأميركية. هنا مجموعة من الأحاديث التي تضمنتها الوثائق المسربة من بريد العتيبة الإلكتروني، والتي تثبت المعطيات الآنفة. كان العتيبة ومارتن إنديك، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل، يناقشان “براغماتية” الأمير السعودي. كتب العتيبة: “لا أعتقد أنَّنا سنرى قائداً أكثر براغماتية منه (بن سلمان) في تلك الدولة قط. وهذا هو السبب في كون الانخراط معه مهماً للغاية، وسيؤدي إلى أكبر قدر من النتائج يمكن أن نحصل عليه قط من السعودية”. ويبدو موقف العتيبة واضحاً في المراسلات الخاصة بشأن طموحات بلاده لقيادة المنطقة. ففي رسائل متبادلة مع إليوت أبرامز، وهو مسؤولٌ أميركي سابق مشهور بتبنيه آراء تيار المحافِظين الجدد حول إسرائيل، يقول: “أعتقد أنَّنا في المدى البعيد قد يكون لنا تأثيرٌ جيد على السعودية، على الأقل على بعض الأشخاص هناك”. وأسرَّ لأبرامز: “علاقتنا معهم تستند إلى عمقٍ استراتيجي، ومصالح مشتركة، والأهم من ذلك هو الأمل في أنَّنا قد نؤثِّر عليهم. وليس العكس”. في هذا السياق تؤكد “وول ستريت جورنال” أن محمد بن زايد ساعد في تنظيم زيارة الرئيس الأميركي للسعودية في مايو/أيار، وقام هو وغيره من كبار المسؤولين الإماراتيين بدورٍ رئيسيٍ في الضغط على الإدارة الأمريكية الجديدة لصالح محمد بن سلمان، وفق أشخاصٍ على دراية بتلك العلاقة. وتنقل الصحيفة عن داني سيبرايت، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية ورئيس مجلس الأعمال الأميركي الإماراتي، أنّ العلاقات بين “المحمدين” تمثل “ديناميكية جديدة تعيد تشكيل المنطقة في الواقع، ليس فقط في الوقت الحاضر، ولكن في المستقبل أيضاً”. وفي ما يبدو أنه تسويق لمحمد بن سلمان تنقل الصحيفة عن أشخاص مقربين من القيادة الإماراتية أن بن سلمان “هو أفضل رهان لمنع زعزعة الاستقرار في المملكة”.

 

المصدر الميادين

You might also like