سيطرت اتهامات متبادلة على المشهد في محاولة للتشويش على مسؤولية الرياض

الحلقة المفقودة هذه، تجعل من احتمال مقتله داخل القنصلية، في عملية مدبرة، أكثر ترجيحاً، وهو ما تعتقد به الشرطة التركية، لكن في ظل إصرار السعودية على نفي مقتله داخل القنصلية، تبقى الرياض «بريئة»، قانونياً، حتى تثبت أنقرة إدانتها بالدليل القاطع.
وبعيداً عما حصل داخل القنصلية، ثمة سؤال آخر يفرض نفسه بإلحاح على السلطات التركية: كيف خرج من القنصلية؟ سواء كان حياً أو مقتولاً. وكيف مرّ عبر المطار، إذا كان قد نُقل إلى السعودية؟ الروايات التي تجيب على هذه التساؤلات، في انتظار انتهاء التحقيقات التركية التي ستشمل فحص تسجيلات كاميرات المراقبة، وحركة الطائرات كما قال أردوغان، أمس. وهنا، ثمة من يطرح سيناريوات متعددة، بعضها صادمة، آخرها تحدثت عن أن سيارة ذات زجاج داكن، خرجت من المدخل الخلفي للقنصلية، قد يكون نقل خاشقجي فيها عقب اختطافه، إلى مكان مجهول، فيما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز»، وموقع «ميدل إيست آي»، عن مسؤولين أتراك وعرب، أن «خاشقجي قُتل وشوّهت جثته»، بل نقل الأخير، عن مسؤول في الشرطة التركية، أنه «عُذّب قبل أن يُقتل وتقطع جثته»، مضيفاً أنه من المرجّح أنه «جرى تصوير كل شيء من أجل تأكيد أن المهمة قد تمّت، وقد نُقل الشريط المصوّر إلى خارج البلاد» بحسب «ميدل إيست آي». لكن ما سبق، يبقى ادعاء، أكد رئيس «جمعية بيت الإعلاميين العرب في تركيا»، توران كشلاكجي، أمس، أنه «يجري التحقق منها».

«سرب تويتر» يكشف «المؤامرة»!
وفي انتظار التحقيقات، سيطرت على الساحة الإعلامية اتهامات متبادلة، طاولت قطر، في محاولة سعودية إلى أخذ القضية إلى مكان أبعد، تشويشاً على ردود الفعل الدولية، والاتهامات للرياض بالوقوف وراء اغتيال خاشقجي. قرر ولي العهد، محمد بن سلمان، تحريك أضلع آلته الإعلامية الثلاثة: الديبلوماسيون ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. وعبر تغريدة للقائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان، وليد البخاري، في «تويتر»، تحت وسم «مسرحية جمال خاشقجي»، اعتبرت الرياض أن اغتيال خاشقجي «مؤامرة ومكيدة استخباراتية دبرت بإحكام بغرض النيل من سمعة السعودية والإساءة إليها». وعلى نحو مشابه انخرطت وسائل الإعلام السعودية شبه الرسمية، إذ وصفت صحيفة «عكاظ»، التي تعمل وفق تعليمات الديوان الملكي، الاتهامات للرياض بالوقوف وراء اختفائه، بـ«هجمة إعلامية شرسة بلغات عدة، تستهدف تشويه صورة المملكة»، معتبرة أن ثمة «تنسيقاً مسبقاً» لدى «الإعلام المعادي، الذي يحمل الملامح الإخوانية والقطرية». وفي تقرير آخر، أمس، ذهبت الصحيفة إلى إحراج تركيا أمنياً، تحت عنوان «هل إسطنبول آمنة للسعوديين؟»، مبادرة إلى الإجابة، بأنه «مع لغز اختفاء المواطن جمال خاشقجي، المثير للجدل، تزيد مخاوف مواطنين سعوديين، من ما آل إليه مستوى الأمن التركي في الحفاظ على سلامة زائري أهم المدن السياحية في البلاد»، فضلاً عن «حوادث الاعتداء على السياح وارتفاع حالات النشل والتحايل» كما تقول.
الحملة الإعلامية الرسمية رافقتها تغريدات لصحافيين ونشطاء، تولوا الكشف عن «المؤامرة التركية والقطرية». فبحسب المحامي والقانوني عبدالرحمن اللاحم (كان نايف قد سجنه ومنعه من السفر حينما كان وزيراً للداخلية، وازداد نشاطه منذ الانقلاب على محمد بن نايف)، قرر «النظامان القطري والتركي تصفيته» (لخاشقجي)، بعد أن «انتهت صلاحيته»، في حين كان مدير مكتب «العربية» في الرياض سابقاً، خالد المطرفي، قد لمح، بعد يومين فقط من اختفاء خاشقجي، إلى مقتله في تركيا، بالقول إن «اختفاء جمال خاشقجي… يعيد إلى الأذهان، السعودي محمد المفرح، الذي توفي في تركيا في ظروف غامضة (وكان يتزعم ما يعرف بحزب الأمة الإخواني)، عندما بدأ يُلمح أنه سيعود للمملكة، كتلميحات خاشقجي الأخيرة!». أما الهستيريا «التويترية» السعودية، فتجسدت في مقطع مصور بثه في «تويتر»، الإعلامي السعودي، عبدالله البندر، وضع خلاله عملية اغتيال خاشقجي، في إطار سلسلة عمليات اغتيال «نفذها تنظيم الحمدين» بحسب زعمه، لرؤساء سابقين، كمعمر القذافي وعلي عبدالله صالح، من بينهم «والدهم خليفة بن حمد آل ثاني»، الذي «وضعوه في إقامة جبرية إلى أن مات»، فيما اتهم الأتراك بسلسلة أخرى من الاغتيالات، بدأت بالسفير الروسي أندريه كارلوف، ورئيس نقابة المحامين التركية، طاهر ألجي، والإعلامي السوري زاهر الشرقاط.
تغريدات ما باتوا يوصفون بـ«المطبلين» في المملكة، جاءت مصحوبة بآلاف التغريدات لـ«الذباب المبرمج» في «تويتر»، مروجين إلى أن ولي العهد، محمد بن سلمان، دحض ترجيحات المسؤولين الأتراك، بأن خاشقجي قد قتل داخل القنصلية، ناشرين صوراً لمقتطفات من مقابلته الأخيرة مع وكالة «بلومبيرغ»، علماً أن ابن سلمان، بدا في إجاباته غير ملم بتصريحات مسؤوليه (أو غير مهتم بالقضية)، بقوله إنه «على حد معرفتي، إنه (جمال) دخل القنصلية، وخرج منها بعد دقائق معدودة، أو ساعة، لست متأكداً».