خمسة اسباب تفسر عدم نزول مئات الآلاف من المصريين الى الشوارع حتجاجا على التنازل عن جزيرتي “تيران” وصنافير”

خمسة اسباب تفسر عدم نزول مئات الآلاف من المصريين الى الشوارع حتجاجا على التنازل عن جزيرتي “تيران” وصنافير”

إب نيوز26ابريل2016
احتجاجا على التنازل عن جزيرتي “تيران” وصنافير” للسعودية تلبية لطلب المعارضة واستجابة لنداء الشيخ القرضاوي.. فما هي؟ وهل انتهت الازمة؟ وهل سيرفع “الاخوان” الراية البيضاء؟

مر يوم الاثنين (امس) مثل اي يوم آخر في “الروزنامة” المصرية، فلم تزدحم شوارع مصر وميادين مدنها بالمتظاهرين استجابة لنداءات المعارضة، احتجاجا على تنازل حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي عن جزيريتي “صنافير” و”تيران” في مدخل خليج العقبة للسيادة السعودية، بمقتضى اتفاق جرى التوصل اليه لـ”تعيين” الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، اثناء زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الى القاهرة قبل ثلاثة اسابيع.
ويبدو ان دعوة الكثير من قادة المعارضة المصرية في الخارج، وخاصة من جماعة الاخوان المسلمين، وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لم تجد الصدى المطلوب في اوساط المصريين، والنزول الى الشوارع في ثورة غضب تحت عنوان التفريط بأرض مصرية، الامر الذي نزل بردا وسلاما على قلب الرئيس السيسي وانصاره، وحزنا وكمدا على قلوب معارضيه.
ومن المفارقة ان المظاهرة الاكبر، حسب ما جاء في تقارير المراسلين الصحافيين، ووكالات الانباء، هي تلك التي جرت بالقرب من نقابة الصحافيين، كانت لمؤيدي الرئيس السيسي، والاتفاق مع السعودية، حيث رفع المشاركون فيها اعلام المملكة العربية السعودية الخضراء، مرددين شعارات تقول “الجزر دي سعودية غصب عن المصراوية”.
الذين عارضوا التنازل عن هذه الجزر للسعودية واصروا على انها مصرية، كانوا خليطا من رموز النخبة السياسية والثقافية والاعلامية، مثل حمدين صباحي، علاء الاسواني، عمرو موسى، وابراهيم عيسى، رد. نادر الفرجاني, وحسن نافعة, وحركة الاخوان، ولا بد انهم شعروا بخيبة امل كبيرة من جراء “حالة الفتور” التي سادت الشارع المصري، واصابت الكثيرين، الى جانب هؤلاء، بالحيرة والغضب في آن.
هناك عدة اسباب يمكن ان تقدم بعض التفسير لحالة الفتور هذه، يمكن ايجازها في النقاط التالية:
اولا: نزول قوات الامن والشرطة بأعداد كثيفة في الشوارع، قبل يومين من موعد التظاهرات في اطار سياسة القبضة الحديدية التي تبنتها السلطة، لمنع اي مظاهرات مهما كلف الامر، واجراء حملة اعتقالات واسعة شملت ناشطين وصحافيين.
ثانيا: فقدان جانب كبير من الشعب المصري الثقة في معظم نخبته السياسية، بسبب تقلب مواقفها، ومساندة الغالبية العظمى منها للرئيس السيسي، والانقلاب العسكري، الذي قام به للاطاحة بحكم الاخوان المسلمين الممثل بالرئيس محمد مرسي، وارتدادها بعد ذلك، ووقوفها في خندق المعارضة لـ”حكم العسكر”، والتباكي على التفريط بالسيادة المصرية على الجزيرتين.
ثالثا: حالة البلبلة التي سادت الاوساط المصرية حول الملكية الحقيقية للجزيرتين، فهناك من قال انها مصرية، وهناك من جادل بأنها سعودية، وكانت “معارة” الى مصر، وكل معسكر ابرز وثائق تؤكد وجهة نظره، ومن بين هؤلاء السيدة هدى عبد الناصر، ابنة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، التي قالت انها عثرت على وثيقة منذ زمن والدها في احد خزانات منزلها بالصدفة المحضة، تؤكد ان الجزيرتين ملك للسعودية.
رابعا: التحشيد الاعلامي الضخم الذي لعب دورا كبيرا في دعم الاتفاق المصري السعودي حول الجزر، وتضخيمه لحجم المنافع الاقتصادية التي يمكن ان تعود على مصر وشعبها، من جراء الاستثمارات والمشاريع السعودية الضخمة التي تقدر قيمتها بأكثر من 22 مليار دولار، ومن ابرزها اقامة جسر كبير فوق خليج العقبة يربط السعودية بمصر، ويخلق عشرات الآلاف من الوظائف، ويجذب الملايين من السياح السعوديين والخليجيين، والعرب الآخرين.
خامسا: الشعب المصري اُنهك من الاعتصامات والمظاهرات على مدى الاعوام الخمسة الماضية، وبات يتطلع اكثر الى الهدوء والاستقرار، على امل ان تتحسن ظروفه المعيشية، ومعاناته من البطالة، وتفاقم معدلاتها، وانخفاض قيمة الجنيه، ووجود اكثر من 50 مليون مصري تحت خط الفقر.
يعتقد الكثير من الخبراء المصريين ان انخفاض عدد المتظاهرين، وتراجع اعدادهم الى المئات في بعض ميادين محافظات مصرية، لا يعني ان الشعب المصري راض بأغلبية عن السلطة، ويشعر بالارتياح لسياساتها الداخلية والخارجية، ويساند تنازلها عن الجزيرتين، فقد اظهر استطلاع للرأي اجري امس ان 30 بالمئة من المصريين يرون انهما ملك لمصر، بينما يرى حوالي 23 بالمئة انهما سعوديتان، بينما قال 31 بالمئة انهم لا يعرفون ما اذا كانتا مصريتين او سعودتين، واكد 16 بالمئة من العينة المستطلعة، انهم لم يسمعوا بهذه الجزر من الاساس، الشعب المصري المطحون بات يتطلع الى لقمة العيش له ولاطفاله، ويضعها على قمة اولوياته.
لا نعرف كيف سيكون الحال بعد عام او عامين، خاصة اذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي المصري، وتتعاظم معاناة المواطنين نتيجة لذلك، مع الاخذ في الحسبان ان المعسكر المعارض للتنازل عن الجزيرتين، يضم شخصيات سياسية ما زالت تحظى ببعض التأثير في الشارع، خاصة في اوساط الشباب المصري الذي كانت نسبة تصويته عالية ضد التنازل عن الجزيرتين.
حالة الغضب ستظل تحت الرماد، وربما تتحول الى لهب، اذا استمر غياب المصالحة الوطينة، واتساع دائرة الاعتقالات، وانسداد افق المشاركة في العملية السياسية للمعارضة، واشتداد القبضة الحديدية الامنية، وتفاقم المعاناة المعيشية للغالبية الساحقة من الشعب المصري.
التنازل عن الجزر، او عودتهما الى مالكها الحقيقي، حسب راي الحكومة، ليس هو المشكلة، وانما تراكم ازمات عديدة اقتصادية وسياسية واجتماعية، وارادته المعارضة ان يكون مفجرا لاحباط شعبي متزايد، ولكن القنبلة المراد تفجيرها لم تنفجر بالشكل الذي كانت تأمله ونشطاؤها، وهذا لا يعني ان محاولات التفجير هذه ستتوقف اذا لم تتحسن الاوضاع، وطالما وجدت هذه المعارضة من يدعمها اعلاميا وسياسيا وماليا ايضا، ومن يوفر لها الذخيرة في الداخل بارتكاب اخطاء، وعدم حل الازمات المتفاقمة.

 

 

 

 

 

 

 

عبدالباري عطوان

You might also like