الطلاق الطويل الأمد

الطلاق الطويل الأمد

سايمون هندرسون* إب نيوز 1مايو 2016

بالنسبة لكثير من الناس، كانت اللحظة الفارقة الأولى في موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه المملكة العربية السعودية، عندما انحنى أمام الملك عبدالله أثناء مصافحة يد العاهل السعودي السابق في اجتماع قمة “مجموعة العشرين” في لندن في نيسان/أبريل 2009. وقد تم تفسير تلك المبادرة بطرق مختلفة من بينها أن الرئيس الأمريكي الجديد يتذلل نحو حليف مهم، أو أنها علامة مبكرة على قدرة أوباما على جذب [العاهل السعودي إليه] – وقد نفى البيت الأبيض نفياً قاطعاً أن اللفتة كانت انحناءة على الإطلاق.

وربما أن السعوديين أنفسهم لم ينخدعوا من تلك المبادرة. فمن المؤكد أنهم كانوا على علم بالخطاب الذي ألقاه أوباما في شيكاغو عام 2002، أي بعد أكثر من عام بقليل من هجمات 11/9. وكان ذلك الخطاب أكثر شهرة بسبب معارضة أوباما للغزو الذي خطط له الرئيس جورج بوش الإبن للعراق، والذي أشار إليه باسم “حرب غبية”. بيد، كانت لأوباما رسالة حادة أيضاً – عندما كان آنذاك عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية إيلينوي – تتعلق بالبلدين والتي شكلت دعائم نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

فقد سأل أوباما: “هل تريد أن تقاتل، أيها الرئيس بوش؟ دعنا نقاتل حلفاءنا المزعومون في الشرق الأوسط – السعوديون والمصريون – للتأكد بأنهم سيتوقفوا عن قمع شعبهما، وقمع المعارضة، ويتوقفوا عن التغاضي عن الفساد وعدم المساواة.”

لقد تغير الكثير في العالم منذ تلك الإنحناءة غير الملائمة في عام 2009، ناهيك عما تغيّر منذ عام 2002، كما أن طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية قد تغيّرت هي الأخرى. فعند انتهاء فترة الثماني سنوات من ولاية جورج بوش الإبن، كان سعر النفط أقل من 50 دولار للبرميل الواحد، وقد ارتفع إلى أكثر من 100 دولار في عام 2014. وكان هناك قلة من الناس الذين سمعوا عن الصخر الزيتي – فالإشارة آنذاك إلى احتمال تحقيق الولايات المتحدة الاستقلال في مجال الطاقة، والذي يمكن أن يجعله النفط ممكناً قريباً، كان قد قوبل بالضحك الساخر. وفي الشرق الأوسط، كان الرئيس المصري حسني مبارك يمسك بقوة بزمام السلطة، وهو الحال بالنسبة لبشار الأسد في سوريا. وقد استغرق الأمر عامين آخرين قبل اندلاع انتفاضات في هذين البلدين، وقبل أن يؤدي رد واشنطن في كلتا الحالتين إلى استياء المسؤولين السعوديين.

لقد اجتمع الرئيس أوباما مع الملك سلمان في الرياض في 20 نيسان/أبريل، خلال ما يرجح أن تكون رحلته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية خلال فترة رئاسته. ومثل هذه اللقاءات بين زعماء الدول عادة ما تُستغل لإجراء مناقشات بشأن المصالح المشتركة وليس حول جداول أعمال مفصلة. والسؤال الشائع هو: هل يشاطر الحلفاء نفس الرؤية الاستعارية؟ بيد، في ظل [العلاقات] القائمة حالياً بين الولايات المتحدة والسعودية، سوف يكون أكثر إثارة للاهتمام رؤية ما إذا كان بإمكان الحليفان أن يشيرا ظاهرياً بأنهما ما زالا ينظران إلى الأمور بنفس الطريقة.

وعلى الرغم من أنه قد تم الترويج للزيارة على أنها بمثابة جهد لبناء تحالف بين البلدين، إلا أنه من المحتمل أيضاً أنها قد سلّطت الضوء على مدى تباعد واشنطن والرياض في السنوات الثماني الماضية. وبالنسبة لأوباما، تشكل الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») القضية الأساسية في الشرق الأوسط : فهو يريد أن يكون قادراً على الاستمرار في العمليات [العسكرية] تحت غطاء تحالف إسلامي واسع، تُعد فيه السعودية عضواً بارزاً. وبالنسبة لعائلة آل سعود، تشكل إيران المسألة المهمة: فالصفقة النووية التي تم التوصل إليها في العام الماضي، لا تمنع من ناحية العائلة المالكة، الوضع النووي الناشئ الذي تتمتع به إيران – بل تؤكده. والأسوأ من ذلك، تنظر واشنطن إلى إيران كحليف محتمل في الحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وعلى حد تعبير أحدالمراقبين الذي مقره واشنطن منذ فترة طويلة:

“أرادت السعودية صديق أسمه الولايات المتحدة. وبدلاً من ذلك اختارت الولايات المتحدة إيران [كصديق لها]. والنتيجة زيادة غيرة السعودية”.

وعلى الرغم من المخاطر المحتملة، فمن المؤكد أن كلا الجانبين قد أعد قوائم “أسئلة” قاما بطرحها خلال هذه الزيارة. ومن المحتمل أنه قد تمت إثارتها أثناء اجتماعات جانبية، نظراً لقيام العاهل السعودي بمنح المزيد من صلاحياته لولي العهد الأمير محمد بن نايف، وبصورة خاصة لابنه، ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. فبالإضافة إلى القضايا المتعلقة بـ تنظيم «داعش» وإيران، من المرجح أن تكون المحادثات قد شملت اليمن أيضاً، حيث أن المملكة متورطة بشكل متزايد في الحرب الدائرة في تلك البلاد، وإن كان هناك أمل في التوصل إلى سلام عن طريق المحادثات. وقد كان الأمير محمد بن سلمان البالغ من العمر 30 عاماً المحاور الذي لا غنى عنه في المحادثات، ومن المتوقع على نحو متزايد أن يصبح ملكاً عاجلاً وليس آجلاً – على الرغم من أن الخلافة الإسمية المعمول بها حالياً في المملكة هي تسليم الخلافة أولاً إلى ابن عمه الأمير محمد بن نايف. ويُعرف عن محمد بن سلمان بأنه يروج لرؤيته حول نهضة السعودية كدولة عصرية مع انتقال اقتصادها بعيداً عن تبعية النفط.

ولا يبدو أن موقف أوباما تجاه المملكة العربية السعودية قد تغير منذ خطابه عام 2002، ومن المؤكد أنه كان من الصعب تجاهل تصريحاته عن حكام المملكة. وقد كانت انتقادات الرئيس لـ “ما يسمى بحلفاء” أمريكا موضوعاً متكرراً في قصة الغلاف لمقالة جيفري غولدبرغ في مجلة “ذي أتلنتيك” بعنوان “عقيدة أوباما”. وبدأت المقالة التي ضمت 19,000 كلمة بتراجع أوباما من “خطه الأحمر” بعد قيام قوات بشار الأسد باستخدام غاز السارين ضد المدنيين في عام 2013 – وهو الحدث الذي صدم حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأجبرهم على إعادة النظر في ما تعنيه الضمانات الأمنية الأمريكية في الواقع، تلك التي وصفها أوباما بأنها قرار جعله يكون “فخوراً جداً”.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا قرر أوباما إجراء المقابلة مؤخراً – بدلاً من نيسان/أبريل 2017، على سبيل المثال؟ إن ذلك يشكل لغزاً للكثيرين، الذين يرون أن المقابلة تضر بمصداقية دبلوماسيته. فالمقالة تلقي سحابة سوداء على اجتماعات أوباما في الرياض وتجعل الابتذال من تصريحاته العلنية أقل إقناعاً. فالتعاون في مكافحة الإرهاب، على سبيل المثال، كان على الأرجح عنصراً رئيسياً في المحادثات – ولكن في مقابلته مع مجلة “ذي أتلنتيك”، تساءل أوباما عن “الدور الذي يلعبه حلفاء أمريكا من العرب السنة في التحريض على الإرهاب المناهض للولايات المتحدة”، فقد كتب غولدبيرغ، “من الواضح أنه منزعج لأن المعتقد التقليدي في السياسة الخارجية يجبره على معاملة السعودية كحليف”.

وأضاف غولدبرغ: عندما سأل رئيس الوزراء الأسترالي الجديد مالكولم تيرنبول، الرئيس الأمريكي في العام الماضي، “أليس السعوديون أصدقائك؟” فابتسم أوباما، وقال: “الأمر مقعد”.

ويبدو أن شكوكية أوباما قد تغلغلت في إدارته بالكامل. ووصل الأمر إلى نقطة يخشى فيها المسؤولون السعوديون من أن الإدارة الأمريكية تفضل خصومهم في طهران على حليفهم منذ فترة طويلة. وكتب غولدبيرغ، “في البيت الأبيض هذه الأيام، يسمع المرء أحياناً مسؤولون في «مجلس الأمن القومي» تحت رئاسة أوباما وهم يذكروا الزوار بوضوح بأن الغالبية العظمى من الخاطفين في أحداث 11/9 لم يكونوا إيرانيين، بل سعوديين”. وعندما أشار الكاتب إلى أوباما بأنه إذا ما وقع نزاع مع ايران ليس من المرجح أن يدعم الرئيس الأمريكي السعودية بصورة غريزية بنفس قدر الدعم الذي حصلت عليه من أسلافه، “لم يعترض” أوباما على هذا الوصف، وفقاً لغولدبرغ.

وببساطة، لا يبدو أن أوباما يشاطر رأي الكثير من زعماء الشرق الأوسط بأن جمهورية إيران الإسلامية تريد تقليص النفوذ الأمريكي وتغيير ميزان القوى في المنطقة.

ويخشى القادة السعوديون بشكل متزايد من أنه ليس لدى الرئيس الأمريكي أي اهتمام بتقييد طموحات إيران الإقليمية. وكان السطر الواحد الذي ربما ولّد الصدمة الأكثر تأثيراً في الرياض عند نشر مقالة “ذي أتلنتيك” هو عندما حثّ أوباما إيران وخصومها “على إيجاد وسيلة فعالة للمشاركة في المنطقة وإقامة نوع من السلام البارد”.

وليس لدى السعودية أي اهتمام في مشاطرة العالم العربي مع عدوتها اللدودة. فهي ترى إيران دولة تتحدى قيادتها للعالم الإسلامي وتقوّض مكانتها في العالم العربي. ونظراً للاتفاق النووي مع إيران وانتعاشها من إنتاج النفط، فإن مكانة الرياض كزعيمة لعالم الطاقة هي الأخرى مهددة أيضاً – حتى لو استغرق الوقت أعوام، إن حدث ذلك على الإطلاق، قبل أن تتمكن إيران من منافسة مكانة السعودية كأكبر مصدر للنفط في العالم.

إن وجهات النظر المختلفة جذرياً حول الشرق الأوسط المذكورة هنا قد تكون سبباً في التوتر القائم بين الرياض وواشنطن، ولكن من المحتمل أن يكون أوباما والملك سلمان قد واجها مشاكل أخرى عندما جلسا وجهاً لوجه في العشرين من نيسان/أبريل. هذا، ويتم بعناية تصميم الاجتماعات مع العاهل السعودي البالغ من العمر 80 عاماً لحجب – بعيداً عن النظرات الفاحصة على الأقل – العجز المتزايد الذي يعاني منه الملك سلمان. وكان أوباما قد واجه بالفعل هذا الوضع. فعندما جاء إلى الرياض في كانون الثاني 2015 لتقديم التعازي على وفاة الملك عبد الله، أجرى محادثة مع الملك سلمان، لكن العاهل السعودي لم يستمر فيها وابتعد عنها بكل بساطة وعلى حين غفلة. وقد حاول بعض المساعدين الاعتذار عن ذلك، بقولهم إن العاهل السعودي يحتاج إلى تأدية فريضة الصلاة. وفي أيلول/سبتمبر الماضي، عندما زار الملك سلمان البيت الأبيض، جلب معه ابنه المفضل، محمد بن سلمان، للتحدث نيابة عنه.

وخلال معظم الاجتماعات، يحتفظ الملك سلمان بشاشة كمبيوتر موضوعة أمامه وتعمل كملقن، وغالباً ما يتم حجبها بالزهور. وخلال زيارة وفد أمريكى مؤخراً، ابتكر الديوان الملكي حيلة أخرى – بقيام العاهل السعودي بقضاء وقته خلال الاجتماع وهو ينظر إلى شاشة تلفزيون عريضة تتدلى من السقف. وكان مساعد في أحد جوانب الغرفة ينقر موضوع النقاش وبشكل سريع على لوحة مفاتيح الحاسوب.

ويُرجح عدم تمكّن رئيسي الدولتين من تجنب مناقشة تفسيراتهما المتنافسة لأحداث 9/11 عندما كان 15 من أصل 19 شخصاً من منفذي الهجمات سعوديين. وقد تم إحياء هذه القضية من خلال دعوات في الكونغرس الأمريكي لنشر 28 صفحة ناقصة من تقرير أحداث 9/11، التي ظلت سرية، ويُفترض أن سبب ذلك هو تجنب إحراج الحكومة السعودية بسبب احتمال وجود صلة بين الخاطفين ومسؤولين سعوديين. وقد تم تأكيد استمرار حساسية الرياض تجاه هذه النقطة خلال عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، عندما حذرت الرياض بأنها ستقوم ببيع أصول أمريكية تقدر بمئات مليارات الدولارات اذا أقر الكونغرس الأمريكي مشروع قانون يسمح بأن تكون الحكومة السعودية مسؤولة امام المحاكم الأمريكية عن أي دور في هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001.

ومن الصعب التنبؤ بمجرى الأمور حول هذا الموضوع. ولكن كما كتبتُ للمرة الأولى في افتتاحية في صحيفة “وول ستريت جورنال” في آب/أغسطس 2002، هناك الكثير جداً في الروابط [القائمة] بين الخاطفين وبيت آل سعود مما يستعد الكثيرون الاعتراف به. فقد نقل ذلك المقال قصة من “مجلة يو إس نيوز أند وورلد ريبورت” بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير، بعنوان “مدفوعات أميرية”، قال فيها مسؤول سابق في إدارة الرئيس كلينتون أن اثنين من كبار الأمراء السعوديين كانوا يدفعون الأموال لزعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن منذ التفجير الذي وقع في الرياض عام 1995، والذي أسفر عن مقتل خمسة مستشارين عسكريين أمريكيين.

وقد نفى مسؤولون سعوديون بشدة ذلك الإدعاء، حيث اقتُبس عن وزير الخارجية الحالي عادل الجبير قوله: “أين الدليل؟ لا أحد يقدم دليلاً. ليس هناك أي اثر مستندي”.

وكما كتبتُ في صحيفة “وول ستريت جورنال” عام 2002: “تتبعتُ الأدلة وسرعان ما وجدتُ مسؤولون أمريكيون وبريطانيون أخبروني بأسماء اثنين من كبار الأمراء. وكان هذان الأميران يستخدمان أموال سعودية رسمية – وليس أموالهما – لتسليمها لبن لادن لكي يسبب مشاكل في أماكن أخرى وليس في المملكة. وقد وصلتْ المبالغ المتعلقة بذلك إلى ‘ مئات ملايين الدولارات ‘، واستمرت بعد حوادث 11 أيلول/سبتمبر. ومؤخراً سألتُ مسؤول بريطاني عما إذا كانت المدفوعات قد توقفت. فقال إنه يأمل ذلك، ولكنه ليس على يقين من توقفها”.

وإذا كانت القيادة السعودية تأمل بإصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة، يجب أن تجد وسيلة لإنهاء الأمور المتعلقة بمثل هذه الأسئلة. ولكن الإنتقادات الحادة التي وجهها الرئيس الأمريكي في مجلة “ذي أتلنتيك” هي التي تجعل التقارب إلى المستويات السابقة للعلاقات الدبلوماسية والاقتصادية الحميمة التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مستحيلاً، على أي حال.

ومن المؤكد أن الرئيس الأمريكي لم ينوي السفر إلى الرياض للتوقيع على شهادة وفاة العلاقات بين البلدين. ومع ذلك، ربما بشرت إدارة أوباما بقيام عهد جديد في العلاقات بين واشنطن والرياض – يكون أكثر بعداً ويشوبه الشك مقارنة بما كان عليه الوضع في السنوات الماضية. وبطريقة أو بأخرى، كانت هذه رحلة تاريخية.

 

* سايمون هندرسون هو زميل “بيكر” ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن.

المقال عن “فورين بوليسي” – 20 نيسان/أبريل 2016/ معهد واشنطن

You might also like