عطوان : لماذا نعتقد بأن الصاروخين اللذين انطلقا من قطاع غزة بإتجاه اسدود واسقطا القناع عن وجه نتنياهو المذعور هما اللذان سيحددان نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة؟

لماذا نعتقد بأن الصاروخين اللذين انطلقا من قطاع غزة بإتجاه اسدود واسقطا القناع عن وجه نتنياهو المذعور هما اللذان سيحددان نتائج الانتخابات الإسرائيلية المقبلة؟ وكيف نجحت المقاومة في تحقيق هذا الإنجاز الاستخباري؟ وهل سيقتصر ضم غور الأردن على الجانب الفلسطيني فقط؟ وماذا عن شقه الأردني؟

عبد الباري عطوان

الصاروخان الباليستيان اللذان اطلقتهما احد فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بإتجاه مدنية اسدود المحتلة الثلاثاء الماضي حيث كان بنيامين نتنياهو يلقي خطابا انتخابيا هما اللذان سيكون لهما الدور الأكبر في تحديد نتائج الانتخابات التشريعية الإسرائيلية التي ستجري يوم الثلاثاء المقبل، وليس بيانات الإدانة والشجب التي صدرت عن وزراء خارجية عرب كرد فعل على إعلان نتنياهو ضم غور الأردن وشمال البحر الميت في حال فوزه.

اكثر ما يثير الحنق والغضب تلك العبارة التي كانت القاسم المشترك في جميع هذه البيانات التي تتحدث عن كون هذه الخطوة تنسف عملية السلام وحل الدولتين، الا يخجل هؤلاء من ترديد هذه العبارة السمجة، وهم يعرفون تماما ان حل الدولتين انتهى بمجرد نقل السفارة الامريكية الى القدس المحتلة، وضم هضبة الجولان السورية، واطلاق صفقة القرن كبديل لتصفية القضية الفلسطينية، والسقوط المخزي والمذل لمبادرة السلام العربية، وتهافت أهلها على التطبيع مع دولة الاحتلال؟

***

نعود الى الصاروخين اللذين اطلقا العنان لصافرات الإنذار، وجعلا نتنياهو يهرب كالجرذ الى اقرب ملجأ سعيا للنجاة بحياته، والهلع باديا على وجهه، ونقول ان أهميتهما تكمن في دقة توقيتهما، مما يعكس وجود قدرات استخبارية عالية في الرصد والمتابعة لكل صغيرة وكبيرة في فلسطين المحتلة، وخاصة تحركات نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين من قبل فصائل المقاومة في القطاع.

نتنياهو الذي يقدم نفسه الى ناخبيه كبطل قومي لا يشق له غبار، وزعيم شجاع، وهو الوحيد القادر على حماية “إسرائيل”، وإعادة لبنان وايران وقطاع غزة الى العصر الحجري، ظهر على مئات الآلاف من سائل التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة، نقيضا لكل هذه الصفات، وكان منهارا ومرعوبا، كل همه هو النجاة بنفسه، وصدق المثل الذي يقول انه في المواقف الصعبة تظهر معادن الرجال.

هذا الرجل، وحسب اراء الغالبية من الإسرائيليين، كاذب محترف، ولو أراد ضم غور الأردن، فلماذا تأخر كل هذه العقود فليس هناك ما يمنعه، وكان باستطاعته ان يصدر قرارا بصفته رئيسا للوزراء في هذا الخصوص، ولكنه بات يدرك، ان فرص فوز ائتلاف الليكود الذي يقوده وتشكيل الحكومة ليست كبيرة، ولهذا يغدقه في الوعود على امل تحسين حظوظه في الفوز ابتداء من ضم غور الأردن وانتهاء بالتهديد بغزو قطاع غزة للقضاء على حكم حركة “حماس”، وانهاء وجود ظاهرة المقاومة فيه.

الناخب الإسرائيلي الذي يضع الامن على قمة أولوياته قد يتردد كثيرا في التصويت لزعيم ظهرت معالم الجبن والرعب على وجهه، وهو يهرب من اطلاق صاروخين على مدنية ضخمة كان يلقي فيها خطابا انتخابيا، كما ان التلويح بضم الأراضي وتهويدها، وتشريع الاستيطان فيها، لم يحقق الامن والاستقرار، بل اعطى، وسيعطي نتائج عكسية، وتطور صواريخ غزة، ودقتها، ووجود ترسانة الطائرات المسيرة الموازية لها احد الأمثلة في هذا الصدد.

نتنياهو لن يجرؤ على اقتحام قطاع غزة، وانهاء المقاومة فيه، والا لما هرع الى القاهرة مستجديا وقفا لإطلاق النار بعد ساعات من بدء المواجهات الأخيرة، لأنه يدرك ان إطالة امد الحرب سيؤدي الى نزول خمسة ملايين مستوطن إسرائيلي الى الملاجئ لأسابيع ان لم يكن لأشهر، وتدمير مطار بن غوريون في تل ابيب، مضافا الى ذلك، هل يستطيع حكم القطاع؟ ومن ادراه انه سيقضي على المقاومة؟ وماذا لو حدث العكس أي ازدادها قوة؟ فليس هناك لأهل القطاع الشجعان ما يمكن ان يخسروه غير الحصار والمهانة وظلم ذوي القربى.

بقيت ملاحظة أخيرة، وهي ان غور الأردن الذي يريد نتنياهو ضمه لا يشكل 30 بالمئة من ارض الضفة الغربية المحتلة فقط، وانما الجزء الاخصب من الأراضي الأردنية المؤجرة للإسرائيليين بمقتضى معاهدة وادي عربة، وهي أراض تشمل البحر الميت الذي تعتبره إسرائيل ملكا حصريا لها، وتريد وضع اليد عليه وكل ما حوله في اطار سياسة القضم التي تتبعها كخطوة على طريق اقامة إسرائيل الكبرى.

فمن يضم الضفة الغربية، والقدس المحتلة، وهضبة الجولان، لماذا لا يضم الجزء الأردني من غور الأردن؟ ومن يمنعه في ظل هذا الهوان العربي؟

***

وعود نتنياهو، وتحركاته البهلوانية، وآخرها زيارة منتجع سوتشي اليوم للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لن تفيده كثيرا لأنه قام بزيارة مماثلة قبيل الانتخابات الاخيرة، وحتى لو افادته وفاز في الانتخابات القادمة، وهذا موضع شك، لأنه وضع الإسرائيليين في سلسلة من الازمات لا حدود لها، وباتوا محاصرين بقوة ردع جبارة من الشمال والجنوب والشرق، في وقت يتآكل تفوقهم العسكري وبسرعة، وتتعاظم قوة محور المقاومة في المقابل.

اسطورة نتنياهو تقترب من نهايتها، وزنزانته الفخمة التي ستأويه لعدة سنوات في احد سجون تل ابيب، باتت في طور الاعداد والتجهيز لاستقباله، وتذكروا قصة الصاروخين اللذين ضربا اسدود (مسقط رأس والدي) واسقطا القناع وكشفا وجهه الحقيقي.. والأيام بيننا.

You might also like