تجربة الجيش واللجان الشعبية…مدرسة جديدة هزت علوم القتال

إب نيوز ١٦ نوفمبر

زين العابدين عثمان /محلل عسكري

ماتزال التجربة القتالية التي سطرها مجاهدو الجيش واللجان الشعبية خلال مواجهة الحرب الكونية لتحالف (أمريكا بريطانيا السعودية والامارات) على اليمن تمثل نقطة تحول فاصلة في علوم الحرب ومفاهيمها العسكرية والاستراتيجية الأكثر تعقيداً، فالتكتيكات والأساليب والفنون القتالية التي أظهرها المقاتل اليمني في مضمار المواجهة تعتبر مثالية وغير مسبوقة لاتصنف ضمن اي مدرسة عسكرية ،حيث حكمها عنصر الابتكار والتميز والتكتيكات الفنون الحربية الجامعة التي لم تتوقف عند نمط قتالي معين انما خليط من عدد من أنماط القتال المعروفة – الكلاسيكية وحرب العصابات- وحرب المجموعات وذلك في اطار توليفة جديدة من علوم القتال المتشابكة( الهجينة) ..

تجربة مجاهدي الجيش واللجان التي صدرت خلال الـ 5 سنوات تعتبر واحدة من أعقد التجارب العسكرية وأكثرها جدلية في العلم العسكري التقليدي والحديث واكثرها تميزا ؛ وقد حققت نجاحا غير مسبوق في كسر واحدة من اكبر الحروب الكونية (الاستعمارية) التي يقودها تحالف دولي يتكون من 20 دولة على رأسها امريكا وبريطانيا السعودية والامارات ،مغيرة قواعدة الاشتباك وموازين القوةرغم الفارق الكبير بين المعسكرين (قوات الجيش واللجان الشعبية  ) (وقوات تحالف العدوان )من حيث حجم التسليح والتكنولوجيا الحربية المتطورة والتفوق الجوي والقوات البشري الهائلة ، وكذلك حجم جغرافيا القتال الواسعة التي تتألف من 50 محور اشتباك في مناطق متفرقة بجنوب اليمن وجبهات الحدود مع السعودية ..

“الجيش واللجان الشعبية …وتوليفة القتال (والعناصر الهجينة) ”

لربما أن من أهم المظاهر العسكرية التي ظهرت في سلوك المجاهدين من الجيش واللجان الشعبية في المواجهة هو اعتمادهم على خليط من أنماط القتال ؛ فالتركيبة البنيوية التي ظهروا عليها لا توحي بأنهم يخوضون الحرب وفق تكتيكات حرب العصابات فقط؛ بل إن ذلك يتعدى إلى مظهر جديد من مظاهر القتال الذي أخذ سلوك حرب الجيوش النظامية وحرب العصابات في نمط جديد والذي سنحاول أن نستعرضه في هذا السياق مع الفوارق التكتيكية والاستراتيجية بينه وبين أشهر أنماط القتال المعروفة في المدارس العسكرية الحديثة والبدائية :-

والبداية اولا: الحرب النظامية (الكلاسيكية) وهي الحرب التي تكون نتيجة تصادم عسكري بين الجيوش النظامية لدولة وأخرى يكون مستوى أهدافها استراتيجية إلى حد كبير، فقد تكون إما لدوافع استعمارية أو لفرض توازنات قوى جديدة بين الدولتين، والشيء الأهم أنه يستخدم قي هذه الحرب شتى أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية واستراتيجيات نمط القوة الصارمة اما باسلحة تقليدية او نووية التي تخضع العدو وتحطنه عسكرياً كنموذج الحرب العالمية الاولى  الثانية والحرب العراقية الايرانية.

ثانياً: الحرب غير النظامية (حرب العصابات) وهي صنف آخر من أصناف الحروب الأكثر شهرة من بين جميع الانماط وذلك لأنها تعتمد على وسائل وقوات بشرية أقل وتعتمد أيضاً على مبادئ أساسية مغايرة لمبادئ الحرب النظامية، حيث يستخدم خلالها مجموعات أو فرق صغيرة منظمة من المقاتلين تعتمد على تكتيكات وأساليب وخطط عملياتية واستراتيجية قائمة على عوامل المواجهة الاستنزافية طويل الأمد ضد جيش نظامي ” تكون اهدافها متمحوره حول ارهاق جيش العدو واستنزافه بهجمات خاطفة واستباقية  وفق استراتيجية (اقتل بألف جرح ) ،،انا غايتها فهي تحاول تطويل امد الحرب بقصد تحقيق الصمود الناجح والمهارة القتالية بالتدريج والمرحلية وبناء قوى متعاظمة رغم تفوق العدو وجهوده المعاكسة والوصول بنتيجة الصمود الناجح وبناء القوة المتاعظمة إلى إنشاء قوة عسكرية او جيش نظامي يستطيع أن يواجه جيوش الخصم التقليدية في ميادين القتال ويكون باستطاعته أن يتغلب عليه . وبالنسبة لمراحلها فحرب العصابات لها ثلاثة مراحل اساسية وهي مرحلة الاستنزاف (الدفاع الاستراتيجي)و مرحلة التوازن الاستراتيجي ومرحلة الحسم (الهجوم الاستراتيجي).
عادة ما تخوض هذه الحروب المقاومات الشعبية ضد التدخلات الخارجية ومن نماذجها الحرب الكوبية والفيتنامية والمقاومة العراقية ضد الغزو الأمريكي بعد اجتياح عام 2003 .

ثالثاً: حرب التنظيمات الارهابية وحرب المافيا وحرب الجماعات الصغيرة، وهي أنماط حديثة لها فلسفتها في علم الحروب التي قد تشبه حرب العصابات إلى حد ما في أساليبها ومبادئها، ولكن هناك نقاط اختلاف جوهرية ومنها حجم الكم البشري والوسائل العسكرية وطبيعة الأهداف العملياتية المرسومة فحرب التنظيمات الارهابية قليلة جداً عدة وعديداً مقارنة بحرب العصابات، كما أن التكتيكات الحربية التي تعتمدها هذه التنظيمات والجماعات مرتكزة على إرهاب وإرباك العدو بعمليات هجومية مصغرة تلحق خسائر بقواته مع مرور الوقت، وفي طبيعة أهدافها فهي ذات أبعاد صغيرة لا تعتمد أهدافاً استراتيجية كبيرة كامتلاك القوة ووتحرير وبناء الدولة وفرض توازنات ردع مع قوات وامكانات الخصم. .

أما عن تجربة الجيش واللجان الشعبية فقد كانت عبارة عن توليفة جديدة تعتمد على مبادئ وتكتيكات جامعة تشمل بنود الحرب النظامية والحرب غير النظامية في وقت واحد، أي أنها تتصدى وتستنزف جيش العدو كما تفعله العصابات وتدافع وتهاجم وتحرر الأرض وتطحن قوات العدو المهاجمة وتضرب عمقه الاستراتيجي عبر أذرع نارية ضاربة كالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والمنظومات البحرية كما تفعله الجيوش النظامية. لذا فهذه التجربة الغنية بالفنون القتالية لا يمكن إلحاقها بأي مدرسة قتالية معروفة بل إن لها مدرستها الخاصة ومفاهيمها وتنظيمها الخاص في العلم العسكري الحديث .

سر نجاح هذه التجربة
ربما إن السؤال الذي حير الخبراء إلى اليوم هو سر قوة ونجاح تجربة المقاتل اليمني في كسر أكبر حرب كونية عرفها العالم، ونحن كباحثين ومحللين نرى بان الركيزة الأساس والأهم التي تقف خلف قوة ونجاح تجربة المقاتل اليمني (الجيش واللجان الشعبية) تكمن في العقيدة الإيمانية الراسخة والتي تولد العزيمة والإرادة للنصر، والاعتماد على الله تعالى في كل شيء باعتباره سبحانه وتعالى الناصر والمعين الذي لا نصر إلا من عنده، كذلك تحرك المجاهدين وفق توجيهات قيادة قرآنية شجاعة وحكيمة تستطيع أن تتخذ القرارات الاستراتيجية المتوازنة والمتوائمة مع ما تتطلبه مسارات المواجهة وما يقتضيه مسرح الصراع مع العدو في مختلف الظروف ومع جميع المتغيرات التي قد تحدث ايضا اعتمادها على مبادئ وتكتيكات قتال هجينة مبتكرة ومتميزة كما فعلته المقاومات الشعبية التحررية وكذلك في تجربو حزب الله في حرب تموز 2006  .

You might also like