عطوان .. قرار الجامعة العربيّة المُهين لم يَكُن إسقاطًا لمشروع وإنّما أيضًا لقِيادة ومنهج عمل ومرحلة طالت من الفشَل والوهم.. الرّد يجب أن يأتي حازمًا وسريعًا.. وهذه أبرز عناوينه .

إب نيوز ١٠ سبتمبر

عبد الباري عطوان :

قرار الجامعة العربيّة المُهين لم يَكُن إسقاطًا لمشروع وإنّما أيضًا لقِيادة ومنهج عمل ومرحلة طالت من الفشَل والوهم.. الرّد يجب أن يأتي حازمًا وسريعًا.. وهذه أبرز عناوينه

بعد اسقاط وزراء الخارجية العرب مشروع قرار فلسطيني يدين اتفاق السلام الاماراتي الإسرائيلي في اجتماع لمجلس جامعة الدول العربية، وبطريقة استفزازية غير مسبوقة، جاء غياب رد الفعل الرسمي الفلسطيني ليؤكد مجددا انهيار هيبة القضية الفلسطينية، والاستهتار المطلق بقيادتها وشعبها معا.

هذه الخطوة المهينة التي شهدتها أروقة الاجتماع الافتراضي لوزراء الخارجية العرب امس الأربعاء جاءت نتيجة مباشرة لخطأ، بل خطايا كارثية لسياسات منظمة التحرير طوال الربع قرن الماضي، وغياب التقييم الصحيح والمتعمق لقيادتها ومؤسساتها لتطورات الوضع الرسمي العربي، وعدم البحث عن السياسات المضادة التي تمنع الانحدار نحو التطبيع الرسمي العربي الإسرائيلي، وانحسار عدد الدول الداعمة للقضية الفلسطينية عربيا واسلاميا ودوليا.

لنعترف بأنه لا توجد مركز أبحاث ولا نبوك عقول، ولا مؤسسات ديمقراطية، وان وجدت جرى تقويضها، وزرع المنافقين فيها، وبات تغييب “الرأي الآخر”، وتحويل المؤسسات ومؤتمراتها الى مهرجانات تصفيق لسياسات وقيادات قادتنا الى هذا المستنقع العفن.

***

هذه الصفعة القوية التي وجهتها الجامعة العربية ووزراء خارجيتها للقيادة والشعب الفلسطيني معا يوم امس، يجب ان تكون “جرس ايقاظ” لهما، للانطلاق نحو تعيير جذري بطرق تعاطي مختلفة وعمل دبلوماسي ثوري مع هذه الأنظمة العربية المتواطئة، واجراء عملية فرز بين من يعمل لصالح هذه القضية المركزية الكبرى ومن يتعاون ويطبع مع اعدائها، وبطريقة مجانية، دون أي اعتبار لثوابت هذه الامة، وقدسية قضيتها، وغياب أي جدية في نصرتها، والانحدار الى سياسات دعم اعدائها.

نسأل: ماذا كان يفعل 22 سفيرا فلسطينيا في العواصم العربية، وما هي انجازاتهم، وماذا كانوا يكتبون في تقاريرهم، وهل كانوا يقومون بواجبهم، وما هو متوسط أعمارهم، وكم عدد العاملين معهم ونفقاتهم؟ فبعد كل ما حصل في اجتماع الجامعة الأخير من نكسات لماذا يبقى هؤلاء في مواقعهم، ولماذا نستمر في هذا “التكاذب” مع الدول المضيفة؟

جاريد كوشنر مهندس مرحلة الانهيار العربي وكل ما يتفرع عنها من مصائب كان مصيبا وهو يرقص طربا لنجاح مؤامراته التطبيعية، والتنبؤ بأن قرار الجامعة بعدم ادانة اتفاق التطبيع الاحدث، دليل على حدوث “تحول مهم” في منطقة الشرق الأوسط.. نعم انه تطور مهم جدا نحو تصفية القضية الفلسطينية وبيعها بالمجان.

هذا ليس وقت النواح واللطم، وبيانات الشجب والادانة، وتوجيه الانتقادات والشتائم للمطبعين، وانما وقت العمل، والتحرك المضاد، شعبيا ورسميا، لفرض معادلات جديدة على الأرض، واجراء مراجعات شاملة لكل السياسات والمواقف التي أوصلت القضية الفلسطينية الى هذه الهاوية السحيقة، ومحاسبة كل المسؤولين عن هذا الفشل من قبل الشعب الفلسطيني.

الجملة المكررة التي يتفنن المسؤولون الفلسطينيون في تكرارها، في كل المناسبات وتقول بضرورة التمسك بمبادرة السلام العربية يجب ان يتم حذفها من كل القواميس وعدم ذكرها لأن المبادرة كانت مؤامرة، وبداية السقوط، والخطوة الاولى والاهم لتشريع التطبيع، واعفاء الحكومات العربية من مسؤولياتها الأخلاقية والوطنية تجاه القضية الفلسطينية.

هذا الموقف المخجل والصادم من قبل الجامعة العربية ووزراء خارجيتها لم يسقط مشروع قرار للقيادة الفلسطينية، وانما اسقط هذه القيادة أيضا، واماط اللثام عن عجزها وضعفها، وكشف ضآلة حجمها ونفوذها في الوسط الرسمي العربي، ومن يقول بغير ذلك يتصرف مثل الذي يريد ان يغطي الشمس بغربال.

دولة الامارات العربية لن تكون آخر الطاعنين والمطبعين، واتفاق سلامها المجاني مع دولة الاحتلال هو قمة جبل الجليد، وعلينا ان نتوقع المزيد من الطعنات في الصدر والظهر والرأس، في الأيام والاسابيع المقبلة والطابور طويل.

الرد الفلسطيني الذي يجب ان يأتي قويا وفي اسرع وقت ممكن، وينطلق من رحم الاعتراف بأن القيادات الحالية انتهى عمرها الافتراضي، ولم تقد الشعب الفلسطيني وقضيته الا الى الكوارث والفساد، والاستسلام الكامل للعدو الإسرائيلي، والعيش على فتات صدقات ابرز داعميه الامريكان والأوروبيين والعرب، ولا بد من البحث عن قيادات شابة تتولى مسؤولية المرحلة القادمة، ابرز عناوين اجنداتها، الاعتماد على النفس، والتركيز على الشعوب العربية والإسلامية، والعودة الى الينابيع الثورية الأولى، فلم يحدث في تاريخ الثورات العالمية ان امتلك زعماؤها طائرات خاصة، وعاشوا في ترف ورفاهية مثلما هو الحال في فلسطين، ويجب علينا ان نسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية دون لف ودوران، فالسكين وصلت الى العظم.

حركة “الجهاد الإسلامي” كانت محقة تماما في المطالبة بإنسحاب فلسطين من الجامعة العربية، فلم يعد بشرف الشعب الفلسطيني العضوية في هذه الجامعة التي باعت نفسها لأمريكا وعملائها، وشرعت تدمير العراق وليبيا وسورية واليمن، والقضية الفلسطينية، اتركوها لهم، وبسرعة، قبل ان يصبح بنيامين نتنياهو امينها العام القادم.

***

من العار ان يتظاهر الأعداء الإسرائيليون بالآلاف للمطالبة بسقوط نتنياهو الذي حقق لدولة الاحتلال اعظم إنجازاتها في اختراق الامة العربية، وذبح القضية الفلسطينية، وضم القدس المحتلة وزرع 800 الف مستوطن في الضفة، بينما لا تشهد الأراضي المحتلة مظاهرة واحدة كبرى، بسبب قمع قوات الامن الفلسطينية وارهابها، احتجاجا على هذه الاهانات للقضية الفلسطينية.

نقول هذا الكلام للذين صدّعوا رؤوسنا بالمقاومة الشعبية وحدثونا، ويحدثونا، عن إنجازات وهمية لستر عوراتهم.

نعم.. يجب علينا ان نشكر الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، لأنه اسقط الاقنعة، وكشف الوجوه والحقائق الخيانية عارية امام اعيننا، وبما يجب ان يؤدي الى الخروج من دوائر الوهم، والعودة الى الطريق نفسها التي سارت عليها كل الشعوب المحتلة، وتقديم كل التضحيات اللازمة للوصول الى النصر، اما غير ذلك فهو طحن للماء، والكذب على النفس وخداعها

You might also like