عبدالباري عطوان : لماذا جاء خطاب بايدن باهتا ومحبطا؟ وهل خروج ترامب “منبوذا” من أبواب البيت الأبيض الخلفية نهائي؟

إب نيوز ٢٠ يناير

عبدالباري عطوان :

لماذا جاء خطاب بايدن باهتا ومحبطا؟ وهل خروج ترامب “منبوذا” من أبواب البيت الأبيض الخلفية نهائي؟ وماذا يقصد بتوعده العودة بطريقة او بأخرى؟ وهل سيكون حزبه “القومي العنصري” الجديد “حصان طروادة” لعودته؟ ولماذا فشل بجميع سياساته الا العربية منها؟ وكيف سيكون “تغيير النظام” والفوضى من نصيب “أمريكا أولا”؟

غادر دونالد ترامب البيت الأبيض “حردا” ومن الأبواب الخلفية دون ان يكون الى جانبه أي من مساعديه او وزرائه الخلص، متوجها الى منتجعه الخاص في فلوريدا، الامر الذي يعكس نهايته المأساوية في الوقت الراهن على الأقل، ومن غير المستبعد ان يواصل عمليات التدمير لحزبه، والولايات المتحدة وتعميق حالة الانقسام الحالية.

خطاب التنصيب الذي القاه جو بايدن في البيت الأبيض لم يكن باهتا فقط، وانما جاء انعكاسا حقيقا للازمة الامريكية، واعترافا بها، وحجم التحديات القادمة، وتوسلا لوحدة وطنية يتعمق شرخها، ومواجهة حربا أهلية تطل برأسها، ولكن التوسل ليس من خصال  القادة التاريخيين.

نهاية ترامب المفترضة، ستكون نهاية لعصر الكذب والاثارة والمغامرات السياسية، وفرض العقوبات، وتحريك حاملات الطائرات والغواصات، وبداية مرحلة “الترميم” المفترض لأمريكا منهارة غامضة المستقبل، ومهزوزة الهوية والسمعة، واكثر ضعفا من أي وقت مضى فاقدة الثقة داخليا وخارجيا.

ترامب فشل في تحقيق جميع وعوده للأمريكيين، وابرزها ان يعيد القوة لبلاده، وتفكيك القوة الصينية الصاعدة المنافسة، مثلما فشل في تغيير النظام الإيراني، ونزع الأسلحة والأنظمة الصاروخية الجبارة للنظام الكوري الشمالي، والشيء الأبرز الذي نجح فيه هو اذلال العرب وسوقهم كالقطيع الى مصيدة التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ونهب مليارات الدولارات من خزائنهم، ولكن هذا لا يعني ان وعود بايدن بمكافحة العنصرية، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتجسر هوة الانقسامات، واستعادة الزعامة العالمية افضل حالا.

***

السنوات الأربع من عمر إدارة ترامب في السلطة كانت الاخطر بالنسبة الى “الإمبراطورية” الامريكية، وربما تكون نهايتها نقطة البداية لانهيارها، بصورة اسرع مما يتصوره الكثيرون، فانهيار الامبراطوريات العظمى في التاريخ بدأ من هزائم الداخل التي مهدت لهزائم الخارج، ولن يستطيع بايدن العجوز الهرم الذي يقف على عتبة الثمانين الوقوف في وجه هذا الانهيار، ناهيك عن منعه.

يخطئ الكثيرون عندما يحاولون التقليل من بذور الانهيار التي بذرها الرئيس ترامب في البيئة الامريكية طوال فترة حكمه، بقصد او بدون قصد، وعندما يقول في تصريحه المقتضب الذي اطلقه وهو يصعد على سلم الطائرة الرئاسية التي نقلته للمرة الأخيرة من باحة البيت الأبيض الى “المجهول”، انه سيعود الى السلطة بطريقة او بأخرى، فانه يرسم ملامح خريطة طريق، سواء حظيت هذه الخريطة بالنجاح او الفشل، وفي الحالين قد تكون نتائجها مدمرة لأمريكا التي نعرفها، واغراقها في نزيفين: احدهما دموي، والآخر مادي اقتصادي.

ترامب يريد تأسيس حزبا قوميا جديدا يقوم على “فوقية” العرق الأبيض، وكراهية الأجانب، واحياء تراث اجداد العنصريين الأوائل الذين غزو أمريكا و”طهروها” من سكانها الأصليين، أرضية هذا الحزب 74 مليونا من الناخبين اعطوه أصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ويمثلون 70 بالمئة من الجمهوريين.

الانجازات التي يتحدث عنها ترامب بفخر هي احياء العنصرية البيضاء في أوساط الريفيين المهمشين الذين نصب نفسه متحدثا باسمهم، متبنيا لمطالبهم، منتصرا لمظالمهم، تماما مثلما فعل هيتلر في المانيا، وموسيليني في إيطاليا، وأخيرا منظري “البريكست” في بريطانيا حلفاء ترامب في القارة الأوروبية.

ان نسرد هذه المخاوف، ونسلط الضوء على مخاطرها، لا يعني اننا نتنبأ بنجاحها او فشلها، وانما محاولة لرسم صورة أولية تقريبية لما يمكن ان يحدث في الشهور والسنوات المقبلة لدولة هيمنت على مقدرات العالم لما يقرب من أربعين عاما، وكانت الوريث الأسوأ للاستعمار الأوروبي.

***

ترامب الآن سيتقمص دور “الشهيد” وسيجد الولاء من عشرات الملايين من أنصاره الذين يشكلون قنبلة موقوته في الجسم الأمريكي تنتظر شرارة التفجير في أي لحظة.

ترامب يتباهى بأنه لم يخض أي حرب في سنواته الأربع في البيت الأبيض، وهذا صحيح، لأنه كان جبانا وعاجزا عن الاقدام على هذه الخطوة ضد الصين وكوريا الشمالية وايران، ولم يستأسد الا على القادة العرب الضعفاء لسبب بسيط يعود الى ادراكه انه لن يكسب هذه الحروب، وحتى لو كسبها فانه انتصار اضخم ثمنا واكثر كلفة من الخسارة.

امريكا بايدن تقف حاليا على حافة الانهيار ومن ثم الفوضى والتغيير، وليس أنظمة الشرقين الأقصى والاوسط التي توعدها ترامب وحلفائه الإسرائيليين بالتغيير.. وعجلة هذا التغيير بدأت اليوم في الدوران في مراسم الاحتفال بنقل السلطة في باحة البيت الأبيض.. والأيام بيننا.

You might also like