العجوز الخبيثة واليمن .

 

إب نيوز ٩ ديسمبر

عبدالملك سام

انقلبت المقاييس في العالم مع إنتشار حمى الثورات ، وكان لزاما على الدولة الاستعمارية الأولى – حينها – أن تنسحب لتفكر بهدوء في كيفية إعادة تموضعها ، خاصة مع ظهور أمريكا في الساحة ، وعلى العكس من بريطانيا كانت أمريكا لا تنتهج الأسلوب الاستعماري الأنجليزي العنيف ، بل كانت تركز على دعم طبقة الحكام وربط مصالحهم بها لتجبرهم لاحقا على تنفيذ مخططاتها ، في حين أنها أستخدمت الألة الدعائية الضخمة التي انشأتها لتداعب أحلام الشعوب بالحرية والديموقراطية . كان الجشع الأمريكي بلا حدود ، خاصة مع تحقيق نتائج فاقت المتوقع ، وباتت بريطانيا في حينه في موقف لا تحسد عليه ، وأمن الجميع أنها تقتفي خطى الأمبراطورية العثمانية الراحلة .

قررت بريطانيا حينها أن تتبع أسلوبا جديدا ألا وهو زراعة كيانات تدين لها بالولاء في المناطق التي تريد أن تظل تحت سيطرتها ، وأنشأت كيان صهيوني في الشمال (إسرائيل) ، وآخر أصولي في الجنوب (السعودية) ، وقبلت على مضض أن تؤدي دور التابع المطيع حتى لا تخسر كل شيء ، فأمريكا سعت لأستقطاب هذين الكيانين الناشئين وأستوعبت كل أطماعهما ، لذلك كان لزاما على الأمبراطورية العجوز أن تبدي مرونة أكبر وتقبل بحصة صغيرة في كعكة النفط التي ظهرت بشكل أكبر في المنطقة العربية ذات الموقع الاستراتيجي المهم .

اليوم تدور الدائرة من جديد ، وهاهي أمريكا تجد نفسها تواجه تحالفا أسلاميا مقاوما يهدد هيمنتها وأطماعها ، بالإضافة إلى ما تواجهه من صعوبة للأحتفاظ بموقعها كقطب أوحد للهيمنة عالميا مع ازدياد مشاكلها الأقتصادية وظهور دول أقليمية منافسة ، وما زاد الطين بلة هو ما تواجهه الأنظمة العميلة التي تدور في فلكها من مشاكل أقتصادية صعبة أدت لنقص ما تجبيه أمريكا من هذه الأنظمة التي استنزفت ثروات شعوبها الكبيرة لعقود .. هذه المتغيرات شجعت بريطانيا على أن تفكر مجددا بالعودة علها ترد بعضا مما خسرته في الماضي ، وهذا طبعا مع الإبقاء على علاقة تحالف أستراتيجي مع أمريكا حتى لا يخسر الطرفان كل شيء .

أمريكا قررت أن تفسح المجال أكثر لأطماع حليفتها الصهيونية اللحوحة ، وهذا ما ظهر جليا من خلال حفلات التطبيع المتسارعة في المنطقة ، والتي وجدت الأنظمة العميلة في هذا التطبيع فرصة للحفاظ على دعم أمريكا هروبا من تغيرات داخلية متزايدة مع ازدياد نقمة الشعوب من أنظمتها وأزدياد شعبية محور المقاومة الذي قدم حلولا منطقية لأزمات المنطقة المزمنة . وها نحن نرى بريطانيا تمارس ذات الدور الذي لعبته أمريكا في الماضي ، ومن خلال تقديم نفسها كوسيط في أزمات سببتها أمريكا ، ومن جهة أخرى تحافظ بريطانيا على أستمرار الحروب المشتعلة ومحاولة زيادة نفوذها العسكري بشكل هادئ ومستمر خوفا من أن تصل نقمة الشعوب ونقمة الحليف الأمريكي إليها فتفقد كل شيء .

العين البريطانية متجهة لليمن ، وهاهي تمارس ذات الدور الأمريكي في الماضي ، وشيئا فشيئا تظهر بعض التغيرات التي تدور خلف الكواليس وحقيقة التوجه الأستعماري البريطاني الذي يحاول أن يحقق المكاسب على حساب الولايات المتحدة الأمريكية ، فالكل بات يعرف حقيقة وجود قوات بريطانية في الجنوب خاصة في بلحاف ومطار الغيظة ومناطق أخرى ، وكلنا شاهدنا الدور الخبيث الذي لعبته بريطانيا في العراق وتحاول أن تطبقه في اليمن ، فالمناطق التي سيطرت عليها كانت بردا وسلاما على قواتها ، في حين تشهد هذه المناطق أعنف المعارك الدموية بين أبناء تلك المناطق !

أذا فهي سياسة “فرق تسد” من جديد ؟! وما التحركات الأخيرة لبريطانيا في المهرة ألا أستعراض جديد للدهاء البريطاني بعد عجز سعودي أمريكي على إخضاع أبناء هذه المحافظة الأحرار ، والأيام القادمة ستظهر بشكل أكبر خطورة الدور البريطاني الشيطاني الذي تحاول من خلاله العودة إلى جنوب اليمن ، وكشعب يمني مستهدف يجب أن نتحلى جميعا بالوعي واليقظة ، وأن نرص الصفوف في مواجهة هذه المحاولات القذرة ، وليكن لنا في الماضي وما يحدث في دول اخرى عبرة ، فالأستعمار لا يمكن ان يأتي بالخير لأبناء أي بلد مهما حاول أن يظهر غير ما يضمر ، ولنتذكر أن الأباء عانوا الويلات من هؤلاء المجرمين ، ولن تتوقف المعاناة ألا بطرد هؤلاء من كل شبر من أرضنا .

You might also like