حزبُ الله… حينَ صارَ أُمّةً ارتفعَ الوعدُ من جنوبِ لبنان إلى جبالِ اليمنِ: نحوَ القدسِ سَيرُ الأحرارِ.

إب نيوز ٢٠ إبريل.

 

عدنان عبدالله الجنيد:

لم يكنْ حزبُ اللهِ يومًا تنظيمًا اعتياديًّا يَقبعُ في زاويةِ الجغرافيا، أو كيانًا سياسيًّا يمارسُ طقوسَ الحذرِ بينَ دهاليزِ السلطةِ والقرار، بل هو – مذ كان – نفحةٌ ربّانيّةٌ خرجتْ من رحمِ المظلوميّةِ، فتجلّى بها وجهُ الكرامةِ، واستولدَتْ رجالًا لا يُشبهونَ إلّا أنفسَهم، من معدنِ الجهاد صُنعوا، ومن فقهِ الدمِ نطقوا، ومن يقينِ النصرِ وُلدوا!

بدون وهن وضعف واستكانه وكانوا ربيون هذا الزمن!

كانت البداياتُ مع الشهيد الإمامِ موسى الصدر،رضوان الله عليه ،الرجلِ الذي أنطقَ الجنوبَ بعد طولِ خرسٍ، وأيقظَ في الوجدانِ الشيعيِّ وجعَ الكرامةِ المهدورةِ، فربطَ بينَ الهويةِ الإيمانيةِ والقضيةِ الوطنيةِ، وأطلقَ “أفواجَ المقاومةِ اللبنانية – أمل”، فكانت بذرةً في صخرِ الاحتلالِ، وشرارةً أولى في ليلِ التواطؤِ العربيّ الطويل!

ثم جاءَ السيدُ الشهيد عباسُ الموسوي،رضوان الله عليه ،المجاهد المقاتلُ، والعارفُ الشهيدُ، فحملَ المشعلَ من يدي الصدرِ، وفتحَ بواباتِ الجهادِ على مصراعيها، فحوّلَ “حزبَ الله” من جماعةٍ ناشئةٍ إلى مدرسةٍ جهادية تؤمنُ أنّ الشهادةَ هي أولُ الطريقِ لا نهايته! ومن محرابِ الدمعِ صاغَ البندقيّة، وبالدمِ كتبَ عهدَ المقاومةِ، حتى ارتقى شهيدًا، فصارَ استشهادُهُ عنوانًا على قبابِ المجدِ وعناوينِ الخلود!

ولم يَكُ الغرسُ يومًا بلا ماء، فجاء الشيخُ الشهيد راغبُ حرب،رضوان الله عليه ،الذي جعلَ من الموقفِ سلاحًا، ومن الكلمةِ حدًّا للسكينِ، فقالها في وجهِ الزمنِ الساقط: “الموقفُ سلاحٌ، والمصافحةُ اعتراف”، فرفضَ أن يُصافحَ، فصافحَ الشهادةَ، ودوّى دمه في طرقاتِ الجنوبِ فصيحًا، صلبًا، شامخًا كجبالِ عامل!

ثم أطلّ الحاجُّ القائد الشهيد عماد مغنية،رضوان الله عليه ،رجلُ الظلِّ والنار، وأسطورةُ الحروبِ الغامضةِ، الذي دوّخَ تلّ أبيبَ في عقرِ تلّها، فكان المهندسَ الأكبرَ للعملياتِ النوعيةِ، والعقلَ المدبّرَ للحربِ غيرِ المتكافئةِ، وأسطورةً تَسرّبتْ تفاصيلُهُ إلى نومِ الجنرالاتِ في “تل أبيب”! لقد أصبحَ عمادُ مغنية فعلًا أعجزَ اللغةَ عن وصفِه، وأربكَ المؤسسةَ العسكريةَ الإسرائيليةَ حينَ أرادتْ أن تُصنّفه!

كلُّ هؤلاءِ الشهداءِ العظام، مع كوكبةٍ من القادةِ والأبطالِ، كانوا اللبناتِ الأولى في معمارِ الأمةِ القادمةِ من خلفِ الغيبِ، حتى ارتفعتْ القامةُ، وظهرَ على الكوكب قائدُ العصرِ ومُلهمُ المقاومةِ:

الشهيد الأقدس السيدُ حسن نصر الله،رضوان الله عليه ،الرجلُ الذي أعادَ تعريفَ النصرِ في زمنِ الهزيمةِ، واستلمَ الرايةَ من دماءِ الموسوي، فبناها درب، وسلاحًا، وتحالفاتٍ، وإعلامًا، وثقافةً تُدرَّسُ للأجيال!

هو الذي لم يكتفِ بالردِّ على الاعتداء، بل أدارَ المعركةَ على مستوى الإقليم، فصار حزبُ الله مشروعَ أُمّةٍ لا فصيلًا، ومحورًَا لا حزبًا، ورايةً تتسعُ لكلِّ المقاومين، لا رايةً حزبيةً تقتصرُ على فئةٍ أو مذهب!

لقد تحقّقَ في هذا الحزبِ قولهُ تعالى:

{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}

فصار الحزبُ أمّةً، والفكرةُ نهجًا، والنهجُ نظامًا، والنظامُ كرامةً لا تهون، وسلاحًا لا يُسلَّم، ومقاومةً لا تَنثني!

ولم يكن هذا السلاحُ عبثًا أو مغامرةً، بل كان كما وصفه الشيخ نعيم قاسم بعبارته المدوية:

“سلاحُ حزبِ الله هو سلاحُ الأمة، ليس عبئًا على الدولة، بل صمّام أمانها!”

فأصبحَ السلاحُ هويةً لا يُساوَمُ عليها، وسقفًا لا يُمسّ، وميزانًا يُعرَفُ به المؤمنون من المستسلمين!

وفي ميدانِ الإعلامِ، وُلدت ملحمةٌ أخرى… كان الشهيد محمد عفيف، رضوان الله عليه– قبل شهادته الرمزية – طليعةَ الصوتِ المقاومِ، الذي حوّلَ الصورةَ إلى رصاصةٍ، والكلمةَ إلى متراس، والمعلومةَ إلى خندقٍ يُقاتَلُ به، فكان الإعلامُ المقاومُ جزءًا لا يتجزأ من جبهةِ المواجهة!

ولم تكتملْ هذه الصورةُ الفريدةُ، حتى انفتحَ المحورُ شرقًا، فهبّتْ رياحُ النصرِ من صنعاء، وارتفعت راياتُ أنصار الله في سماءِ المعركةِ الكبرى، ليكتملَ الهلالُ الذي كان ناقصًا، ويستقيمَ دربُ القدسِ بأقدامِ اليمنيين!

نعم، دخلَت صنعاء التاريخَ، حينَ نطقَ سيّدها القائدُ القرآنيُّ عبد الملك بدر الدين الحوثي يحفظه الله ،بكلمةٍ ستُحفرُ في صخرِ الزمن:

“سأصلّي نيابةً عن السيّد حسن نصر الله في القدس!”

تلك ليستْ جملةً عابرةً، بل عهدًا بين سيوفِ الميدان، ووعدًا من جبالِ صعدةَ، من شعبِ الإيمانِ والحكمةِ، من اليمنِ الذي ما تخلّى يومًا، ولا لانَ، ولا خضع!

هنا فقط، فَهِمَ العالمُ لماذا يُحبُّ السيدُ نصر الله اليمنَ إلى حدِّ التجلّي!

 ليس عاطفةً، بل وعيًا سياسيًا وإيمانيًا بأنّ اليمنَ هو الركنُ الذي طالما افتقدتْه الأمة، فها هو اليومَ يسندُ الظهرَ، ويشحذُ العزيمةَ، ويُعلنُ أنّ السيفَ المُنتظرَ قد شُحذَ في جبالِ مرّان!

ومن طهران المرجعية، إلى بيروت الوعد، إلى بغداد النهوض، إلى صنعاء الوفاء… تكاملَ المحورُ، وارتفعت رايةُ “القدسِ هي المحور”، وها هو التاريخُ يكتُبُ من جديدٍ حروفَ النصرِ بمدادِ دماءِ الشهداءِ!

وما نراهُ اليومَ في فلسطين من صمودٍ أسطوريٍّ وتحدٍّ إعجازيٍّ، إنما هو من ثمارِ هذا المحورِ، ومن فيضِ دعمِ حزب الله الذي رفعَ المجاهدينَ من حجارةِ الانتفاضةِ إلى صواريخِ الردعِ والكرامة، وفتحَ لهم أبوابَ الجمهوريةِ الإسلاميةِ، تدريبًا وتخطيطًا وتصنيعًا، حتى صاروا اليومَ كابوسًا يُلاحقُ القادةَ الصهاينة، ويُذلّ القبةَ الحديديةَ صباحَ مساء!

وما كان لهذا أن يكتملَ، لولا تلك الحاضنة الشعبية الفلسطينية التي آمنت بالمقاومةِ، واحتضنت أبناءها، وصمدتْ مع المجاهدينَ في الميدانِ، فكانت سرَّ الانبعاثِ والانتصارِ في زمنِ الاستكبارِ!

ختامًا…

حزبُ الله لم يعدْ مجرّدَ مقاومةٍ، بل صار أُمّةً، والأُممُ لا تُهزم!

وصلاةُ السيّد في القدس لم تعُد وعدًا… بل موعدًا.

وسنُصلّي، نعم، سنُصلّي جميعًا تحت رايةٍ واحدة:

لا إلهَ إلا الله، محمدٌ رسولُ الله، والموتُ لأمريكا، والموتُ لإسرائيل،واللعنة على اليهود ،والنصر للإسلام.

You might also like