جاهليّةُ العصرِ… وبيتُ اللهِ الحرام بينَ العروشِ المهزومةِ وجِزيةِ الطغيان!
إب نيوز ١٩ مايو
عدنان عبدالله الجنيد.
في زمنٍ تُزخرفُ فيه الأكاذيبُ، وتُلبسُ الفتنةُ تاجَ الحداثة، تكشَّفت الحقيقةُ البشعة:
جاهليّةٌ أمريكيةٌ معاصرة، تضع على رأسها “التكنولوجيا”، وتخفي تحت عباءتها “الاستعمار”، يهلل لها حكّامُ الرمال، ويُشرعنها فقهاءُ البترودولار!
يا أمةَ الإسلام…
لقد عاد “أبرهة” من واشنطن، ولكن دون فيل، عاد بطائرات “البوينغ”، تحمله جيوشٌ عربية، وتستقبله عروشٌ مهزومة، وتفرشُ له مكةُ سجادَ الطاعة!
ليست هذه حضارةً، بل إفكٌ يرتدي عباءةَ الدبلوماسية.
وليست سياسةً، بل عبوديةٌ علنية.
وليست شراكةً، بل جزيةٌ تُدفع لأعتى طغاة الأرض باسم الحماية الكاذبة!
دخل ترامب الخليج دخولَ القياصرة، لا كضيفٍ بل كفاتح، فانحنى له الملوك، وسجدت له العروش، وفتحوا له بيتَ الله… لا ليصلّي، بل ليُسعّر الحجّ كما تُسعَّر البضائع في سوق النخاسة.
460 مليار دولار دُفِعت له صاغرين، منها 110 مليارات صفقةُ سلاحٍ فورية، والباقي استثماراتٌ كاذبة وهدايا الذلّ.
قالها علنًا: “السعودية بقرةٌ حلوب”
فضحك الملوك، وسكت العلماء، وصفّق الإعلام!
ثم جاءت الإماراتُ وقطر تمشيان على خطى الانبطاح، فدفعتا الجزيةَ في صمتٍ مُخزٍ، ليس لحمايةِ شعوبهما، بل لشراء الرضا الأمريكي بثمنِ السيادة والكرامة!
الإمارات التي هرولت إلى أحضان تل أبيب، وفتحت أبواب الخليج للعدوّ الصهيوني، وقدّمت المال والولاء في صفقةٍ لعينة تجهض فلسطين وتغدر بغزة!
وقطر التي ظنّت أنّ قاعدة “العديد” ستحميها من ألسنة الحريق، فدفعت ما فُرض عليها تحت الطاولة، وتوهّمت أن المنابر تغطّي خيانة الجيوب!
أين الكرامة؟
كيف صار بيتُ اللهِ خاضعًا لحماية البنتاغون؟
كيف تُمنع صرخة “الموت لأمريكا” في مكة، وتُرفع راية النجمة الصهيونية في فنادق جدة والرياض؟
كيف تُحظر شعاراتُ الحرية، وتُكرّم خطب الخنوع والخضوع؟!
وما إن امتدت رحلةُ “أبرهة العصر” نحو بلاد الرافدين، حتى انحنى له من يُفترض أنه ابنُ الأمة، فكانت الطامة!
أحمد الشرع الجولاني، ذلك الذي خرج من عباءة الخنادق إلى عتبات العروش، انحنى أمام ترامب في القمّةِ التي عُقدت في السعودية، لا باسم الثورة، بل باسم الخنوع، في مشهدٍ مسموم سجّلت فيه عدسات الخزي تاريخًا من الانبطاح!
وفي العراق، حيث تأنّ الأرض من الحصار والدم، انعقدت قمةٌ عميقة، لا يُعرف عمقها إلا في مدى تواطؤها مع واشنطن، فصار العراق الذي أنجب الحسين ونبوخذ نصّر وصلاح الدين، منصّةً للتنسيق مع العدو لا لمواجهته، وموطئًا للأحذية الأمريكية لا لمواكب السيادة!
العراق ليس فندقًا للتصريحات الأمريكية،
ولا ساحةً لركوع العملاء.
العراق هو الأرض التي رفضت الذلّ على نعل الحسين، فكيف يُختزل اليوم في صورةٍ منحنيّةٍ أمام من قتل أطفال الفلوجة والنجف والموصل؟!
وأمّا مكةُ…
فيا وجعَ القلوب!
كانت قِبلة الثائرين، فصارت مزارًا للمطبعين.
كان يُهتف فيها بـ “لبيك اللهم لبيك”، فأصبحت تُصفّق فيها آلاتُ اللهو وصفقات التطبيع!
آل سعود لم يعودوا خدّام الحرمين، بل خدّام البيت الأبيض.
رفعوا راية النجمة الصهيونية، وأسقطوا راية “لا إله إلا الله”.
باعوا الكعبة، وطافوا حول جزمة البيت الأبيض، لا حول البيت الحرام!
أيها العرب، يا أحرار الأمة…
بيتُ اللهِ أسير،
العراقُ مقيد،
غزةُ تحترق،
والجزية تُدفع،
والجاهلية تُعلن خلافتها من بوابة النفط وفتاوى السلاطين!
أما آن لكم أن تثوروا؟
أما آن لصوت الحسين أن يعلو فوق الدولار؟
أما آن للعراق أن يستعيد مجده، ومكة أن تطرد الغزاة؟
أما آن لدماء أطفال غزة أن تُشعل فجرًا جديدًا، يُسقط الجاهلية، ويقيم دولة العدالة على أنقاض الطغيان؟!
هذا زمانُ الطوفان… فكونوا نوحَ المقاومة، لا غارقين في صمت الذل!
هذا بيتُ الله، لا بيتُ آل سعود!
وهذه الأمة، لا تزال قادرة على كسر القيود… إن قررت أن تصرخ: ضد الطغيان
… أقلُّ ما كان يُمكن فعله، بل أقلُّ ما يُنتظرُ من رجلٍ يُسلِّمُ مئاتِ الملياراتِ لأمريكا، أن يقول لها: “ارفعوا الحصارَ عن غزة!”
لكنه لم يفعل، لم يطلب، لم يساوم، لم يفاوض… بل سلَّم المالَ والسيادة، وباع القضايا في سوق النخاسة، ولم ينبس بكلمةٍ عن أطفال غزة الذين يذبحهم الصهاينة بالسلاح الذي اشترته أمواله!
فيا من باع الدينَ بالعروش، ويا من ظنَّ أن الركوعَ يُقرّبه من القوة، تذكّروا قول الله تعالى:﴿وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُۥٓ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ يُجَـٰهِدُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِمٍ﴾
[المائدة: 54]
سيأتي اللهُ بقومٍ لا يسجدون للدولار، ولا يبيعون الأقصى، ولا يُدفعون كالبهائم إلى مؤتمرات الذلّ.
سيأتي برجالٍ من طين المقاومة، لا من وحل البترودولار.
برجالٍ شعارهم: “هيهات منّا الذلة”، وطريقهم يبدأ من غزة، ويمرّ بـ بغداد وصنعاء وبيروت وطهران، ليبلغ القدس فاتحين لا تابعين، أحرارًا لا عبيدًا!