حرب الاستنزاف اليمنية: ضربات موجعة في عمق الإقتصاد الصهيوني
إب نيوز ٢١ مايو
فهد شاكر أبوراس
في مشهدٍ لم تعهده المنطقةُ العربيةُ منذ عقود، يخطو اليمنُ خطواتٍ ثابتةً نحو تحطيمِ جدارِ الهيبةِ الإسرائيلية، عبر حربٍ غيرِ تقليديةٍ تدمجُ بين البراعةِ العسكريةِ والحِسِّ الإستراتيجيِّ العميق.
لقد تحول استهداف اليمن المستمر لموانئ الكيان الصهيوني إلى سلسلةٍ متصاعدةٍ من الضرباتِ المُمنهجةِ والتي تطالُ شرايينَ اقتصادِ الكيان وجيشِه وأمنه الداخلي والقومي والنفسي، في سرديةٍ تثبتُ أنَّ المقاومةَ قادرةٌ على اختراقِ كلِّ الحسابات.
فمنذُ أنْ أغلق اليمنُ بابَ المندب والبحرين الأحمر والعربي أمامَ سفنِ الكيان المُتجهةِ إلى ميناء أم الرشراش كخطوة أولية، بدأ الكيان يدركُ أنَّه أمامَ نموذجٍ جديدٍ من الحروبِ لا تعرفه جيوشه المدججةُ بأحدثِ الأسلحة والعتاد.
فالحظرُ اليمني على سفن الكيان لم يكنْ فقط مجردَ منعٍ لسفينةٍ أو شحنة تجارية، بل كانَ رسالةً واضحةً بأنَّ اليمنَ قادر على تحويلِ البحرين الأحمر والعربي والأبيض المتوسط إلى سجنٍ يُخنقُ حركةَ الكيانِ التجارية والدبلوماسية.
لكنَّ الضربةَ الأكثرَ إيلامًا جاءتْ عندما توسَّعَ هذا الحظرُ ليشملَ ميناءَ الكيان الأكبر “حيفا”، وهذا الحظر سوف يقضي على إقتصاد الكيان ونافذتَهُ الرئيسيةَ نحوَ العالم، وهنا لم تعدِ القضيةُ متعلقةً بشحناتٍ تجاريةٍ فحسب، بل بتهديدِ وجودِ الكيانِ نفسه كدولةٍ تعتمدُ على انفتاحِ موانئها لضمانِ بقائها.
ولم تكتفِ صنعاءُ بشلِّ الحركةِ البحرية للكيان الصهيوني فقط، بل حوَّلتْ سماءَ الكيانِ إلى جبهةٍ مفتوحة، فبعدَ استهدافِ مطارٍ “اللد” المسمى إسرائيلياً “بن غوريون”، سقطتْ ورقةُ التوتِ الأخيرةُ عنْ هيبةِ “القبةِ الحديدية”، ليتحوّلَ المطارُ بعدها إلى أيقونةٍ للخوفِ في عقولِ المسافرينَ والشركاتِ الدولية، وحتى أن الإعلانُ مؤخراً عن عدمِ أمان جميع مطاراتِ الكيان الصهيوني لم يكنْ صدمةً للكيان وحدَه، بل كان صدمة للغربِ الذي ظلَّ لعقودٍ يروِّجُ لأسطورةِ المنظومةِ الأمنيةِ التي لا تُقهر.
إن وراءَ هذهِ الضرباتِ المُتتاليةِ تكمنُ استراتيجيةٌ يمنيةٌ ذكيةٌ تقومُ على فهمٍ عميقٍ لِـ “نقاطِ الانهيار” في جسدِ الكيان، فاليَمن الذي يعاني منْ حصارٍ ظالم، عرف كيفَ يحويلُ ذلك الحصارِ إلى سلاح، فهو لمْ يستهدفْ إسرائيل كجيش، بل ككيانٍ هشٍّ يعتمدُ على صورةِ القوةِ لترهيبِ خصومِه.
إن الخسائرُ الاقتصادِية الناتجةُ عنْ تعطيلِ الموانئ، وارتفاعُ تكاليفِ التأمينِ على السفنِ والطائرات، وفقدانُ الثقةِ الدوليةِ بسلامةِ التعاملِ معَ الكيان، كلُّها عواملُ تُهدمُ أسسَ وجودِ هذا الكيان أسرعَ من أيِّ معركةٍ دموية.
الحقيقة هي إن الحربُ اليمنيةُ ضد الكيان الصهيوني أعادت تعريفَ مفهومِ “الردع” في الصراعِ العربي الإسرائيلي، فبينما تقفُ الأنظمةُ العربيةُ حبيسةَ الترددِ والخوفِ منْ غضبِ الغرب، يثبتُ اليمن أنَّ المواجهةَ معه ممكنةٌ حتى بأدواتٍ بسيطةٍ إذا وُظِّفتْ بذكاء.
كما أن الضرباتُ اليمنيةُ ليستْ موجَّهةً ضدَّ الكيان الصهيوني فقط، بل ضدَّ ثقافةِ العجزِ العربي والتي زرعَها الكيان في وجدانهم لعقود.
إن استهدافُ اليمن للموانئِ والمطاراتِ في فلسطين المحتلة في جوهرِه هو استهدافٌ لشرعيةِ الكيان الصهيوني نفسِه، وإثباتٌ أنَّه ليسَ إلا “كيان مؤقت” قائم على سياسة القمعِ والدعمِ الخارجيّ.
وأمّا الغربُ الكافر، والذي ظلَّ يُغطّي جرائمَ هذا الكيان المجرم بستارِ “الحقِّ في الدفاعِ عن النفس”، هاهوَ اليومَ يُناقشُ علنًا مخاطرَ تحوُّلِ اليمنِ إلى قوةٍ إقليميةٍ قادرةٍ على إرباكِ مصالحه، وتلك اعترافاتُ عن مسؤوليهِ بفشلِ المنظوماتِ الدفاعيةِ للكيان في مواجهةِ الصواريخِ اليمنيةِ.
في الختام، اليمن اليوم يكتبُ فصلًا جديدًا من فصولِ المقاومةِ العربية. فصلٌ لا يعتمدُ على عددِ الدباباتِ أو حجمِ الميزانيات، بل على إرادةِ شعبٍ قرّرَ أنْ يحوِّلَ ألمَه إلى سيف، وأنْ يُعيدَ للعربِ ثقتَهم بقدرتِهم على المواجهة.
نعم إنَّها معركةُ اليمنِ ضدَّ الكيان، ولكنَّ صدى انتصاراتِها سيبقى يُلهمُ كلَّ مظلومٍ في هذهِ المنطقة: “أن الشعوبُ التي تُقاتلُ بإيمانٍ لا تُهزم”.