أنتم خصومنا أمام الله
إب نيوز 23 يوليو
دينا الرميمة
ثمة مقامات نقف عاجزين عن الحديث عنها ونترك أمامها العنان لدمع العين حتى تعبر عن مايختلج الصدور من وجع يصعب كتابته وتوصيفه ،
وغزة لطالما أعجزتنا أمام أقلامنا لتوصيف مأساتها، وليس تقصيرا منا حين نكف عن الكتابة عنها، وعن صمود ابنائها وشجاعة واستبسال مقاومتها، وكثيرا مانؤنب أنفسنا خشية أن نكون قصرنا في حقها فنكون بذلك بعداد المتواطئون والصامتون عن مأساتها بل أن أهل غزة يفوزون بالشهادة ونحن نعاقب بالمشاهدة،
فنُهم بكل جدية عند كل حدث وكل قطرة دم إلى محفظة كلماتنا المركونة في زوايا أدمغتنا ونكتب مااستطعنا علنا نكسر حاجز الصمت الذي قابل به العالم غزة الجريحة!!
غزة التي كان الصمت والخذلان عن مايرتكبه الصــهاينة بحقها سلاحا أخر يقتل أهلها بشكل أبشع من السلاح العسكري وكان هو السبب في الحالة التي وصلت إليها اليوم، حد استخدام الجوع سلاح يُخير به شعبها بين الموت أو التهجير والتضحية بكرامتهم وأرضهم وتأريخهم،
وأي مأساة أعظم من أن يجد الانسان نفسه مضطرا لأن يبكي جوعه وعجزه عن إطعام أطفاله أمام عدسة الكاميرا!! والأبشع أن يشعر أن دموعه لا تجد لها مواسيا أو قلبا رحيما ويدا حانية تكفكفها، هناك فقط نجد الرجال تبكي قهر الخذلان لمعاناتهم ونعوذ بالله من قهر الرجال الذي تعوذ منه نبينا الكريم، في غزة وحدها يقف الصحفي ينقل المأساة منهكا وبطنه خاوية صوت قرقرتها يبلغ المايك الذي بيده فتخذله دموعه ويحتار ايشكي ماحوله أم يتحدث عن حاله الذي لايختلف حال عن كل من في غزة وقد اصبحوا نحيلون مخذلون عيونهم مدمعة صوتهم يبكي وصمتهم يصرخ وحتى عتابهم فيه بلاغة غريبة في بقعة من الأرض اصبحت الحياة فيها متوقفة دونا عن بقية العالم،
جاعوا وفي أرض امتهم نيل ورافدين ونخل وزيتون، جاعوا وامتهم أمة الذهب النفط والجيوش، فالأرواح هناك قد بلغت الحلقوم حد الغرغرة، ماجعل ناطقها المثلم يخرج عن صمته الذي تحلى به منذ شهور
فأطل علينا مهموما تملأ عينية المأساة بل أنه همه كام بحجم وطن وهّم مليوني نفس في غزة، لانه يعتبرها مسؤولية على رقبته،
وهنا يجب التنويه على انه بين صمت وصمت هناك فرق شاسع فحاشا أبوعبيدة ان يكون صمته صمت المتفرج العاجز إنما صمت من لم يجد الفرصة للحديث، المنشغل في ميدان المعركة التي اعجزت العدو على الرغم مما يملكه من إمكانات،
وحين سنحت الفرصة رأيناه مثل ابناء شعبه نحيفا متعبا مجوعا مقهورا معاتبا الأمة ومخاصمها أمام الله!!
نعم قالها الملثم بقهر
“أنتُم خصومُنا أمامَ الله”
فكانت كلماته هذه المرة سيفًا مُسلطًا على كل من خذل غزة، كُل من صمت أمام المجازر، وكل من ترك الدِّماء الطّاهرة تسيلُ دون أن يتحرك.
خِطاب يَصرخ في الضمّائر الغافلة،
ويكتب في التّاريخ أن الصمتَ خِيانة،
وأنّ غزّة لا تنكسر مهما ثقل العِتاب.
حقًّا، لا يزيدُ الحقَّ بَيانٌ بعدها، ولا يُرفَدُ وَقعُها بمِداد.. فأيُّ قولٍ يُستدرجُ بعدَها؟ وأيُّ لَفظٍ يُسعِفُ الجُرح؟
سِتّ مِئةٍ وخمسة وخمسينَ يوماً من الخِذلانِ المُركَّب، والمَسغبةِ، والمَجزرة، والنَّزفِ الذي أعيا الوصفَ وأعجز اللّغة.وجعلنا نشعر كم نحن ضعفاء أمامهم كم نحن جبناء أمام قوة تمسكهم بأرضهم وتشبثهم بالحياة مااستطاعوا إليها سبيلا ولأجل كرامتهم ضحوا بالغالي والنفيس واستطاعوا إغراق الكيان الصهيوني بهذه الحرب التي ظن انه بيوم أو يومين سيجعل غزة بمن فيها يأتونه وهم راكعين،
والنصر الأكبر لهم هو تعريتهم للديمقراطية وقوانين الإنسانية والمتشدقين بها وفضحهم أكذوبة المجد العربي والإسلام المزيف لبعض المنتمين للإسلام والنخوة والشرف اللذين يتغنى بهما ليل نهار بعض المنتسبين للعروبة، وربّما اليومَ فقط نفهَمُ لماذا كانَ اليـ ـهُود في المسجدِ الأقصىٰ يهتِفون “ماتَ محمّد”.. لم يقصِدوا شخصَه فهوَ باقٍ ، إنّما قصدُوا ماتت فِينا نخوَة محمّد وأصحابِه ، ماتَت فينا شهامةُ العرَب ، وفزعةُ الإسلام ورَكَنّا للحُطام.
لذا فالمسؤولية اليوم لا تلقى على دولة أو معبر إنما هي مسؤولية العالم أجمع لِنبذ اسرائيل والكف عن عشقها على الجميع اليوم قطع امدادها بالنفط والغاز والمواد الغذائية واغلاق السفارات وجعل اسـرائيل وحيدة منبوذة علها تكف خبثها عن غزة وتشعر ببشاعة جرمها وماأوصلها إليه من عزلة لطالما حاولت أن لا تقع فيها ذات يوم.