كيف يُحارب الفساد ؟
إب نيوز ٢ سبتمبر
سعاد الشامي
الفساد ليس مجرد سرقة أموال وعبث بممتلكات دولة ومعاملات سرية تحت الطاولات ؛ بل هو انفلات أخلاقي وآفة خطيرة تنخر جسد القيم الإنسانية والاجتماعية قبل أن تنخرالموارد والإمكانيات الاقتصادية للشعوب ، ومؤشر خطير يدل على انحراف المعايير السليمة داخل النفوس البشرية وبالتالي يتسرب إلى داخل الأنظمة الإدارية وهذا مايفسد الحياة بأكملها ويحد من تنمية البلدان والنهوض بها والالتفات إلى مصائر الشعوب واحتياجاتهم الضرورية .
وهنا يفرض التساؤل نفسه ..
من أين امتلك هذا الفاسد حق التصريح بالفساد وكيف شرعن لنفسه ذلك ؟!
هل يعقل بأن هذا الفاسد قد خلق فاسداً منذ مجيئه إلى هذه الأرض ؟!
أم أن هذا الفاسد قد وجد نفسه يمشي تلقائيا في طريق منحرف قد سبقه إليه الكثير من أقرانه فسار بنفس المسار الذي ساروا عليه ؟!
ولأن الفساد من أخطر الأمراض الاجتماعية والاقتصادية وجب علينا البحث عن جذوره وتشخيص مسبباته قبل كتابة العلاج وتناول الجرعات ، لذلك لابد من الرجوع قليلا إلى الوراء وتفتيش صفحات النظام السابق وسياسته المعتمدة في العمل الأداري والمؤسسي وهناك سنرى كيف أنه كان قد جعل من الفساد منهجية قائمة وثقافة راسخة وقواعد متوارثة ، وكان من أبرز صور الفساد آنذاك : النظرة المادية الاستحقاقية الذاتية التي تطغي على النظرة الخدمية والمجتمعية ، العشوائية في انتقاء موظفي الدولة والخالية من معايير الكفاءة والمهنية والاقصاء للكوادر والشخصيات القيادية والمخلصة ، التسلط والاستئثار بالمال العام فقد اصبجت السلطة صفقة تجارية ومؤسسات الدولة غنيمة تتقسم على أصحاب النفوذ و مقدرات الدولة تعطى استحقاقات حزبية وفئوية ومنح مادية للمشائخ والأعيان من أجل شراء الولاءات والمواقف والذمم ، الفشل الذريع في بناء الوطن من خلال اهدار فرص الاعمار الحقيقي والتنمية الشاملة وصرف المجتمع عن مقومات الاكتفاء الذاتي والاستقلال الغذائي وعدم استغلال ثروات وخيرات الشعب لمصلحة أبناء الشعب والانتفاع بها في مجال البناءو التقدم والنهوض الحضاري، الغباء السياسي الفاحش الذي لايُجوز للمسؤول أن يكون كبقية أفراد الشعب بل يوجب عليه أن يكون غنيا يعيش حالة الترف وأن يتغير مباشرة بمجرد استواءه على كرسي السلطة !
نعم ؛ رحل النظام السابق ورحل الكثير من قاداته ورجاله ولكن بقيت الآثار السيئة وبقي الفساد في المؤسسات كمنظومة سائدة لا تتغير بتغير الرجال … فكل من يأتي إلى مؤسسات الدولة يجد أمامه مكاناً خصيباً للفساد ويجد نفسه يمارس الفساد حتى وإن لم يكن متعمداً أن يكون فاسداً وذلك من خلال السير وفق النظم المشرعنة للفساد والمعاملات والمجريات المسنونة بغرض المصلحة الشخصية لا المصلحة العامة والتي توارثت عبر السنين السابقة وصارت ضمن أولويات المسؤولين ، ولهذا يجد الإنسان الشريف نفسه غريبا داخل تلك المؤسسات وإذا سعى ليصحح من وضعيتها السيئة وينتقدها ويحافظ على المال العام ينظر إليه بعين الاستغراب وبمقياس المخالف لمنهجية الأغلبية وقد يكون مصيره التهميش والاقصاء وربما الفصل النهائي !
الرغبة بمحاربة الفساد وحدها لاتكفي والمحاسبة الجزئية لن تجدي نفعا في استئصال جذور الفساد فقد نحاسب هذا الفاسد وينال عقوبته ولكن قد يأتي فاسد غيره ويؤدي دوره بكل جدارة بل قد يكون أكثر حرفية منه في امتهان الفساد !
لن يُحارب الفساد مالم تجتث جذوره وتتغير المنهجية القائمة بكل سياساتها الخاطئة التي تشرعن أساليب الفساد وتروج لها ، وتتغير القوانين التي تتعارض مع مبادئ العدالة والصلاح ، وتتحول الرغبات التي نحملها في خواطرنا إلى خطوات عملية و ملموسة على أرض الواقع ؛ يرافقها الحزم والانصاف والرقابة وتساندها الحكمة في طرح الرؤى التصحيحية للوضع العام قبل الوضع الخاص.