من الغدير تجلت دولة الإنسان

إب نيوز ١٦ يوليو
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفاء الكبسي:

عظمة الإمام علي بن أبي طالب- عليه السلام- تجلت في إنسانيته أولًا قبل أي شيء آخر، لأن الذي علمه وأدبه ورباه هو رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم، فصنع منه الإنسان الذي خلقه الله تعالى فأحسن خلقه، تعالوا إذن في ذكرى ولايته الجليلة في الثامن عشر من ذي الحجة نتعلم منه كيف نصنع الإنسان ولنبدأ بأنفسنا أولًا، لأن الإنسانية هي القاسم المشترك بين خلق الله جميعا بغض النظر عن الدين والمذهب واللون والجنس وغيرها من معايير ألا تعايش فمن أقواله عليه السلام:”الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه”، لهذا علينا بتتبع أثر ومنهج وقيم ومفاهيم الإمام علي الإنسانية العظيمة، لأن مهمة الرسل والأنبياء هي صناعة(الإنسان) قبل كل شيء.

الإمام علي عاش إنسانًا اختزل الزمان والمكان بفكره العظيم الذي يحتاجه العالم للقيام بمنهج الحياة في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من الأمور الحياتية، فهو عليه السلام إنسان سبق عصره بأفكاره ومفاهيمه التي لاتذبل أبدا مع مرور الزمن فمقولته الشهيرة التي قالها لمالك الأشتر: “الناس صنفان :إما أخ لك في الدين أونظير لك في الخلق” هذه العبارة التي سبقت كل جهود فقهاء القانون والحقوق لأنها جاءت من ولي الله ووصي رسول الله وباب مدينة علم رسول الله وخليفته في أمته الذي دافع عن الفقير والمظلوم والأبيض والأسود دون تمييز لفئة دون فئة، فكانت دولة الإمام علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام- دولة الإنسان الذي وفّر فيها العدل والرفاه لكل شعبه، فماهو سر بناء تلك الدولة العظيمة؟
السر هو أنه طبق قانون الإسلام بكامله، فتجلت العدالة بأروع صورها، فمن سياسته-عليه السلام- أن جعل الحكم استشارياً، يحترم فيه آراء الشعب فقال عليه السلام للناس: “إن من حقكم عليّ أن تعطوني المشورة”.

لطالما كتب في بناء الدولة العادلة فلاسفة وعلماء، ولكن المحاولات كلها باءت بالفشل لأنها مجرد تنظيرات فارغة، غير أن الرسول الأعظم وأمير المؤمنين أنجزا أعظم دولة عدل وحقوق ورفاه للناس أدهشت البشرية في عصرنا الحالي ، وهنا يتبين السر في قول السيدة الزهراء -عليها السلام-: “وطاعتنا نظاماً للملة” إذا فـ بيعة يوم الغدير التي أمر الله بها هي الحصانة والسلامة والسعادة الشاملة في الدنيا والآخرة، والتي بدأت بـ قوله تعال: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}
حيث في هذه الآية الكريمة عدة دلائل منها الولاية الله ورسوله ثم قال والذين آمنوا، ولكي لا يكون هناك لغط لم يأتي اللفظ عام يشتبه على قارئه شمول كل مؤمن، بل قيدت الآية بعدة تقييدات وهي الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، فهذه التقييدات فيها دلالة واضحه على أن المراد من هذه الآية هي شخصية معينة وليس عموم المؤمنين وهي شخصية ولي الله الإمام علي- عليه السلام- التي تصدقت بالخاتم وهي راكعة.
قد يتسائل البعض لماذا
جاء النص القرآني دون تسمية الإمام -عليه السلام- بالاسم؟!
وذلك لاختبار الناس وامتحانهم، وتمييز المؤمنين عن المنافقين منهم، ولإكتمال النص الإلهي بالنص النبوي كانت قضية الغديرالتي نزلت فيها الآية: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ} فأمر الرسول الأكرم الناس للاجتماع، ثم أخذ -صلى الله عليه وآله وسلم- بيد أمير المؤمنين -عليه السلام- ليصدر الأمر النبوي أنه: “مَنْ كنتُ مولاه فهذا عليُّ مولاه، اللهم والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه”.
ثم نزلت بعدها الآية الكريمة قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} لتعلن إنجاز المهمة المحمدية، بإكمال الدين وإتمام الرسالة بولاية الإنسان العظيم الذي صنع أعظم دولة للإنسان التي بدأت من الغدير وستستمر إذا ماتم اتباعه ليس بالقول فقط وإنما بالعمل حتى يرث الله الأرض وماعليها، لأنها ولاية رحمة وعدل وإحسان وجهاد وإقتداء بالنبي الأعظم ، فما أحوجنا اليوم إلى تولي الإمام علي الإنسان واتباع منهجه لإنقاذ العالم من الانحدار السريع نحو الاستبداد والفقر والحروب والأنانية المطلقة.

 

You might also like