مواقع الانتحار الاجتماعي !

 

إب نيوز ١١ ربيع الثاني

عبدالملك سام

وجدت نفسي أمام قبر والدي! متى، وكيف، ولماذا؟! لا أعرف.. كنت أشعر بالضيق الشديد، ولم أجد من أتكلم معه، وربما لأنني أعتدت أن اتحدث مع أبي دائما عما يشغل بالي، فقد قادتني قدماي إلى قبره من دون أن أشعر. ربما هو الفقد، أو لقلة من يمكن أن تبوح لهم، أو ربما أنها صارت ظاهرة كبيرة في عصرنا الحالي، أي أن يكون الناس بعيدين عن بعضهم مهما كانت المسافة فيما بينهم قريبة!

مما كان يميز أبي – رحمه الله – أنه كان ينصت جيدا لنا عندما كنا نتكلم، ولم يكن يسمح لشيء ما أن يشغله عمن يتحدث إليه، فإذا كان يشاهد التلفاز فهو يطفئه، وإذا كان يقرأ كتابا كان يغلقه ويضعه جانبا. هذا الأمر أتذكره اليوم عندما أشاهد كيف نتعامل مع بعضنا؛ فالكل مشغول بنفسه، أو بمشاكله، أو حتى بهاتفه.. لا أحد منا يظهر تعاطفا مع الآخرين، وكأننا تحولنا بفعل هذه الفوضى الإعلامية إلى كائنات أدنى منا كالحيوانات البرية، رغم أنها تظهر أحيانا تعاطفا أكبر مما نجده لدى البشر، فالتعاطف الإنساني هو الذي يميزنا كبشر، فنحن بطبيعتنا كائنات إجتماعية، ومن المؤسف أننا نتجه نحو التخلي عن هذه الصفات!

ماهو دورك كأخ أو أب أو صديق لولا نعمة التعاطف والفهم لمن حولك؟! كيف ستساعد من حولك إن كنت غير قادر على التواصل معهم والتفهم لحاجتهم، وعوضا عن ذلك تقوم بإستبدال هذه العلاقات الحقيقية بعلاقات وهمية على مواقع التواصل الإجتماعي المليئة بالزيف والخداع، فالجميع يخدع الجميع، ولو دققت النظر في الأمر لوجدت أن الضرر من هذه العلاقات يفوق الفائدة التي يمكن أن تحصل عليها منها إن وجدت طبعا! بل أنك تسايرها لتقع في مستنقع الزيف من أجل الحصول على الإعجاب أو الإهتمام الزائف.

المشكلة أن معظمنا لا ينتبه للتغيرات التي تطرأ عليه كلما قضى وقتا أطول على هذه المواقع، فهناك ستجد أشخاص في مناصب رسمية صاروا يكتبون كالمراهقين! وستجد ايضا فتيات (بحسب الظاهر) ينشرن منشورات تافهة، ولكنك بالعودة للمنشورات القديمة تدرك أنهن لم يكن هكذا! وستجد من يبذلون جهودا جبارة ليشاركوا في هذا المستنقع ولو كان ما ينشرونه ضد قناعاتهم! وستجد من هو على إستعداد ليكتب أي شيء طمعا في تعليق أو إعجاب!

المشكلة أننا لا نلاحظ (او لا نريد أن نلاحظ) أن من قاموا بإنشاء هذه المواقع يواصلون تنفيذ أهدافهم، ونرى اليوم آثار هذا في الإنحطاط الذي وصل إليه البعض، وعملية تكميم الأفواه، والتجهيل الممنهج. في حين أننا نحاول جاهدين، وبحماس غريب، أن نعزل أنفسنا عمن حولنا، ونحرم أسرنا من التواصل الحقيقي الصادق الذي كان يمكن من خلاله أن نعرف مشاكل بعضنا، ونتفاعل بإيجابية مع ذوينا، وما كانت لتحدث مثل هذه الجرائم التي نسمع عنها اليوم من إبتزاز وإنتحار وأمراض نفسية ….الخ، لولا وجود هذه المواقع!

*نصائح للتخلص من إدمان مواقع التواصل الإجتماعي:
1- خذ العبرة من ضحايا إدمان هذه المواقع، فأنت لا تريد أن تتحول إلى (علي البخيتي) آخر!
2- يجب أن تدرك أن “زهرة الأقحوان” غالبا ما تتكلم بعد أن شذبت لحيتها، فأي عالم سخيف ومزيف هذا؟!
3- لو أنك حسبت الوقت الذي تقضيه في هذه المواقع، وأستبدلته بأي نشاط آخر حتى لو كان جمع العلب الفارغة، فإنك خلال عام ستكون كونت ثروة من جمع هذه العلب!
4- تأكد أن هذه المواقع مرتع خصب للأكاذيب، ولو أدمنت عليها فستجد نفسك بعد فترة وقد بدأت تصدق معلومات على شاكلة أن الأرض مسطحة، وأن القط بسبعة أرواح!
5- فكر في المجهود الذي ستبذله وأنت تحاول إقناع الآخرين بأن يتفاعلوا مع حدث مثل تعليق حسابك كل ثلاثة أيام!

You might also like