اليمن ومقررات مؤتمر (كامبل بنرمان)..

إب نيوز ٨ شعبان

بقلم الشيخ عبدالمنان السنبلي.
ويبقى السؤال: لماذا يورط الأمريكيون والبريطانيون أنفسهم بالعدوان على اليمن..؟
إذا كنت تعتقد أن ذلك من أجل حماية الملاحة الدولية في البحرين الأحمر والعربي، كما يروجون، فأنت، مع احترامي، غلطان..
أما إذا كنت تعتقد أنه من أجل الدفاع عن الكيان الصهيوني وحماية إسرائيل، فهذا وارد، لكنه، في الحقيقة، يظل مبرراً وسبباً ثانوياً لا يستدعي منهم كل هذه (اللمة) وهذه (الحفلة)، خاصةً وأن إسرائيل، من الناحية النظرية، تمتلك من الإمكانات والقدرات العسكرية ما يجعلها قادرة على الوقوف طويلاً في وجه أي تهديد أمني أو وجودي قد تتعرض له على المدى المنظور..!
فلماذا إذاً سارع الأمريكان والبريطانيون إلى التدخل عسكرياً في اليمن..؟
تعرفون لماذا..؟
دفاعاً عن مشروع استعماري بريطاني قديم..
مشروع (كامبل بنرمان)..
لقد رأى الأمريكان والبريطانيون أن اليمنيين بدخولهم المفاجئ على الخط وتدخلهم العسكري المباشر وتضامنهم الكامل مع غزة قد انقلبوا وتمردوا على مقررات مؤتمر (كامبل بنرمان)..!
فهل تعلمون ما هو هذا المشروع أو المؤتمر: (كامبل بنرمان) وما هي مقرراته..؟
مؤتمر (كامبل بنرمان)، هو، في الحقيقة، مؤتمر تم عقده في لندن في عام ١٩٠٥ واستمرت أعماله إلى عام ١٩٠٧.
جاء ذلك بالطبع تلبيةً لدعوة سرية من حزب المحافظين البريطاني..
هذا وقد ضم هذا المؤتمر في جنباته قادة الدول الإستعمارية في ذلك الوقت، بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وأسبانيا وإيطاليا..
حيث وقد توصل المجتمعون في هذا المؤتمر إلى حقيقة تقول بأهمية البحر الأبيض المتوسط لدول الحضارة المسيحية، وأن هنالك شعباً واحداً يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص وتتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان، في إشارة طبعاً إلى شعوب الأمة العربية..
وبحسب الوثيقة السرية التي خرج بها هذا المؤتمر، فقد تم تصنيف الدول العربية على أساس أنها لا تقع ضمن الحضارة الغربية، إلا أنهم، ومع ذلك، قد أكدوا وجود حالة تصادم حضاري قائمة بين هذه الشعوب وبين الحضارة الغربية المسيحية..
ولذلك، وكما جاء في هذه الوثيقة السرية، فقد خلصوا إلى أمرين اثنين هما..
– الإبقاء على هذه الشعوب في حالة من التفكك والتأخر والتخلف والجهل وضمان عدم تقدمها أو تفوقها من خلال حجب كل أشكال الدعم العلمي والثقافي عنها..
– محاربة كل التوجهات لتوحيدها أو لملمة شتاتها..
طبعاً، ولكي يتسنى لهم ذلك، فقد خلصوا، وبحسب الوثيقة، إلى ضرورة زرع كيان غريب يفصل الدول العربية الواقعة في قارة أفريقيا عن تلك الواقعة في قارة آسيا، واختاروا لذلك فلسطين بالتحديد..
انتهى..
هكذا، وببساطة شديدة، خطط لنا الأعداء ذات يوم، وهكذا عملوا على تنفيذ ما خلصوا إليه خطوةً خطوة، وعلى مدى أكثر من مائة سنة، بدءاً بسايكس-بيكو، واحتلال الدول العربية، فوعد بلفور، فتوطين اليهود في فلسطين وتقديم التسهيلات والحماية اللازمة لهم حتى تم تمكينهم أخيرا من إعلان دولتهم في منتصف آيار ١٩٤٨ على أرض فلسطين، لتتوالى بعد ذلك الأحداث والنكبات على العرب نكبةً بعد نكبة ونكسةً بعد نكسة إلى يومنا هذا..!
والنتيجة ماذا..؟
كل هذا الضعف وهذا الوهن والهوان والتشظي والتبعية العمياء والمطلقة للغرب وأمريكا، والتخلف الحضاري والجهل والصراعات العربية البينية التي لا تكاد تنطفي جدوتها، وغيرها من المبكيات المضحكات التي أصابت وحلت بالأمة، لدرجة أني لا أبالغ إن قلت أن مقررات مؤتمر (كامبل بنرمان) قد تم تطبيقها بحذافيرها، بل وزيادة حبتين..
طيب..
أن يأتي اليمن اليوم، بعد كل ذلك، ويتجاسر على أمريكا وبريطانيا وإسرائيل الذين لم يتعودوا، ومنذ أكثر من قرنٍ من الزمان، أن يتجرأ أو يتجاسر عليهم أحدٌ من العرب، فهذا، بحد ذاته، يعد انقلاباً واضحاً وصريحاً على مقررات مؤتمر (كامبل بنرمان)، ويهدد بنسفها تماماً، الامر الذي يستدعي معه التدخل السريع والحاسم، أو هكذا اعتقدوا..
وهذا بالفعل ما حصل من خلال التدخل والعدوان العسكري الأمريكي البريطاني الصهيوني القائم على اليمن اليوم..
لكن السؤال الأهم:
هل فعلاً ما قام به اليمن يعد انقلاباً على مقررات مؤتمر (كامبل بنرمان) ويهدد بنسفها..؟
الإجابة بكل وضوح: نعم،
يظهر ذلك من خلال ما ترتب على هذا الفعل الذي قام به اليمن من آثار ونتائج أهمها:
– قدم اليمن دروساً في كيفية الإستفادة من التوكل على الله والإعتماد عليه في مواجهة العدو..
– أثبت اليمن من جديد أن الصراع هو صراعٍ عربيٍ إسرائيلي وليس صراعاً قائماً بين إسرائيل والفلسطينيين مثلاً أو بين إسرائيل وحماس أو الإرهاب كما يحاول البعض توصيفه اليوم..
– أعاد اليمن الثقة إلى الإنسان العربي والمسلم بنفسه وبقدرة أمته على الوقوف والمواجهة بعد أن افتقدها حقبةً من الزمن..
– أتى التدخل اليمني على حلم إسرائيل في شق (قناة بن جوريون) كمنافس لقناة السويس، وهذا سأفرد له مقالاً خاصاً لشرحه بالتفصيل لاحقاً..
– رفع اليمن الغطاء والأقنعة عن كثير من الأنظمة العميلة التي كانت تتمترس خلف شعار حماية الأمن القومي العربي..
– لخص التدخل اليمني حالة الضعف والهوان والذل والإنبطاح الذي باتت تعيشه الأمة..
– أكد اليمن على أن الإنسان العربي قادر على الإبتكار والإبداع وتطوير ذاته في كل المجالات إذا ما أُتيحت له الفرصة والأجواء المناسبة..
– بين اليمن حجم الهوة القائمة وكذلك حالة الإنفصام العجيبة بين القيادات العربية وشعوبها..
– كشف اليمن عن كمية العداء والحقد والكراهية التي تكنه أمريكا والغرب للأمة..
– كشف اليمن عن مدى الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وامكانية توظيفهما كسلاح استراتيجي فاعل ومؤثر في خدمة قضايا الأمة.
وهناك طبعاً الكثير من النتائج والآثار التي ترتبت على مشاركة اليمن ومساندته لإخوانه الفلسطينيين في غزة والتي تصب جميعها في خانة إسقاط مقررات ومخرجات مؤتمر (كامبل بنرمان) المشؤوم، إلا أن المجال لا يسمح لسردها جميعاً..
على أية حال،
يظل العدو الأمريكي والبريطاني والصهيوني هو المحور الحقيقي للشر، والذي يتوجب على الأمة أن لا تنخدع بما يقدمونه من أفكار تآمرية تبدو في ظاهرها براقة، إلا أنها في باطنها تخفي عالماً من الحقد والتآمر على الأمة الأمر الذي يتوجب على الأمة أيضاً أن تصحو من سباتها العميق وأن تصوب عداءها نحو هذا العدو الذي لم يتوانى يوماً في أن يصدر بحقنا وثيقة (كامبل بنرمان) السرية..
يعني بالضبط كما فعل اليمن اليوم، ما لم، فعلى الإسلام وعلى العرب وعلى الدنيا السلاااام..

#معركة_القواصم

You might also like