ماذا قبل رفح؟!  -2-

 

إب نيوز ٢٤ رمضان

عبدالملك سام – اليمن

[هناك من صدمه عنوان وموضوع المقال قبل السابق (ماذا بعد رفح؟!)، ولهؤلاء الذين يريدون أن يسمعوا أكثر.. أكتب هذا المقال]

تكلمنا في الجزء السابق عن المؤشرات التي دفعتني لكتابة مقال حذرت فيه من أن الصهاينة ينوون أجتياح رفح بنية التخلص نهائياً من سكان غزة، سواء بالتهجير أو القتل! ثم تكلمنا أن تخاذل الشعوب العربية وتواطؤ أنظمتها لا يجعلنا متفائلين بأن اليهود يمكن أن يتراجعوا، ثم تكلمنا عن بعض الخطوات التي يمكن أن نقوم بها لنتمكن من تغيير هذا الواقع وتحمل مسئولياتنا الدينية والوطنية، وها نحن اليوم نكمل حديثنا فموضوع اليوم مهم جداً، وحساس جداً..

موضوعنا اليوم عن (المااااال)، وأرجو من الأخوة الذين قاموا عندما سمعوا كلمة “المال” أن يجلسوا لنتناقش بهدوء! الموضوع حساس فعلاً وخطير؛ وذلك لأن الإنسان بطبعه يحب المال حباً جماً، ولهذا قدم الله الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس، وجعله محك لمعرفة صدق الإيمان. فهل الموضوع فعلاً بهذه الصعوبة؟ وما الرابط بين موضوع المال، وما يحدث للشعب الفلسطيني؟ بل كيف للمال أن يمنع اجتياح رفح؟!

مهما بلغ مدى حبنا للمال فلن يكون أكبر من حب اليهود له، ولعل هذا ما جعل قيادتنا تختار الحصار البحري للضغط على الإسرائيليين لما له من تأثير أقتصادي عليهم. وما يجب أن يلفت نظرنا هو أنه عبر التاريخ لم تنجح ثورة أو معركة أو حركة شعبية دون الأخذ بعين الأعتبار لموضوع المال! حتى أبخل من خلق الله (اليهود) يعرفون هذا جيداً، ولذلك فهم يساهمون مالياً في دعم حركتهم الصهيونية لمعرفتهم بأن عملهم لن ينجح دون المال، وأن نجاح تحركهم سيضمن عودة ما انفقوه أضعافاً مضاعفة بعد نهب ثروات العرب، وكلنا نعرف أن هذا الكلام صحيح!

الإنفاق المادي ليس حكراً على طائفة أو فئة من الناس؛ فكل الطوائف والمجتمعات الباقية حتى اليوم أعطت هذا الجانب حقه من الأهتمام والألتزام، أما الطوائف والفئات التي أهملته فسرعان ما أضمحلت وأندثرت.. النصارى يتنافسون على الأنفاق على كنائسهم وعلى أي تحرك يقومون به، ولذلك هم أكثر الطوائف التي أنتشرت وأحتلت مساحات شاسعة من العالم. الهندوس والبوذيون وحتى الملاحدة، كلهم أعطوا الجانب المالي ما يستحقه من أهتمام وحث عليه لضمان وصول قضاياهم وأستمرارها، ولو بحثنا عبر التاريخ عن سبب ضياع وأندثار الحركات والأمم لوجدنا المال من ضمن أهم الأسباب!

في الإسلام وجدنا أيضاً أن أحد أسباب أنتشار الدعوة يعود لأن الجانب المادي من أهم ما حث عليه ورغب فيه ديننا، بل أنه لم يسبق أن وجدنا تحركاً بشرياً يعطي هذا الجانب أهمية قصوى كما هو الحال في الأسلام. وقد تحدث الله سبحانه ألينا في القرآن ليوضح لنا ما آثار الجانب المالي على أستقرارنا ونجاتنا وقوتنا، وأن الشيطان يأمرنا بالبخل والشح ليدفعنا للفشل والهلاك! والله وعدنا بأن ما ننفقه سيعود لنا، ورغب به عندما جعل من ينفق كمن يقرض الله، وحذرنا من أخطر آفة مالية وجعلها من الكبائر ألا وهي الربا، ولم يترك شيئاً يرتبط بالمال إلا ووضحها لنا!

الزكاة والصدقة والأنفاق كلها مصطلحات واجهتنا في مواضع كثيرة في القرآن. الأسراف والشح والبخل أيضاً وجدناها في آيات كثيرة، بل أن الله سبحانه قد وضح أن الشح دليل على عدم كمال الإيمان، وأن البخل من صفات المنافقين، ووضح بأن الأسراف من أعمال الشياطين! ولنا في عصرنا هذا، وفي بلادنا اليمن تحديداً، تجربة هامة توضح لنا أهمية هذا الجانب الهام؛ فلم تنتشر ثقافة القرآن وتزدهر منذ البداية إلا بسواعد المؤمنين وسخاء الصادقين، وأذكر بأنني كنت أشعر بالأعجاب والغبطة كلما سمعت عن أشخاص أنفقوا كل ما يملكوه في سبيل الله، وهذا أيضاً لماذا جعل الأعداء من الحصار الأقتصادي أهم ركائز عدوانهم، ولماذا كانوا يعولون على فشل اليمنيين بحصارهم؟!

طال الحديث ولم نصل بعد لموضوع المقال، وللأختصار سأقول: لن ننال البر حتى ننفق مما نحب، ولن ننجح في أي عمل حتى ننفق، وأذكر أن أحد المجاهدين كان يحثنا على الانفاق قبل أي عمل جهادي نقوم به لضمان نجاحه.. وبالمثل، لن تتحرر مقدساتنا، ولن نصبح أقوى الأمم، ولن نوقف أي عدوان علينا إلا بالأنفاق والبذل، فكيف نبخل وألهنا وعدنا بالفوز والثواب، وفوق هذا كله بأن يرجع لنا ما انفقناه دون نقص، بل بالزيادة؟! وتذكروا أننا خير الأمم بما خلقنا الله عليه، وبما وهبنا من نعم وخيرات، وأرزاقنا بيد الله وحده.. وللحديث بقية.

– المصادر:
⚪️ {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}
(سورة البقرة – الآية: 195)

⚪️ {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ‌ الرَّ‌ازِقِينَ}
(سورة سبأ – من الآية: 39)

⚪️ {انفِرُ‌وا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}
(سورة التوبة – الآية: 41)

⚪️ {هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَ‌اءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَ‌كُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم}
(سورة محمد – الآية: 38)

⚪️ {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّ‌بَاطِ الْخَيْلِ تُرْ‌هِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِ‌ينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}
(سورة الأنفال – الآية: 60)

⚪️ {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِ‌ضُوا اللَّهَ قَرْ‌ضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ‌ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرً‌ا وَأَعْظَمَ أَجْرً‌ا}
(سورة المزمل – من الآية: 20)

⚪️ {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ ○ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ ○ فَسَنُيَسِّرُ‌هُ لِلْيُسْرَ‌ىٰ ○ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ ○ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ ○ فَسَنُيَسِّرُ‌هُ لِلْعُسْرَ‌ىٰ ○ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَ‌دَّىٰ}
(سورة الليل – الآيات: 11-5)

You might also like