احذروا الظرفاء !

إب نيوز ٢٠ شوال

 عبدالملك سام – اليمن

يقول شوبنهاور: “كل الأوغاد – للأسف – مؤنسون ولطفاء المعشر!”، وهذا الكلام وإن بدا غريباً، إلا أن تاريخنا مليء بهؤلاء (الأوغاد) الذين وجدوا دائما بقرب الحكام والوزراء وكبار المتنفذين في كل عصر ودولة، وسودوا بأفعالهم صفحات التاريخ، وإن كانت تلك الأفعال أرتبطت بأصحاب السلطة أكثر مما أرتبطت بهم؛ كون تلك الأفعال تذكر وتنسب لزمان “فلان” دون ذكر من أشار أو أثر فيها. ومن هؤلاء الأوغاد من كان ظريفاً كسعيد قراقوش، ومنهم من كان شيطاناً كالحجاج الثقفي.

هناك من سيسأل عن ماهية الخطأ في وجود هذه النماذج طالما وهم يتصفون بالظرف كما ذكرنا سابقاً؟! والإجابة على هذا السؤال يا سادة يا كرام، تكمن في الأطلاع على تاريخهم المليء بظلم العباد، والنتائج الكارثية التي أدت فيما أدت إلى نكبات كبرى في مسيرة الحياة. فهؤلاء الظرفاء أستطاعوا أن يكونوا قريبين من صاحب القرار المستأنس بهم، ولكنهم كانوا قساة على الرعية، وبسبب قربهم من الحكام والولاة استطاعوا أن يمرروا احكاما أقل ما يمكن أن يقال عنها بأنها “عوجاء” وظالمة، أدت إلى ضياع الحقوق، وضياع الثروات، وضياع صاحب السلطة المقعي أيضا!

الملفت للنظر، أن معظم هؤلاء “البهلوانات” عاصروا أكثر من حاكم ودولة؛ فمثلا: يذكر أن قراقوش – الذي ينسب إليه المثل بأكثر الأحكام المعوجة إعوجاجا – أنه عاصر دولتين (الفاطمية والأيوبية)، وقرابة الستة حكام!. كما أنهم جريئون، وسريعوا البديهة، ويبدون واثقون من أنفسهم، ولديهم قدرة كبيرة على الاقناع، لذا أرتبطت اسماؤهم بمشاريع “كبرى” في شكلها، ولكن هذه المشاريع البراقة هي نفسها التي أدت لأنهيار الدول بسبب تكاليفها الباهظة، وآثارها المدمرة على البلاد والعباد! وخير مثال حاضر اليوم مشروع “الترفيه” الذي يديره “الظريف” تركي آل الشيخ في مملكة آل سعود، ولو بحثنا في أي دولة ظالمة لوجدنا هذه النماذج موجودة بكثرة!

ما أود بأختصار قوله مخلصا صادقا، لكل مسؤول أو صاحب قرار: ابعدوا مهرجيكم عن أتخاذ القرارات، وتوخوا الصدق والعدل في قراراتكم بعيدا عن تأثير هؤلاء، وأتخذوا بطانة من الصالحين وإن كانوا ليسو ظرفاء كهؤلاء البهلوانيين؛ ففي كل مشروع، أو شركة أو مؤسسة، أو وزارة ستجدون نماذج مصغرة لهؤلاء الظرفاء الذين يسعون للتقرب منكم، ثم لن يلبثوا أن يقربوا لكم البعيد، ويبعدون عنكم القريب؛ فهم كاذبون خبثاء انتهازيون.. لن تصلح البلاد ويرتاح العباد إلا بالعدل والصدق والتناصح والتعاضد، ويكفينا ما نراه من مصائب دهماء بين الحين والآخر بسبب هؤلاء الظرفاء المؤنسون المضحكون! والله من وراء القصد.

… …

*معنى “ظريف” في معجم اللغة: هو شخص يشتهر بسرعة البديهة، وبالقدرة على التعبير المثير للبهجة أو للترفيه عن النّفس.

You might also like