كاتب فلسطيني: هل يعيد اليمن تأسيس محور المقاومة.. وهل يعيد تشكيل قوة الردع؟
إب نيوز ٦ مايو
اليمن بقرار رسمي وشعبي مباشرة بعد اندلاع معركة السابع من أكتوبر /2023، وما ترتب على ذلك من حرب عدوانية غير مسبوقة شنتها إسرائيل على قطاع غزة، أعلن عن فتحه لجبهة الإسناد دعما لقطاع غزة، وصرح بأن هذه الجبهة لن تغلق إلا بتوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وجبهة الإسناد تلك شملت اغلاق البحر الأحمر وخليج باب المندب أمام السفن التي تحمل البضائع لإسرائيل( حصار بحري اقتصادي)، وكذلك المشاركة العسكرية عبر استهداف أهداف وقواعد حيوية وعسكرية وامنية واقتصادية في عمق إسرائيل ، بإستخدام صواريخ باليستية وفرط صوتية ومسيرات انقضاضية، حملت أسماء (فلسطين 2) و(يافا).
اليمن بعد توقف جبهات الإسناد اللبنانية والعراقية في 27 تشرين ثاني/2024، تحمل عبء جبهة الإسناد ووحدة الساحات لوحده، وأعلن أمامه عبد الملك الحوثي شعار اليمن الخالد “ثابتون مع قطاع غزة” في معركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، حتى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة، وكثمن لهذا الموقف والقرار، تعرض لعدوان أمريكي وبريطاني ، جزء منه دفاع عن المصالح الاقتصادية الإسرائيلية ومنع قصفها بالصواريخ والمسيرات اليمنية، وأن لا تشكل تلك الجبهة عامل ضاغط على أمريكا وإسرائيل، للقبول بوقف إطلاق نار وصفقة تبادل تستجيب لشروط المقاومة، وجزء اخر، عدم السماح لليمن بان يصبع لاعب أساسي ومقرر في البحار والممرات المائية، وكذلك حماية المصالح الأمريكية في المنطقة، وتلك الحرب التي حشدت لها أمريكا مدمراتها وبوارجها وسفنها وطائراتها وأساطيلها، وسعت لتشكيل تحالف ما يعرف “بالإزدهار” ، حلف الدمار، كان الهدف منه كسر إرادة اليمنيين وتحطيم معنوياتهم وردعهم، ولكن إرادة اليمنيين كانت اصلب من الفولاذ وعصية على الكسر ومعنوياتهم تطاول عناء السماء، واستمر خروجهم المليوني كل يوم جمعة في عشرات الساحات اليمنية، دعماً لغزة وصمودها.
اليمن لم تنجح كل الغارات الأمريكية والضربات التي طالت مطاراته وموانئه ومؤسساته المدنية وبناه التحتية ومحطاته الكهربائيه والنفطية والغازية، في ردعه أو إجباره على وقف حربه الإسنادية، ولم تنجح أمريكا أيضاً في فتح البحر الأحمر وباب المندب أمام السفن التي تحمل البضائع لإسرائيل. ولا بوقف إطلاقات الصواريخ والمسيرات صوب دولة الاحتلال.
أمريكا في عهد ترامب ضاعفت من عمليات قصفها واستهدافها لليمن اربع مرات عما كان عليه الوضع في عهد الرئيس الأمريكي السابق بايدن، ولكن كل ذلك كان يزيد من إحباط أمريكا ويمس بقدراتها العسكرية وهيبتها، فالدفاعات الجوية اليمنية، نجحت من ال 17 من أذار الماضي، موعد تجدد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في إسقاط 7 طائرات تجسس امريكية حديثة من طرار “أم كيو 9″، تكلفة الواحدة منها 30 مليون دولار، ناهيك عن استهداف مدمراتها وبوارجها وسفنها في البحر الأحمر ، عدة من المرات، واضطرت اكثر من مرة للهرب من الصواريخ والمسيرات اليمنية، بل واخرجت بعضها عن الخدمة، وهذا دفع أمريكا لتعزيز وجودها وحضورها في البحر الأحمر بأكثر من مدمرة وحاملة طائرات.
اليمن كان يقول بأنه كلما زادت الغارات الأمريكية عليه، والتي باتت تستهدف البيئة الحاضنة، بإستهداف المدنيين، كعوامل ضاغطة على القيادة اليمنية، كان يزداد تمسكاً وثابتاً على مواقفه ومبادئه، ويعمل على تطوير قدراته العسكرية والتسليحية والتقنية والتكنولوجية.
كل القوة النارية والحربية والغارات الجوية بواسطة احدث الطائرات الأمريكية، لم تجعل أمريكا تنجح في تحقيق هدفها الإستراتيجي، منع تحول اليمن الى لاعب إقليمي ومقرر في البحار والممرات المائية، ومنع الإطلاق الصواريخ البالستية والمسيرات تجاه القوات البحرية الأمريكية وحاملات طائراتها، وفتح البحر الأحمر امام السفن التي تحمل البضائع الى إسرائيل.
والفشل في هذا الهدف كان يحدوا أمريكا، أن تنجح في الحاق ضرر بالغ وكبير في قدرات اليمن الصاروخية ومسيراته الإنقضاضية، بما لا يمكنها من إطلاقات فعالة ومؤثرة نحو البوارج الأمريكية وعمق إسرائيل، وكذلك ان ينجح القصف المستمر والمتواصل ليل نهار، في إرهاق واعماء البنية العسكرية اليمنية، وبما يضعف قدرتها على المناورة، وإخراج الصواريخ من مرابطها ومستودعاتها وتوضيعها وإطلاقها، وتخفيض مستوى الكفاءة الفنية في تحديد الأهداف وفي مستوى الصواريخ وقدرتها على تجاوز الدفاعات الأميركية والإسرائيلية، بحيث تفقد الصواريخ اليمنية القدرة على التحول الى أداة ضغط يصعب تجاهلها لإنهاء حرب غزة، بما يريح واشنطن من عبء المواجهة ويخفف عن دولة الاحتلال الضغوط التي يخلفها الاستهداف اليمني.
هناك تطوران مهمان حصلا في الفترة الأخيرة ، قبل عشرة أيام، ما حصل للمدمرة الأمريكية “ترومان” وأول أمس ما حصل في مطار اللد، فالمدمرة الأمريكية ترومان، والتي هوجمت بالصواريخ البالستية اليمنية والطائرات المسيرة والزوارق البحرية، لتفادي تدميرها، عملت على القيام بمناورة سريعة وحادة، أدت لسقوط طائرة ” أف 18″ من على سطحها وهروبها الى اقصى شمال البحر الأحمر، وهذا التطور النوعي يشير الى ان قدرة اليمن على إطلاق أفضل ما لديه من صواريخ بالستية ومسيرات إنقضاضية، لم تتأثر بفعل القصف الأمريكي ليل نهارـ وكذلك الصواريخ والمسيرات اليمنية، وصلت أهدافها، دون ان تنجح احدث صواريخ الدفاع الجوي الأمريكي المرافقة لتلك المدمرات والحماية لها في اسقاط تلك الصواريخ، وهذا يعني فشل امريكي كبير لحملتها العسكرية وتعمق مأزقها، وان لا حل مع اليمن، إلا بوقف الحرب العدوانية على القطاع، حينها يوقف اليمن جبهته الإسنادية، ويريح أمريكا من هزيمة محققة.
الصاروخ البالستي اليمني الذي نجح بالإفلات من كل وسائل الرصد والمتابعة والمراقبة من قبل الأقمار الصناعية والردارات وأحدث منظومات دفاعات جوية اعتراضية أمريكية واسرائيلية، من طراز “ثاد” و”حيتس 3″ وغيرها من المنظومات الدفاعية الجوية الإعتراضية، يؤكد على أن اليمن طور من تقنيات صواريخه البالستية، بحيث باتت قادرة على تجاوز كل تلك المنظومات الدفاعية الجوية.
هذا الصاروخ اليمني وما حدث قبل ذلك مع حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان” تؤكدان على ان اليمن قدراته العسكرية الصاروخية والمسيرات الإنقضاضية وزوارقه البحرية الحربية السريعة، لم تتأثر بالغارات الأمريكية والبريطانية، والتي استمرت بالإطلاق بوتيرة اعلى من السابق، واستهداف مطار اللد له رمزية كبيرة ، فهو نافذة الإحتلال على العالم الخارجي، وبإستهدافه اعلن اليمن انه متجه نحو فرض حظر جوي شامل على اسرائيل، مضافاً للحصار البحري ، ومع سقوط هذا الصاروخ في محيط مطار اللد، رأينا تداعيات ذلك، حالة من القلق والخوف والإرباك سادت الجبهة الداخلية، ف 3 ملايين مستوطن هرعوا للملاجئ، واغلاق المطار وان كان مؤقتاً، ولكن ذلك يجعل من الصعب على شركات الطيران العالمية مواصلة رحلاتها الجوية الى مطار اللد، فعشرين شركة طيران الغت رحلاتها لمطار اللد، وما لذلك من تداعيات اقتصادية وعلى فرص العمل ، ناهيك عن اسهم بورصة تل ابيب خسرت 50% من قيمتها، وتأثرت ست قطاعات مباشرة من هذا الصاروخ، قطاعات البنوك والنفط والغاز والإستثمار والتشييد والبناء، ناهيك عن ان هذا الصاروخ، قال بإنكشاف الجبهة الداخلية لإسرائيل امام الصواريخ اليمنية، ونجاحه بالوصول لمطار اللد، عبر عن فشل أمني واستخباري كبيرين، وتطور نوعي ولافت في قدرات اليمن العسكرية، وأي يكن الرد الإسرائيلي والذي جرى أمس الإثنين عبر قصف جوي اسرائيلي شاركت فيه 30 طائرة حربية، بتنسيق ومشاركة أمريكية، حيث استهدف القصف ب 48 قنبلة موجهة ميناء الحديدة ومصنع اسمنت “باجل”، وهذا القصف لن يردع اليمن أو يجبره على وقف معركته الإسنادية، بل ستصبح الصواريخ اليمنية قوة ضغط لا يمكن تلافيها لصالح تيار وقف الحرب على غزة كطريق وحيد للتخلص من هذا الكابوس.
واضح بأن اليمن من بعد ال27 من تشرين ثاني/2024، أصبح يقود جبهة الإسناد والموقع الأول في محور المقاومة والدور الأول في الردع، الذي كان يتولاه حزب الله، وها هو يُعيد تأسيس محور المقاومة ويُعيد تشكيل قوة الردع.
*راسم عبيدات
فلسطين – القدس المحتلة
Quds.45@gmail.com