هـل حـانت ساعـةُ المصـارَحـة قبل المصـالحة؟

إب نيوز ١ أكتوبر

 

عــبدُالله علي صـبري

بالإعلان عن فريقِ المصالحة الوطنية وتدشين أعماله من العاصمة صنعاء تكونُ القوى الوطنية المناهضةُ للعدوان قد سطّرت الخطوةَ الأولى على طريق مشوار الحل السياسي الذي لا بد من اجتراحِه عاجلاً أَو آجلاً إن شاء كُـلُّ اليمنيين مغادرةَ مربَّع الصراع الداخلي وما يرتبطُ به من عدوان خارجي وحصار همجي وتداعياتٍ جمة ألقت بظلالِها على مختلف مناحي الحياة منذ بدء عاصفة العدوان على اليمن في 2015م، تحتَ ذريعة استعادة الشرعية المكذوبة.

وبالإضافة إلى توقيتِ إعلان صنعاء عن هذه الخطوة المتزامنةِ مع تطورات الأحداث الأخيرة في المحافظات الجنوبية وما رافقها من تصدُّعٍ للأطراف السياسية الموالية لهادي وحكومته من جهة وللتحالف السعودي الإماراتي من جهة أُخرى، فإن قوامَ الفريق الذي يتكوّنُ من شخصياتٍ سياسية واجتماعية وازنةٍ ومشهودٍ لها، يشي بمدى الجدية التي ترافق هذه الخطوة المهمة والدقيقة، والرغبة الأكيدة في الوصول إلى مصالحة شاملة لا تستثني أي طرف سياسي فاعل على الأرض، شرطَ أن يكونَ هذا الطرفُ مستعدًّا للتعاطي مع مطلب المصالحة الوطنية على قاعدة إيقاف الحرب وعدم الاستعانة بالعدوّ الخارجي، والعودة إلى طاولة الحوار؛ للبحث المشترك في حَـلٍّ سياسي يضعُ حَــدًّا لانهيار الدولة ويكبحُ جماحَ التفكّك المنظور.

على أن ثمةَ تحدياتٍ كبيرةً تحولُ دون إنجاز المصالحة في الوقت الراهن، فبالإضافة إلى التعقيدات السياسية الداخلية والإقليمية، فإن الأرضيةَ الهشَّةَ للمصالحة لا تزالُ بحاجة إلى جُهدٍ كبير؛ لكي تغدوَ أكثر متانةً، بما يَسْمَحُ بالاتكاء عليها في حال توافقت الأطراف السياسية على تفاهمات تنطوي على تنازلات مجحفة يصعُبُ تبريرُها والتسويقُ لمضامينها شعبياً.

فالملايين من اليمنيين الذين يكتوون يومياً بنيران العدوان والحصار، يتطلعون بفارغ الصبر إلى يوم النصر الأكبر على العدوان ومرتزِقته، ومحاسبتهم على ما اقترفوه من جرائم القتل المتعمد والتجويع الممنهج، وما نهبوا من أموال الوطن وما باعوا من ثرواته، ومن الصعب إقناعُ القاعدة الشعبيّة بالحلول التوافقية، التي تظهرُ في العادة وكأنّها على حساب الدماء والتضحيات..!

ولأن المصالحة الوطنية لن تكونَ ناجزةً إلا إذَا شملت الأطراف السياسيةَ المحسوبةَ على العدوان، فإنَّ فريقَ المصالحة الوطنية معنيٌّ قبلَ أي شيء آخر بمصارحة الشارع تجاه خطواته العملية التي من المزمَّع أن يشرعَ فيها خلال الأيّام القادمة؛ تمهيداً للحوار والتصالح مع الأحزاب والشخصيات التي رهنت نفسَها لأعداء الوطن.

ومنهجُ المصارحة الذي ندعو إليه سيكونُ لازماً لتهيئة الأطراف جميعِها للانخراط في حوار وطني جامع ومسؤول؛ بهَدفِ إيقاف الحرب العدوانية، والحد من تداعيات الصراع المدمر، وتحجيم الكارثة الإنسانية والأزمة الاقتصادية في الحد الأدنى، والأهمُّ من ذلك سحبُ ذرائع العدوان والتدخّلات الخارجية في الشأن اليمني، والإعلان من جديد أن يمنَ الحكمة سينتصرُ للتصالح والتسامح ولإعلاء قيم الوطنية والمواطنة، وتغليب مصلحة الوطن والشعب، وإن كانت على حساب مصالح الأحزاب والمكونات والأفراد.

كما إن المصارحةَ نفسَها ستكونُ مطلوبةً مع الأصوات الشعبيّة التي لا تقبل بأي نوع من أنواع الحوار مع الأطراف التي تلطّخت يدُها بدماء اليمنيين الأبرياء، فكلما كان فريقُ المصالحة قريباً من هذه الأصوات ومتفهماً لمواقفها المبدئية ودوافعها النبيلة، كلما ساعده على المضي في حوار مجتمعي موازٍ لحوار الأحزاب، وكلما أمكن له مواكبة الأفكار والرؤى التي تأتي من الميدان، وتساعد على تجنب الشراك التي قد ينصبها الأعداء في طريق المصالحة والحلول السياسية للأزمة اليمنية.

المصارحة والمصالحة كلتاهما تتطلبان أَيْـضاً خطاباً إعلامياً مغايراً لما هو سائد، فكما أن للمعركة صوتَها الذي لا يعلو عليه صوت، فإن نداء المصالحة وإن كان هادئاً وخافتاً إلا أنه قادر على أن يشق طريقه إذَا توافر الإعلام الواعي والمساند لمهمة ضرورية ومعقّدة كهذه، الأمر الذي يستوجب فتحَ النوافذ مع الإعلام الرسمي والوطني، بحيث تنعكس المصطلحات والمضامين المتعلقة بالمصالحة على البرامج والصفحات والمنصات الإعلامية بشكل عام، وبطريقة تتجنّب الأداء الروتيني والنمطي المعهود.

وبشيء من المصارحة، يجب التنويه إلى أن المصالحة الوطنية لا ينبغي أن تكونَ مجرد شعار برّاق لخداع الجمهور، كما لا يجوز التعاطي معها من باب إسقاط الحُجَّة فحسب، بل لا بد أن يأخذ الفريق على عاتقه الاستشعارَ أنه بصدد مهمةٍ لا رجعةَ عن إنجازها، على اعتبار أن في المصالحة مصلحةً عليا للوطن والمواطنين حاضراً ومستقبلاً، وأنها في الأخير ليست مِنَّة أَو تفضلاً من طرف على طرف، فكل الأطراف رابحة في مزاد المصالحة والسلام.

 

You might also like