عبدالباري عطوان : كيف كسبت الصين الجولة الاولى في حرب الكورونا وفازت بقلوب وعقول معظم شعوب العالم؟

إب نيوز ٢٢مارس

عبدالباري عطوان : كسبت الصين الجولة الاولى في حرب الكورونا وفازت بقلوب وعقول معظم شعوب العالم؟ ولماذا نعتقد ان أمريكا ستخسر عرشها في مرحلة ما بعدها؟ وهل ستتمرد أوروبا “العجوز” على هيمنة أمريكا التي خذلتها؟ اليكم قراءة تتضمن بعض الجوانب الشخصية؟

 

 

اصبنا بحالة من الرعب، ولأسباب عديدة، من بينها شخصي، ونحن نشاهد شريط فيديو لأحد مستشفيات العاصمة الاسبانية مدريد وقد ازدحمت ممراته “بالجثث الحية” للعشرات من المصابين بوباء الكورونا، يفترشون الأرض، وبدون أي عناية طبية، او القليل جدا منها، وبعضهم فارق الحياة وحيدا، وبطريقة مأساوية يعجز القلم عن وصفها.

اما الأسباب الشخصية، فتعود الى انني كنت في العاصمة الاسبانية قبل 17 يوما حيث دعاني البيت العربي في مدريد لإلقاء محاضرة في الثالث من الشهر الحالي عن أحوال العرب بعد الموجة الثانية من “الربيع العربي”، وما اذا كانت الثالثة في الطريق، وعندما اقترحت على المنظمين (البيت العربي تابع لوزارة الخارجية الاسبانية) تأجيل المحاضرة، او حتى الغائها، بسب انتشار فيروس الكورونا، قالوا ان اسبانيا شبه خالية منه، وان الحياة عادية والشوارع مزدحمة، وما قالوه كان صحيحا، فمقاعد الطائرة التي انطلقت من مطار هيثرو كانت مشغولة بالكامل، وقاعة المحاضرات كانت مزدحمة، وكذلك الشوارع والمقاهي والمطاعم، وهات يا عناق، وقُبل وتصوير مع عدد كبير من الحاضرين ومعظمهم من العرب، وهذا المشهد ليس غريبا على الناطقين بلغة الضاد.

***

الرعب يأتي من انه بعد يومين او ثلاثة من مغادرتي جرى الإعلان عن ارتفاع رقم الإصابات من اقل من مئة الى خانة الآلاف، بحيث وصل العدد الآن وبعد أسبوعين الى 25 الف إصابة، واكثر من 1700 من بينها 375 حالة اليوم الاحد، ساعة كتابة هذا المقال.

انه الإهمال، وسوء التقدير، وعدم اخذ الأمور بالجدية المطلوبة، وعدم استبعاد نظرية المؤامرة، فاوروبا “القديمة” حسب وصف وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفليد أُخذت على حين غرة، ابتداء من إيطاليا التي بلغت عدد الوفيات فيها 5000 حالة من بينها 651 حالة اليوم الاحد، ووصل الإصابات الى 52 الف حالة، ومرورا بفرنسا (15 الف إصابة و600 حالة وفاة)، وانتهاء ببريطانيا (5683 إصابة ووفاة 281) التي يتزعمها رئيس وزراء تحركه المنطلقات العنصرية، ويوصف بأنه محدود الذكاء، ليس لانه بث الرعب في بريطانيا والعالم، عندما بشر مواطنيه بأنهم سيفقدون اخباءهم، وان حكومته تتبنى نظرية “حصانة القطيع” وتخطط لإصابة 60 بالمئة من الشباب لتكوين مناعة طبيعية، اما كبار السن والمتقاعدون فعليهم ان يواجهوا  مصيرهم وحدهم، والنظام الصحي لا يستطيع ان يقدم لهم الا القليل في اطار تجديد دماء الشعب البريطاني “الهرم” والقضاء على شيخوخته.

يقولون لنا صراحة، ودون أي مواربة، بأن بريطانيا على بعد أسبوعين او ثلاثة من الوضع المأساوي الذي تعيشه إيطاليا، ونسأل، وما هي خططكم لمنع الوصول الى هذه النهاية، يجيبون بأن عليكم التزام بيوتكم، وتنصح الحكومة بإغلاق المطاعم والحانات والأندية الرياضية، والمسألة “خيارية” وليست اجبارية مثل الكثير من الحكومات الأخرى التي تعطي الأولوية لصحة كل مواطنيها بغض النظر عن أعمارهم.

نظرية “مناعة القطيع” يجري تطبيقها، ولكن بالتدريج ودون اعلان رسمي، وابلغني صديق مخضرم بأن المستشفيات لم تعد قادرة على استيعاب الاعداد الكبيرة من المصابين، وباتت تغلق أبوابها في وجوه اعداد كبيرة منهم وتطالبهم بالبقاء في منازلهم، لأنها لا تملك الاعداد الكافية من الاسرة، وأجهزة التنفس الصناعي اللازمة.

الولايات المتحدة زعيمة العالم الغربي “الحر” وشريكة الدول الأوروبية في حلف الناتو لم تقدم شحنه طبية واحدة لمساعدة هؤلاء الحلفاء، بل ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك عندما عزلت نفسها كليا، وأغلقت أبوابها في وجه مواطنيها، وأوقفت كل رحلات الطيران من والى أوروبا، وحاولت احتكار تجارب واعدة لشركة المانية توشك ان تنتج مصلا وعلاجا لهذا الوباء بعرض مليار دولار، ولكن الوطنية الآرية أحبطت هذه المؤامرة اللاأخلاقية واللاإنسانية.

من المفارقة ان دولة واحدة وغير غربية، هي التي تتصدر المساعي لإنقاذ العالم من هذا الوباء، وتوظيف خبراتها لتطويقه في اسرع وقت ممكن، وهي الصين، فطائراتها المحملة بالمعدات والأدوية والمختصين، تطير الى إيطاليا واسبانيا وايران والمغرب والجزائر وكل دولة تحتاج المساعدة، ووجه شي جين بينغ رئيسها اليوم رسائل عاجلة الى قادة العالم يعلن فيها تعاطفه مع المصابين بهذا الوباء، واستعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن لتقديم خبرات الوقاية من العدوى، وكيفية السيطرة على المرض، وتقديم خطط التشخيص والعلاج وادواته، ولن تبخل بالمساعدة والدعم الممكن في نطاق قدراتها.

رسائل الرئيس الصيني التضامنية وصلت الى نظرائه في فرنسا وإيطاليا واسبانيا، وتؤكد ضرورة العمل المشترك في مواجهة هذا الفيروس الذي يهدد البشرية جمعاء، ولا يمكن مواجهته والسيطرة عليه الا بالتضامن والتنسيق المشترك عالميا.

انها مبادرة إنسانية، وتحرك مسؤول على المستوى الدولي، تعكسان خريطة جديدة للقوة التي ستتربع على عرش العالم في مرحلة ما بعد انتهاء هذه المحنة، خريطة لن يكون للولايات المتحدة مكان الصدارة فيها، لأنها فشلت في الاختبار، ولم تقم بواجبات الزعامة وشروطها، والترفع عن الأحقاد العنصرية، وانهاء الحروب والحصارات والعقوبات، وقيادة العالم الى بر الأمان في هذا الزمن الصعب.

السيد علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، كان مصيبا عندما قال في خطابه المتلفز اليوم بأنه لن يقبل أي مساعدات من أمريكا لأنها هي الشر، وقادتها كذابون ماكرون وقحون جشعون مخادعون، واذا كان لديهم معدات فليستخدموها لإنقاذ شعبهم.

***

ما زلنا نتمسك برأينا بأن المخابرات الامريكية هي المتهم الأكبر بنشر هذا الفيروس، ابتداء من مدينة ووهان، قلعة الصناعة والاقتصاد الصيني، لتدميرها، ووصولا الى أوروبا القديمة التقليدية المتمثلة في المانيا وفرنسا وإيطاليا اسبانيا، التي بدأت تتمرد على الهيمنة الامريكية، وتخط لنفسها خطا دفاعيا استراتيجيا مستقلا عن أمريكا التي تريد تفكيك الاتحاد الأوروبي واضعافه بفرض العقوبات عليه، ودعم وتشجيع الانفصال البريطاني.

انها حرب على زعامة العالم بين الصين الصاعدة، وامريكا المتراجعة، وفيروس الكورونا هو احدث ادواتها، وقد سجلت الصين انتصارا كبيرا في جولتها الأولى والاحدث ليس على الفيروس فقط، وانما في كسب عقول وقلوب الكثيرين في أوروبا وآسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية.. والأيام بيننا.

You might also like